تطوير التعليم والحفاظ على الهوية
تطوير التعليم
والحفاظ على الهوية
حسام مقلد *
مقدمة:
لا شك أن للتعليم أهمية كبرى في حياة الأمم والمجتمعات المعاصرة ؛ ذلك لأن العلم هو القاعدة الصلبة والأساس المكين الذي تقوم عليه الحياة المعاصرة ، والأمم المتطورة في عالمنا اليوم تؤسس نهضتها على العلم ، ولنأخذ الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال ، حيث نجد أن التعليم الراقي المتطور والبحث العلمي الراسخ هما المصدر الأبرز من مصادر قوتها وهيمنتها، فبسبب البحوث العلمية والدراسات والابتكارات ، والاختراعات والاكتشافات صارت الولايات المتحدة أكثر البلاد تقدماً على كافة المستويات: الاقتصادية و السياسية والعسكرية والمعلوماتية والتقنية.
وعندما ظنت الولايات المتحدة الأمريكية أن الاتحاد السوفييتي السابق قد تفوق عليها في مجال الفضاء ، وشعر المسؤولون الأمريكان بتراجع مستوى الطلبة الأمريكيين في المواد العلمية والبحث العلمي، اعتبروا أن أمتهم في حالة خطر ، وأعدوا الدراسات التربوية المتخصصة ، وصدر التقرير الشهير " أمة في خطر" “A Nation At Risk” (عام 1983م) في الولايات المتحدة ، وكان بمثابة صرخة مدوية أظهرت مدى ما يستشعره صناع القرار الأمريكيون من الخطر الذي يتهدد التعليم في أمريكا، ومدى تدني نوعية التدريس ، والذي نتج عنه انخفاض في المستويات التحصيلية والأكاديمية للطلاب الأمريكيين، وعلى الفور قاموا بتغيير المناهج وتطوير العملية التعليمية برمتها.
تطوير التعليم في العالم العربي ضرورة:
لم تعد قضية تطوير التعليم في العالم العربي ترفاً فكرياً يتردد صداه في أروقة المثقفين ودوائرهم المحدودة، وهي ليست مجرد دعوة ينادي بها بعض المصلحين التربويين أو الاجتماعيين، بل هي مطلب الجميع : القاعدة والقمة، الصفوة والعامة ... وهي قضية حيوية شديدة الأهمية؛ لأن التعليم أصبح ضرورة في حياة المجتمعات المعاصرة، ولا أحد يماري في أن العلم هو القاعدة الصلبة والأساس المكين الذي تقوم عليه الحضارة البشرية، وأن الدول المتطورة في عالمنا اليوم تؤسس نهضتها على التعليم.
وكل من يتابع مسيرة التعليم في العالم العربي يدرك أنه يعاني من أزمة عنيفة ومزمنة ، وربما ظن البعض أنها أزمة مستعصية على العلاج ؛ بسبب كثرة العوامل والأسباب شديدة التداخل والتعقيد الكامنة وراء هذه الأزمة ، وفي الحقيقة ودون أدنى مبالغة أو تهويل فإن أزمة التعليم في العالم العربي هي أزمة مصيرية ؛ لأنها أزمة تمس عن قرب هوية الأمة وحاضرها ومستقبلها ... ومن هنا فعندما نفتح هذا الملف لابد أن نفتحه بقدر كبير جدا من الاهتمام والحذر ، والجدية والشمول بحيث نراعي الجزئيات والتفاصيل الكثيرة المبعثرة والتي تشكل جزءاً من اللغز أو الأحجية...!!!
أسباب مشكلات التعليم في العالم العربي:
يكمن وراء مشكلات التعليم في الوطن العربي أسباب كثيرة وعوامل متعددة ، وهي في الواقع منظومة معقدة ومتشابكة من المشاكل التي يعاني منها عالمنا العربي في كافة المجالات ، فالمشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تلعب دوراً أساسياً في زيادة مشاكل التعليم في العالم العربي، ومما يفاقم هذه المشكلات كما يقول فقهاء التربية والتعليم عدم وضوح الرؤية في أغلب الأحيان فيما يخص السياسات التعليمية، والافتقار إلى تبني فلسفة تعليمية راسخة وثابتة تتسق مع الأيدلوجية العليا لكل دولة عربية، وتنسجم مع الغايات الكبرى المراد تحقيقها، وإن وجد الحد الأدنى من ذلك لا يترجم في صورة خطط واستراتيجيات ثابتة تنفذ تدريجيا ومرحليا، ولا تتأثر بالمتغيرات والتقلبات السياسية والاقتصادية المستمرة.
كيف تعالج مشكلات التعليم في العالم العربي؟!
في الحقيقة لا بد من اتباع المنهج العلمي في التعامل مع التحديات التي تواجهنا في كل المجالات ، وخصوصا التعليم ، ذلك هو المطلوب بالتحديد هنا في العالم العربي ؛ فالأمية تصل في بعض الدول العربية إلى60 % في الوقت الذي لا تزيد فيه عن 3% فقط في بعض الدول الصناعية، واستخدام الوسائل التقنية لدينا في التعليم أمر شبه معدوم ، أو محدود جداً وبصورة بدائية مخجلة، وهناك مشاكل كبيرة في السياسات التعليمية ، والإدارة التربوية، وهناك قصور كبير في إعداد وتأهيل المعلمين، وخلل فادح في المناهج التي تعتمد على الشكل النظري ، ولا تقترب إلا لماما من التطبيق العملي حتى في الجامعات والأقسام العلمية..... وكل ذلك في الواقع يحتاج إلى ثورة تعليمية شاملة تراعي الجوانب التالية:
1. تبني فلسفة تعليمية واضحة وشاملة، تتسق تماما وتتوافق مع الأيدلوجية العليا لكل دولة عربية، وتنسجم مع الغايات والأهداف الكبرى المراد تحقيقها في كل دولة.
2. وضع خطط واستراتيجيات محددة وواضحة تنفذ تدريجيا بصورة مرحلية منضبطة لا تتأثر بالمتغيرات والتقلبات السياسية والاقتصادية المستمرة.
3. تطوير المناهج التعليمية باستمرار؛ لتواكب التطورات العالمية المستمرة ، وتساير القفزات العلمية الهائلة في المعارف والعلوم المختلفة.
4. الاهتمام بإعداد وتأهيل المعلم: علميا وثقافيا وفكريا ونفسيا؛ لأنه العمود الفقري للعملية التعليمية.
5. العناية بالأنشطة الصفية واللاصفية (المنهجية واللامنهجية) باعتبارهما مكملان لبعضهما البعض في تنمية كافة جوانب شخصية الطالب.
6. اعتبار التعليم استثمار وليس استهلاك، وتوفير الحد الأدنى الضروري للعملية التعليمية من الموارد والإمكانات المادية اللازمة لدعم وتفعيل كافة المناشط التربوية في المدارس والجامعات.
7. تبني منظومة حديثة للتدريس من حيث: طرق التدريس، والوسائل التعليمية، والأنشطة البيئية والاجتماعية المصاحبة للعملية التعليمية....
8. العناية بالأبنية التعليمية ، وتوفير كافة الشروط الطبيعية (الفيزيائية) الضرورية لنجاح العملية التربوية المتكاملة.
دور المجتمع في الحفاظ على الهوية:
يمر العالم كله اليوم بمشكلة كبيرة تتعلق بالهوية؛ فقد أوجدت العولمة ثقافة عالمية تغزو كل أمة وكل مجتمع وتهدد هويته تهديدا كبيرا، لدرجة أفزعت الدول الكبرى مثل فرنسا وألمانيا اللتان تشكوان من خطورة ثقافة العولمة على الهوية الثقافية الخاصة بكل منهما...، وإذا كان هو حال مثل هذه الدول فما بالنا بالهوية العربية والإسلامية التي تعصف بها الهجمات الضارية والحروب الشرسة في كل مجال، وعلى كافة الأصعدة؟!
إن مهمتنا الأساسية اليوم هي إصلاح العقول وإعادة صياغة وتشكيل شخصية الإنسان العربي المسلم ؛ لتنهض على أسس دينية وقِيَمِيَّة وحضارية حقيقية، ولن يتم ذلك قبل إصلاح مجال التربية والتعليم، إصلاحاً ينبع من حاجاتنا الحقيقية، بعد دراسة واستيعاب حجم المشاكل التي يعاني منها التعليم لدينا، وتبني إستراتيجية شاملة متكاملة تحقق الغايات السامية التي نسعى إليها، ومن الضروري قيام المجتمع العربي بما يلي للحفاظ على هويته:
· وضع عقد أو ميثاق اجتماعي شامل متكامل يتفق عليه الجميع، ويرسي سياسة تعليمية واضحة ومحددة وراسخة تحقق مصالح المجتمعات العربية، وتحفظ هويتها، وتدعم ثقافتها بشكل قوي يساعدها في صد طوفان الغزو الفكري والثقافي الشرس الذي نتعرض له.
· عدم ترك التعليم في أيدي المؤسسات الرسمية فقط، بل تكوين هيئات مدنية أهلية مستقلة تراقب سير العملية التعليمية في جميع مراحلها؛ لضمان الالتزام بتنفيذ العقد أو الميثاق الاجتماعي المتفق عليه، بما يحفظ هوية الأمة، ويحمي ثقافتها وخصوصيتها من الذوبان والتحلل.
· عدم السماح مطلقا لأية قوى خارجية (... !!) مهما كانت بالتدخل في مسيرة التعليم بأي شكل من الأشكال.
· القضاء على الازدواجية المقيتة الموجودة في معظم أنظمة التعليم العربية، فليس من المستساغ وجود تعليم ديني وتعليم مدني يخرِّجان صنفين من الناس، الأمر الذي يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي، ويسهم في شرذمة وانقسام أبناء المجتمع الواحد، وبثِّ بذور الفرقة والخلاف بينهم.
· انتقاء المعلمين الأكفاء، وتوفير الأوضاع المادية والمعنوية الكريمة لكل معلم؛ منعا لتعريضه للامتهان؛ لأن المعلم هو مصدر القيم بالنسبة لطلابه، وبالتالي ينبغي الحفاظ على هيبته واحترامه في نفوس جميع أبناء المجتمع.
· الضغط بكافة الطرق والوسائل السياسية على وسائل الإعلام المختلفة، لتساهم في الحفاظ على هوية وأخلاق المجتمع، وألا تكون خنجرا مسموما تطعن به الأمة، أو معول هدم يهدم ويدمر ما يرسخه التعليم في نفوس الناشئة.
دور المدرسة في الحفاظ على الهوية:
من المسلم به أن المدرسة هي أحد جناحي العملية التعليمية، والطلاب كما هو معروف هم صلب العملية التربوية، وتشير كافة الأبحاث والدراسات العلمية إلى انهيار دور المدرسة في السنوات الأخيرة، ولعل أبرز الشواهد والأدلة على ذلك ما رصده المتخصصون من الظواهر التالية:
1. تدني مستوى التحصيل العلمي للطلاب في معظم المدارس ـ والمدارس الحكومية خاصة ... !!! ـ واقتصار اهتمام المدرسين على تحقيق التلاميذ للتحصيل الكمي فقط المتمثل في الحفظ والاستظهار، وعدم الاهتمام مطلقا بالتعلم النوعي المتمثل في الاستفادة من التعلُّم والتدريس، وحدوث ما يعرف بانتقال أثر التدريب أو التعليم ليستفيد منه الطالب في حياته... وبمعنى آخر يقتصر التعليم الآن على الحفظ والاستظهار من أجل الاختبارات والامتحانات وفقط...!!!
2. فشل الإدارة التعليمية في أغلب الأحيان في ضبط المدارس والسيطرة عليها، وسوء بل تردي الحالة التي وصلت إليها بعض المدارس من حيث الأبنية التعليمية، وفصول الدراسة واكتظاظ الطلاب فيها، الأمر الذي يعيق بالفعل سير العملية التعليمية بسلاسة.
3. بيَّنت الدراسات ازدياد حالات العنف في المدارس ، بل وانتشار تعاطي المخدرات بين طلاب بعض المدارس الثانوية، ووجود بعض مظاهر الانفلات الأخلاقي (...) الأمر الذي ينذر بالخطر الشديد، ويفرض علينا ضرورة التحرك سريعاً لمواجهة الضرر، وتدارك الأمر قبل استفحاله بصورة أشد خطورة ...!!!
ومن الضروري قيام المدرسة بما يلي للحفاظ على هوية المجتمع العربي المسلم:
· الاهتمام البالغ بالأنشطة اللاصفية، ووضع خطة لذلك على امتداد العام الدراسي.
· العناية القصوى من خلال التدريس ببناء منظومة القيم والأخلاق وغرس الفضائل في نفوس التلاميذ ( كالصدق ، والأمانة ، والصبر ، والحلم ، والعفو ، والتسامح ، والرفق ، والرحمة ، والبذل والعطاء ، والتواضع ، واحترام الآخر والإحساس به ، والاهتمام بمشاعره ، والحياء ، والإيثار ، ... إلخ ).
· ينبغي أن يكون جميع المعلمين مصدراً للقيم والأخلاق، وأن يضربوا للتلاميذ الأسوة الحسنة والقدوة العملية بالسلوك العملي والممارسة الفعلية، علماً بأن الأخلاق في الإسلام المطلوب غرسها في وعي ووجدان كل تلميذ ليست مجرد مثاليات نظرية ، بل هي فضائل سلوكية واسعة الدلالة ، حيث لا تقتصر على آداب التعامل مع الآخرين بلباقة فحسب ، بل هي مفهوم أشمل وأعم من ذلك ...
· توجيه النصائح الدائمة والتوجيهات المستمرة للتلاميذ بالأساليب والطرق التربوية المختلفة بصورة مباشرة وغير مباشرة؛ لدعم اعتزاز كل تلميذ بهويته وخصوصيته الثقافية، ومحاسبة المخالفين للأنظمة بارتكابهم أعمال تنافي القيم والفضائل والآداب، وعدم التهاون أو التساهل في هذه المسألة.
· إقامة الفعاليات والأنشطة الاجتماعية خارج المدرسة لتدعيم انتماء التلميذ لمجتمعه، كالرحلات للمصانع والمزارع والمتاحف، وحملات المساهم في تنظيف الأحياء والشوارع ... إلخ، وغير ذلك مما يربط التلميذ بوطنه، ويرسخ اعتزازه به وبقيمه وتاريخه وخصوصيته.
دور الأسرة في الحفاظ على الهوية:
الأسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع، ودورها في الحفاظ على النسيج الاجتماعي، وحماية هوية المجتمع وثقافته يعد الدور الأخطر والأهم، وإذا كانت المدرسة هي أحد جناحي العملية التعليمية فالأسرة هي الجناح الثاني وهي ربما أكثر أهمية من المدرسة؛ إذ تعد الأسرة المحضن الأساسي الذي ينشأ فيه الطفل، ويرضع لبان المجتمع وثقافته بما يسمي بعملية التنشئة الاجتماعية Socialization ، ومن هنا كانت خطورة دور الأسرة في العملية التربوية بمعناها الواسع، ومن الضروري قيام الأسرة بما يلي للحفاظ على هوية المجتمع العربي المسلم:
1. أن يضرب الوالدان لأبنائهما القدوة العملية الحسنة والأسوة الصالحة بسلوكهما السوي، في تعاملاتهما المختلفة مع بعضهما ومع أبنائهما، ومع الناس كافة، ويضربا لهما المثل في الصدق والإخلاص ، والعطاء والتضحية، ولنتأمل هذا الموقف فقد روى الطبراني: أن امرأة مسكينة دخلت ومعها ابنتاها على أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ تسألها شيئا، فلم تجد عائشة ـ رضي الله عنها ـ سوى ثلاث تمرات يابسات ، فأعطتها لها ، فأعطت الأم كل واحدة من ابنتيها تمرة ، ورفعت التمرة الثالثة إلى فيها لتأكلها، فما لبثت أن استطعمتها ابنتيها ، فشقت التمرة التي همَّت بأكلها وقسمتها على ابنتيها ، ولم تأكل منها شيئا، فأعجبت عائشة ـ رضي الله عنها ـ بصنيعها ... ، وحينما جاء النبي ـ صلى الله علبيه وسلم ـ أخبرته بالموقف فقال:" إن الله قد أوجب لها الجنة، وأعتقها من النار " فقد فازت هذه المرأة بهذا الجزاء بسبب رحمتها بابنتيها فحرمت نفسها من مجرد تمرة تسد بها رمقها وأعطتها لهما... فهكذا يربي المؤمنون أبناءهم على الرحمة والعطاء، لا الأنانية والجشع والطمع ... وغير ذلك من ملوثات الحضارة المعاصرة التي يبث الإعلام سمومها المدمرة في أبنائنا ليل نهار...!!
2. أن يحمي الوالدان أبناءهما من شرور وفساد الإعلام بشتى صوره وأنماطه وأشكاله، وأن يمارسا عملية الرقابة الواعية على الأبناء، ويقدما لهم النصح والتوجيه غير المباشر، والمتابعة المستمرة لسلوكياتهم المختلفة.
3. ألا يهمل الوالدان تربية الأبناء بتركهم للشغالات والخادمات، أو تركهم في الشوارع والحارات، أو تركهم أمام وسائل الإعلام المختلفة دون متابعة أو توجيه.
4. أن يغرس الوالدان القيم والفضائل في نفوس الأبناء، وينميا فيهم الوعي بالذات والاعتزاز بالثقافة والهوية والخصوصية الثقافية والحضارية للأمة.
5. أن يقدم الوالدان الدعم النفسي والمعنوي للأبناء باستمرار، ويرسخان فيهم أسس البناء الأخلاقي والاجتماعي القوي المتماسك.
خاتمة:
لقد منح الإسلام العلم قدرا كبيرا من الاهتمام ، ووصل به إلى حد القداسة ـ إن صح التعبير ـ ومدح الله تعالى العلم والعلماء ، قال سبحانه: " إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُور" (فاطر: 28) وقال عز اسمه:" قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ" (الزمر:9) بل جعل الإسلام " طلب العلم فريضة على كل مسلم " كما في الحديث الشريف الذي رواه ابن ماجه، وذلك في القدر الضروري من العلم اللازم لإيمان المسلم وعباداته ومعاملاته، فهذا القدر مفروض تعلمه على كل مسلم فرض عين ، وما سواه فهو من فروض الكفاية.
وقد وردت أحاديث كثيرة في الحث على طلب العلم ونشره وبيان فضل طالبه، ومن ذلك ما روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر" ( رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي ).
وبعد:
ففي الحقيقة يؤثر التعليم تأثيرا محوريا في حياة الأمم ومستقبلها ، فإما أن يقفز بها ـ إن كان تعليما راقيا متقدما ـ إلى مصاف الدول المتقدمة، وإما أن يكرس تخلفها الحضاري وتراجعها الثقافي ، وانهزامها القيمي والفكري أمام الثقافات الأخرى؛ مما يضيِّع هويتها ، ويساهم في تحللها وذوبانها في الآخر ـ وذلك إن كان تعليما متهاويا متهالكا متخلفا يهتم بالشكل والمظهر لا بالمضمون والجوهر والمحتوى ـ ...!!
ولنا في اليابان وماليزيا وكوريا وتايوان والصين ... وغيرها المثال العملي في هذا المجال ، فهذه الدول تمثل نموذجا يحتذى به في مجال النهضة والتنمية الشاملة المتكاملة التي أسست على التعليم ، فقد استغلت هذه الدول كفاءاتها البشرية وطورت مستوى التعليم في مدارسها وجامعاتها وذللت العقبات أمام الابتكار والإبداع، ووضعت الخطط والاستراتيجيات العلمية والتقنية ، فطورت صناعاتها واقتصادياتها حتى غزت معظم دول العالم بمنتجاتها ، وقد أشار أحد التقارير الدولية إلى أن دول مثل : تايوان وسنغافورة وكوريا الجنوبية تنفق على البحث العلمي أكثر مما تنفقه إيطاليا وكندا... فما بالنا بالعالم العربي!!!
ولا يمكننا تطوير التعليم، وحل المشكلات المتعلقة به، وفي نفس الوقت نحافظ على هويتنا العربية الإسلامية، وتميزنا الحضاري ، وخصوصيتنا الثقافية ما لم نبدأ بالمصارحة الشفافة عن أوضاعنا الحقيقية، ومحاولة وضع خارطة طريق صالحة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وعندما نبدأ مسيرة تطوير التعليم الحقيقي ، ونتجرد في حل مشكلاتنا ستبدأ عملية الإصلاح الحقيقية التي سوف تقودنا بإذن الله تعالى إلي أن نكون فاعلين في هذا العالم... ؛ لأننا ساعتئذ سنعرف من نحن؟ وأين نحن ا؟ وماذا نريد؟ وما رسالتنا التي نريد إيصالها إلى هذا العالم؟!!!
* كاتب إسلامي مصري