أنفلونزا الخنازير

عولمة الداء والدواء، والرؤية الإسلامية

هايل عبد المولى طشطوش

  باحث ومؤلف

ماجستير علوم سياسية

[email protected]

عندما شاع وانتشر مصطلح العولمة في بدايات العقد الأخير من القرن الماضي كان يتبادر إلى الأذهان بأنه يعني في ابسط معانية الهيمنة الاقتصادية والانفتاح الاقتصادي للدول على بعضها البعض ، ولكن سرعان ما بدأت الأمور تتكشف ويتضح بان العولمة تشمل كافة مجالات الحياة فهي انفتاح العالم على بعضة البعض من خلال سقوط الحواجز وانتهاء القيود وذوبان الحدود السياسية والجغرافية وذلك من النواحي  السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والفكرية والعلمية والتعليمية ... الخ والحديث عن كل زاوية من هذه الزوايا يحتاج إلى أبحاث كثيرة ومقالات عديدة وقد تصدى لها الباحثون وكتب عنها الكاتبون ...!!! ولكن لم يكن يخطر ببال البشر -او إنهم تجاهلوا-  أن العولمة ستصيب كل شان من شؤون حياتهم حتى أدق خصوصيات  حياتهم الخاصة فقد أصبحت الأشياء المعولمة تدخل إلى بيوتهم وأجسادهم وعقولهم وجيوبهم ... عنوة ومن حيث لا يشعرون وسواء أحبوا أم لم يحبوا ، وهذا الأمر هو ما شكل صدمة لأنصار العولمة ومريدوها،  فقد اخترقت خصوصياتهم وفضحت أسرارهم وكشفت عوراتهم وأظهرت المستور من جوانب شخصيتهم ، وبما أن العولمة اجتاحت كل مناحي الحياة وتحول العالم إلى قرية صغيرة يتأثر طرفها الغربي بما يدور بطرفها الشرقي ويئن أقصاها الشمالي مما يعاني منه أقصاها الجنوبي فقد أصبحت ويلات العالم وآلامه وأمراضه وأوجاعه وحروبه ومجاعاته... معولمة سريعة الانتشار كما هي أفراحه ومسراته ... ولعل الأمراض المتتابعة التي أصابت العالم في العقدين الأخيرين – أي منذ ظهور العولمة المعاصرة – أثبتت صحة ما نزعم فقد انتشر جنون البقر من أوروبا إلى العالم بسرعة البرق وخلال أيام اجتاح أطراف العالم كله وعانى منه الكثيرون من البشر حول العالم والسبب طبعا هو العولمة أي زوال الحدود وحرية الانتقال والتنقل بين أجزاء هذه القرية الكونية الصغيرة ، وكذلك الحال أنفلونزا الطيور التي أرقت العالم بويلاتها ، وها هو مرض أنفلونزا الخنازير يجتاح العالم وتساهم العولمة بتجلياتها المختلفة وبمظاهرها المتنوعة بانتشاره والحيلولة دون قدرة أي بلد في العالم على حماية شعبها من ويلاته ومن رعبه الذي بدأ يدب في أوصال سكان هذه القرية الكونية الصغيرة ، إن مسؤولية العالم الأخلاقية تفرض على الأمم المتمدنة والتي ساهمت في خلق العولمة ودفعها إلى الأمام بقوة تقتضي أن تساهم في عولمة الدواء وتسهيل وصولة إلى كافة سكان المعمورة بأقصى سرعه ممكنة كما ساهمت في نشر الوباء من حيث لا تشعر وذلك انطلاقا من مسؤولياتها الأدبية وواجبها الأخلاقي والإنساني حتى لا يتحول هذا الداء إلى وباء عالمي يجتاح الأرض ويحصد الملايين من البشر من غير ذنب اقترفوه إلا أنهم جيران في عالم واحد...!!!! .

ومن أساسيات الحيلولة دون انتشار المرض في ديننا الإسلامي  هو التوجيه النبوي الكريم  الذي وضع أساسيات الحجر الصحي قبل مئات السنين وذلك عندما أرشدنا رسولنا الكريم إلى ضرورة التوقف عن التنقل والسفر من البلد الذي وقع فيه الداء إلى خارجة وكذلك الامتناع عن دخوله خوفا على حياة الإنسان المسلم التي هي عند الله أعظم من الكعبة المشرفة لان الإنسان هو أقدس وأعظم ما خلق الله على هذه الأرض ، وهذا التوجيه النبوي هو إرشاد للعالم لكي يوقف انتشار هذا المرض بين بني البشر ، إضافة إلى ما أمر به نبينا الكريم بالتداوي حين يقع الداء لان الله سبحانه ما انزل داء إلا وانزل معه الدواء ، وفي هذا التوجيه الكريم حث على البحث العلمي والتطوير المعرفي  لإنتاج اللقاحات وتطوير الأمصال والعلاجات اللازمة لمعالجة الأمراض ويكفي الإسلام هذه التوجيهات العظيمة التي تكشف عن الدعوة إلى تطوير الأبحاث العلمية والدوائية خدمة لبني البشر والتي تدل أيضا على أن الإسلام هو دين العلم والمعرفة وإعمال العقل وتطوير الذهن.