حماسيّ أنا

هزار سلوم  / دمشق

الزمن فصل الصيف .. تموز..أو.. آب .. موسم الأعراس .. ووقت تحقيق الأمنيات .. والليلة  ليلة السبت من يوم الجمعة ,إنها الليلة الأهم في دمشق, فهي تعني للدمشقيين أو للشباب الدمشقي نهاية العزوبية وبداية لوضع أول نواة  في خلية الأسرة ..  حيث الاستقرار النفسي والاجتماعي .. و..لعل العاطفي أيضاً.. فمن بعض أعراف الدمشقيين ..ومعتقداتهم .. التفاؤل بليلة السبت ..  ولذلك كان يتم حشر أغلب مناسبات الزواج في واحدة من تلك الليالي .. فربما كان في السبت .. سباتاً .. (ثباتاً ) ومن ثمّ صبيانا وبناتا ..                   

( بهالليلة , صارلو عيلة ) .. (  روح اتجوز روح ..روح .. حاجة تبصبص ع الأسطوح ) .. ( خود البنت المستورة ..لو ماكانت سنيورة).....

هتافات مختصي العراضات  .. أو(زكرتية )[1]الشام يزفون العروس الشاب على أكتافهم مستعرضين عضلاتهم (ومراجلهم[2]) أمام الجمهور .. ليبثوا القوة في نفس الشاب المحمول .. إلى حتفه .. أقصد إلى عروسه .. ليقضي .. ليقضي أجمل أيام حياته ..

والليلة .. كانت إحدى تلك الليالي .. ليلة سبت , من ليالي شهر آب .. ابتهاج .. فرح .. غير عادي .. الكل ينتظر

حدثا .. بل عرسا غير عادي .. لم تعتد على مثله ليالي الشام الحالمة والغارقة بمراسم العادات والتقاليد ..الخاصة لكل مناسبة .. 

هل هو عرس .. انتفاضة ..أم مهرجان ..  ؟؟

أعلام ترفرف ..رايات خضراء , بيضاء .. مُنارة بشعارات التوحيد .. والتكبير .. أناشيد وطنية ..

زغردات امتزجت معانيها بفرحة الأم واعتزاز الوطن .. صيحات دمجت بحتها أغنية العروس وأنشودة الحرية ..

عرس جديد .. غريب على مجتمع دمشق الذي يفضل الاختباء وراء جدران المحافظة على الضجة الشعبية والصخب الإعلامي .. ومع ذلك كان عرسا ذا نكهة خاصة .. له طعم الأصالة ومذاق الوطنية .. شاركنا فرحته على الرغم من أنوف عاداتنا ومحافظتنا .. لأنه يحمل عبقا إسلاميا .. وشذى إنسانيا .. وبعدا توحيديا..

إنه العرس الجماعي الذي تبنته حماس ( حركة المقاومة الإسلامية) لتزويج خمسين شاباً مسلما .. طموحاً .. وقفت قلة ذات اليد عائقاً بينهم وبين تحقيق حلمهم بتكوين أُسر ..  وإتمام نصف الدين .

بادرة رائعة من حماس ..تلك الحركة التي تواظب وبتصميم تخطيطيّ وبعد حضاريّ على المسير في درب شائك الخطوات.. ومعثر المسافات ..

كان العرس عبارة عن مهرجان شعبي .. دوت أصوات الخطباء , وجلجلت تكبيرات الشباب المشاركين الساحة ..

رقصات شعبية .. دبكات تراثية .. شباب حيي أنار الإيمان وجوههم .. وأضاء الحياء قسماتهم .. وفرحة تحدت كل ماذكر وارتسمت على معالمهم ..

ماأروع الإسلام .. وما أعظم المسلمين ! ماأروع أن تتحد قلوب لتصبح قلبا واحدا .. وتتكاتف الأيدي لتصبح يدا وساعدا قويا يشد أذرع  مجتمع مزقته التفرقة .. وأعمت بصيرته المسميات والتحديات والصراعات ..

لقد كانت حماس هنا الأب الذي رعى رغبة أبنائه الشباب, وعمل من أجل تحصينهم في بيت الزوجية ,فوزع المهام بين الإخوة المتعاونين الذين سرى الإسلام في عروقهم, فأينع رحمة ونبضَ أُلفة .. فقدم كلٌّ ممّا يملك لمساعدة العرسان .. ولتأسيس بيوت الزوجية .. من أدوات كهربائية , وأثاث .. إلى تقديم الملابس , وكل مايحتاج الفرح من طقوس

وأموال لكل من الشباب العرسان .

اجتمعت الأمهات والعروسات في ركن من أركان الساحة .. بفصل تام عن الرجال .. لو افتربت من أي واحدة منهن لوجدت الرضا .. وسمعت الدعاء .. منظر تقشعر له الأبدان .. يجعلك تعيش عظمة الإسلام وتتلمس رحمته  وتتظلل بسحابات الحب المكللة سماءه .

في ذلك العرس اجتمع الصدق والبساطة والعظمة, فكللت الوجود بإكليل البهجة والألفة ..

العرس الحماسيّ .. الذي كان شعاره: الجهاد هو الطريق, محمد صلى الله عليه وسلم: هو المعلم والصديق ,والقرآن العظيم: هو الدستور العريق .. ولاإله إلا الله .. والله أكبر: هي الغاية والهدف, لتخفق عاليا فوق الأقصى العتيق ..

العرس الحماسيّ- الذي رسم تقليدا جديدا للعرس الفلسطيني .. فيوم لزفاف الشاب, واليوم التالي تزف العروس إليه في عرس يضم الأمهات والأخوات والصاحبات - سيبقى الأمل لرسم حدود التقاليد الإسلامية .. التي ستكون سمة من سمات دولة فلسطين المحررة إن شاء الله - غدا - على أيدي المجاهدين الفلسطينيين ..

في العرس الحماسيّ تخنقك دمعة, ويراودك دعاء؛ بأن يجمع الله كلمة الفلسطينيين .. ويوحد القلوب بين فصائلهم ..

لتصبح فتح هي الساعد والسلاح, وحماس هي العقل والروح .. وتحرير القدس الطريق والشريان الذي يسري فيه الدم

الفلسطيني .

               

[1] - الزكرت هو الجريء الذي يعتمد عليه , الشهم .ج. زكرتية . من التركية zugurt  ياسين عبد الرحيم / الجزء الثاني –  691موسوعة العامية السورية

[2] مرجلة : ج. مراجل : الأعمال الشجاعة الخليقة بالرجال الأقوياء – المرجع نفسه .