بإذنه تعالى سوف ينتصر الإسلام

بإذنه تعالى سوف ينتصر الإسلام

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

يبدو – والله أعلم – أن فوز حزب العدالة التركى فى الانتخابات التشريعية 22/7/2007م ، قد أصاب العلمانيين فى العالم الإسلامى ، والعلمانيين العرب خاصة ، بصدمة لم يتوقعوها ، فقد ظلوا مذ جاء السفاح الفرنسي نابليون بونابرت فى حملته الوحشية على مصر والشام 1798م وحتى اليوم ، وفى ظل رعاية صليبية استعمارية وحشية ، يُحاولون استئصال الإسلام من النفوس والقلوب والعقول . وترواحت هذه المحاولة بين العمل الدءوب الهادئ فى مجالات شتى بطرق غير مباشرة لزعزعة ثوابت الإسلام وعوامل ازدهاره ، والعمل الطائش المتسرّع الذى كان يأخذ شكل انقلابات عسكرية أو بوليسية تفرض بالحديد والنار قيما مخالفة لمناهج الإسلام ، فى الحرية والشورى والعدل والكرامة الإنسانية . وكانت تركيا ( آخر عاصمة للخلافة الإسلامية ) النموذج الأوضح والأسرع ، فى تحويل المسلمين إلى " خواجات " بقوة السلاح والبطش والكذب ، وعاش المسلمون الأتراك فى رعب من الغازى " أتاتورك " – أبو الأتراك – حتى يومنا هذا ، ولكن أعماقهم كانت مشدودة إلى الكعبة الزهراء وإلى المساجد التى حرّم فيها الغازى الأذان باللغة العربية ، وجعل خطبة الجمعة بالتركية ، وفرض العرى على النساء ، وأصرّ على إلقاء الطربوش والعمامة ، ليرتدى الناس " القبعة الأوروبية " .. وألغى اللغة العربية فى التعليم والكتابة ، وجعل الحرف اللاتينى والمعجم الهجين الذى ينبذ الألفاظ العربية ، ويضع مكانها مقابلاً غربياً من لغات فرنسا وإنجلترا وألمانيا .. وجعل الإجازة الأسبوعية يوم الأحد بدلاً من الجمعة ، وحرّم هو وتلاميذه الحجاب فى المدارس والجامعات والمؤسسات الرسمية ... حتى صار الغراب يقلد الحمامة تماماً ، فلا صار حمامة ، ولا عاد إلى أصله الغرابى .!

كانت مفاجأة العالم أن الشعب التركى المسلم الذى فتح القسطنطينية ، رمز الإرهاب الصليبى الاستعمارى الوحشى ، مازال يُحب أبا أيوب الأنصارى ، ومازال مسجد " الفاتح الأول " مزاراً يومياً يزوره مئات الأتراك فى استانبول ( الآستانة ) بمناسبة الختان أو الزفاف ، ولهم فى ذلك تقاليد رائعة وجميلة تحدثت عنها فى مناسبة أخرى .. بل إن السياح الأوربيين والأجانب ، يُصرّون على زيارة مسجد أبى أيوب الأنصارى أول مضيف للنبى – صلى الله عليه وسلم – عندما هاجر إلى المدينة المنورة ، وذهب إلى القسطنطينية ( استانبول ) ليُشارك فى جيش الفتح فى عهد يزيد ين معاوية ، وأصر - وقد جاوز الثمانين آنئذ - على المشاركة فى الجهاد ، وطلب – وهو يحتضر – أن يُدفن على أسوار المدينة التى انطلقت منها جيوش الروم الهمجية لتحارب الإسلام والمسلمين ، وعندما منّ الله على " محمد الفاتح " بفتح القسطنطينية ، كان أول ما فعله ، هو نقل رفات " أبى أيوب " إلى داخلها ، ودفنه فى ترابها ، وتشييد مسجد آية فى الروعة بجوار قبره ..

الأتراك المسلمون يُحبون أبا أيوب ومسجده ، ويزورونه فى المناسبات الإسلامية والاجتماعية ، ولعل ذلك كان دليلاً على رفضهم للغازى الذى استسلم للإرادة الصليبية الوحشية ، وحاول استئصال الإسلام بالقوة المسلحة إرضاء لسادته ، وبعد سبعين عاماً صارت شوارع استانبول تعج بالمحجبات ، ومدارس القرآن يتزايد عددها فى كل مكان ، وحزب العدالة الإسلامى يحصل على أغلبية أصوات الناخبين ، ويشكل الحكومة منفرداً !

وإذا كان بعض المسلمين فى بلادنا العربية يتمنى أن يحدث عندنا ما حدث فى تركيا مؤخراً ، فإنى أقول لهم : بإذنه تعالى سينتصر الإسلام ، ويذهب أعداؤه وخصومه والنخب المتغربة وخدام الهيمنة الصليبية الاستعمارية التى تبسطها أمريكا الشيطان الأكبرإلى حيث لا يرجعون . فلله جنود السموات والأرض ، ومنهم ملايين الشباب المسلم الذى يصنع الحرية والنهضة والأمل .

إن الغرب الصليبى الاستعمارى يعلم جيداً أن الإسلام هو العقبة الكئود التى تقف فى طريقه لنشر القيم الفاسدة والوثنية الجديدة التى تقوم على عبادة المال والقوة ، والإسلام هو المانع الذى يتصدى له وهو ينهب ثروات الشعوب الإسلامية ، وخاصة " البترول " الذى شنَ من أجله حربين وحشيتين ، ضد شعب الأفغان المسلم ، وضد شعب العراق المسلم ، ويمكن أن نضيف إليهما الحرب بالوكالة ضد لبنان فى صيف 2006م ، والحرب الدائمة ضد الفلسطينيين ، وضد حماس بالذات ..

سوف ينتصر الإسلام بإذنه تعالى بالصبر والجهاد الحقيقى ، وتجاوز المحن والآلام مهما اشتدت وعظمت .. لقد كان من اللافت للنظر أن تصرح وزيرة الإسكان الفرنسية ، وهى سياسية بارزة فى نوفمبر 2006م بأن الرئيس جورج بوش رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ضالع – على الأرجح – فى تدبير هجمات سبتمبر 2001م التى أصابت عدة مدن أمريكية وأوقعت آلاف الضحايا ( الأهرام 8/7/2007م) .

ومما يؤكد ذلك أن بوش اتخذ من الهجمات ذريعة لشن الحرب مباشرة على بلدين إسلاميين ، دون تحقيق دولى نزيه ، يثبت مسئولية هذه الجهة أو تلك ، ولكنه أطلق أبواقه لتتحدث عن " فزّاعة " اسمها " الإرهاب " أو " القاعدة " أو " الزرقاوى " . لقد طالب محمد حسنين هيكل فى " وجهات نظر " عقب الأحداث ؛ الدول العربية أن تسعى إلى إيجاد جهة محايدة تحقق فى أحداث سبتمبر 2001م ، ولكنه هذه الدول لم تفعل ، ورضخت للإرادة الصليبية الاستعمارية ، التى جاءت بجيوشها الجرارة لتسرق النفط فى بحر قزوين والعراق – ولاحقا إيران – وكانت طلائع التنصير ( يسمونه تبشير ) فى مقدمة الجيوش الصليبية الاستعمارية المتحالفة ، حتى كوريا الجنوبية شاركت بمنصّريها فى أفغانستان ( اعتقلت طالبان مجموعة منهم مؤخراً وتُفاوض بهم لإطلاق سراح أفغان معتقلين ) .

وللأسف ، فإن النخب العربية المتغربة ، كانت أكثر حزناً ولوعة وحرقة بسبب فوز الإسلاميين فى تركيا ، وأرجعوا نجاحهم لنشاطهم فى التنمية الاقتصادية ، وليس إلى تدينهم وعفتهم ونزاهتهم وترفعهم عن سرقة شعبهم أو الاستدانة من دول الاستخراب الصليبى المتوحشة .. والسؤال هو : لماذا لم تنجح حكوماتكم العلمانية التى تعترّ من الإسلام فى تحقيق تنمية اقتصادية فى البلاد العربية ؟ بل لماذا تخاف هذه الحكومات من إجراء انتخابات نزيهة دون تزوير كما فعل الأتراك ؟

شاعر شهير ينتسب إلى فلسطين ويحمل الجنسية العبرية ، قال لمحررة هاآرتس " داليا كيريل " فى ملحقها الصادر فى 13/7/2007م إن أصولية حماس لا تُخيفه سياسيا ، ولكن تُخيفه ثقافيا لأنها تميل إلى فرض آرائها على الجميع ، وتؤمن بالديمقراطية لمرة واحدة للوصول إلى صناديق الاقتراع والحكم فقط .

ثم وصف الأصوليين ( يقصد الإسلاميين ) بأنهم كارثة على الديمقراطية ، ورأى أن ديمقراطيتهم مناقضة للديمقراطية ! هذا ما قاله الشاعر الشيوعى السابق " المتأسرل " الحالى ، الذى يتكلم عن الغزاة النازيين اليهود بكل ود ورقة وتحضر ..! وتكافئه دول عربية بجوائزها وتحتفى به حفاوة غير عادية !

واسأله ما رأيه فى الديمقراطية التركية التى أجراها الأصوليون " مرتين " حتى الآن ؟

بإذنه تعالى سينتصر الإسلام ، وستنهزم النخب العلمانية التى تحاربه فى بلادنا .. لأنها تنطلق من مصالحها الخاصة ، وإشباع غرائزها الحيوانية . دون أن تضع فى حسبانها مصالح بلادها وحريتها واستقلالها وحماية ثرواتها ، فضلاً عن كرامتها .