فيفا شط العرب
كاظم فنجان الحمامي
وجدت خنازير شط العرب نفسها تسرح وتمرح كيفما تشاء, في بيئة ريفية نموذجية, تعج بمستنقعات القصب والبردي, وتكثر فيها الأحراش الكثيفة, وجذوع النخيل الخاوية, وأكواخ التجمعات الفلاحية المهجورة, وتحيط بها المياه والأعشاب والنباتات الطرية, وفي منأى عن المطاردة. فراحت تتزاوج وتتكاثر, وتزايدت أعدادها, وصار من المألوف مشاهدتها وهي تعوم مع صغارها في مياه شط العرب, وتعبره نحو الضفة الإيرانية, أو تعود من هناك بقطعان تشق طريقها في الماء بحركات رشيقة, على الرغم من أحجامها الكبيرة التي تفوق أحجام الجاموس البري. فأخذت تعيث في الأرض فسادا, وتفتك بالمزروعات في ساعات الليل، وتأكل الأخضر واليابس في ساعات النهار. وسخّرت قوتها الحيوانية الكاسحة في تخريب البساتين, وتدمير حقول الخضروات,
وأحيانا يقوم الخنزير بشن غارات عدوانية خبيثة تستهدف إفساد ثمار الرطب, وإتلاف التمور اللذيذة المتدلية من عذوق نخيل البرحي والخستاوي, ويسلك في غاراته الخبيثة سلوكا شيطانيا شديد الغرابة, إذ يقوم بجرف وتجميع كميات كبيرة من الطين الأسود, المستخرج من قيعان البرك الآسنة, ثم يقوم بشفطه بفمه, وينطلق مهرولا نحو النخلة التي اختارها هدفا له, فيقف تحتها, ويسدد بوزه باتجاه ثمارها, ويقذفها بما حمله في فمه من أطيان متعفنة, فيلطخها الطين الأسود, ويتلفها وهي في أكمامها. وأحيانا يتعمد السباحة في منتصف الشط, فيقطع الطريق الملاحي المخصص لسير السفن والقوارب, أو يتوجه بأعداد كبيرة نحو تجمعات الصيادين, فيشن عليهم غارات عابثة لتخريب وتمزيق شباك الصيد. واعتاد على اقتحام حقول الخس واللوبيا والخيار, والبطيخ والقرع المزروع بجوار الضفاف, فيقتلع الشتلات من جذورها, ويقلب عاليها سافلها, وخنازير شط العرب تشارك القرويين محاصيلهم, وتستحم في المياه التي تشرب منها مواشيهم, ويلعب فيها أطفالهم, ولا تعترف بالحدود الدولية, وليست تحت السيطرة, فهي حيوانات حرة طليقة, تخرج ليلا في كل الاتجاهات, وتعترض طريق السيارات والشاحنات. فهل هي في منأى عن وباء أنفلونزا الخنازير ؟. وهل نحن في مأمن منها ؟. وما مدى وقايتها من الداء الذي بدأ يدق أبواب حدودنا ؟. وربما لا يعلم الناس إن هذا المرض الوبائي الفتاك يعود في الأصل إلى ولاية (نيو جرسي) الأمريكية, التي تفشى فيها الوباء لأول مرة عام 1976, ويبدو إن الحروب والاعتداءات السافرة, وإشاعة الفساد في الأرض, وتصدير المؤامرات, والدسائس, ونشر الأمراض والأوبئة, هي صناعات أمريكية تخصصية بامتياز.
حرق أحراش ضفاف شط العرب هو الاسلوب البدائي المستخدم الآن لطرد الخنازير
وتقول النشرات الطبية العالمية أن التأكد من الإصابة بالمرض يحتاج إلى مختبرات خاصة لفحص عينات الدم, من اجل تشخيص المشتبه بإصابتهم بالمرض. اما نحن فلا نحتاج إلى مثل هذه المختبرات, بل نحتاج إلى تعزيزات مكثفة لدعم استعداداتنا اللازمة للقيام بحملة شاملة على ضفتي شط العرب, وتخليص الأرض من قطعان الخنازير البرية المتوحشة, التي تخندقت وتحصنت في الأحراش الكثيفة, وكمنت للفلاحين في مستنقعات القصب والبردي. وهي تتجمع الآن في المناطق المحصورة بين (كوت الزين) و(البلجانية), وفي (السيبة) و(الدورة) و(الفداغية) و(المعامر), وفي أماكن متفرقة من الفاو الجنوبي, بينما تتواجد على الضفة الأخرى, في تجمعات متفرقة حول جزيرة (حجي صلبوخ), وفي جزر (شطيط), و(الدواسر). وهي جزر إيرانية ممتدة من (عبادان) إلى (خسرو آباد). إذن لابد من التنسيق المشترك مع الجانب الإيراني, ولابد من تبني خطة مدروسة لتفعيل التدابير الوقائية, وتكثيفها لمنفعة الطرفين, ولابد من تسخير إمكانات البلدين للحد من هذه الظاهرة التي باتت تهدد السكان. بل إنها ربما تشكل تهديدا وبائيا خطيرا للمنطقة برمتها. ومن نافلة القول نذكر, إنّ الحكومة المكسيكية خصصت ميزانية تقدر بـ (92) مليون دولار للقضاء على خنازير المستنقعات المكسيكية, أطلقت عليها حملة (فيفا مكسيكو). فمتى تنطلق حملة (فيفا شط العرب) ؟؟.