هل تسمح لي أن أسأل سؤالا بسيطاً
أشرف شتيوى - ناقد صحفي مصري
[email protected]
هل تؤمن بمرونه النظام
الأخلاقي أم لا؟ وهل سمعت يوماً أن هناك كذب أبيض؟ وكذل آخر أسود ؟ هل كنت أحد
المعارضين ؟ هل كان الأمر كذلك فلماذا لا تقبل أن يكون للكذذب ألوان؟ لماذا نتعتبر
الكذب كله لونا واحدا ؟ وهل الكذب هو الكذب دائما؟ وهل الصدق هو الصدق دائما؟ هل
التواضع هو التواضع دائما؟ وهل التكبر هو التكبر دائما؟ هل العفة والكرم والصبر
والمدارة هي دائما وابدا لا تتبدل ولا تتحول وبنفس المقاييس وبنفس الاحجام؟ أم أن
لها مقاييس وألوان واحجام مختلفة ومتعددة ؟ هل أخلاقنا كائنات جامدة ؟ أم أن
الأخلاق كائن متحول؟ هل يمكن أن يدخل الزمكان بما يحمل من شخوص ومكونات مادية
ومعنوية ضمن المعادلة الأخلاقية بقوة تندفع بالأخلاق الاجتماعية والدينية بعيداً عن
حرفية النصوص وسطحية الفهم لنسبر بذلك عالما من الآفاق الجديدة.
البعض يكذب أحيانا إذا
استدعى الأمر الكذب، وبشكل مباشر دون غضاضة ، لكن البعض الآخر يكذب بطرق فنية أي
أنه يلجأ للتورية أو لسواها بمسميات أخرى، وأتصور أن النتيجة واحدة، فما الداعي لكل
هذا العناء إذا، إذا كانت النتيجة واحدة، فما الداعي لكل هذا العناء إذا ، إذا كانت
النتيجة واحدة ؟ والحديث هنا ليس ضد التورية أو سواها لكن لماذا يجرم البعض الكذب
بشكل مطلق دون النظر للظروف المحيطة – هناك آخرون قد يضطرهم حرصهم على التقيد
بالصدق لفضح الحقائق والتسبب على أنفسهم وعلى الآخرين بالضرر، فهل يمكن أن نقبل أن
يضحي البعض بالمصالح العامة بحجة الوقوع في الكذب وحفاظاً على قواب شكلية بعيدا عن
النظر للمضمون؟ هل يعقل أن تكون القواعد الأخلاقية بهذا الجمود، هل الأخلاق كائنات
جامدة حقا؟!
ما هو الضابط في
الأخلاق إذا؟ هل هي تلك النصوص والعبارات الدينية المجتزأة من سياقها الزمكاني؟ أم
أنها تلك النصوص الأخلاقية لكل لا يمكن إلا أن تستبطن روحاً حية تجعل الأخلاق تتحول
وتتطور تبعا لظروفها وروحها الخلاقة تلك؟
وما قيمة القصص
الأخلاقية المتواردة في كتب التاريخ في ضوء ما سبق؟ وإلى أي حد يجب أن تلقي بظلالها
على عقولنا وسلوكنا الاجتماعي؟
أسئلة كثيرة إذا تبحث
عن جواب واحد..هل الأخلاق كائن متحول؟ أم ماذا
وليس الدعوة هنا لتمييع
الأخلاق طبعا، كما قد يتصور البعض، بل الدعوة هنا دعوة لتفعيل تلك الأخلاق وفق رؤية
واعية فالأخلاق بلا شك صمام للأمن الاجتماعي وباعث انسجام وحياة، فلماذا لا تتحول
الأخلاق إذا إلي فن وذوق ومنطق وعلم؟ ، لماذا كل هذا التأثم المتضخم في التعامل مع
ما وراء الحدود الشكلية لظواهر النصوص الدينية الأخلاقية ؟ لماذا التمسك بالفهم
الحرفي رغم كل المفاسد ا لأخلاقية التي تفرزها سطحية الفهم والتي حولت الدعوة
للأخلاقية في التعامل إلى دعوة للسوء في الأخلاق؟
إن نظرة سريعة في
التاريخ يمكن أن تكشف تحولات خطيرة في عالم الأخلاق فرضتها ظروف زمكانية، فقديما
كان من مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات التي بتباعي بها بين الناس قديما أن تمتلك
مجموعة من الرقيق فتمن عليهم بعتق رقابهم من العبودية المباحة، لكن في عصرنا هذا
وتبعا للتطورات الفكرية والسلوكية ، لن تتغاضي عنك المؤسسات الحكومية والمنظمات
الدولية بمبرر أنك تزهو بين أقرانك بفضيلة أسمها عتق رقبة إنسان أو ألف إنسان بعد
أن مارست فعلا ينبذه الجميع اسمه "الاستعباد" ، واستجابة بالمقولة المشهورة للخليفة
الثاني عمر بن الخطاب التي اخترقت حواجز الزمان: " متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم
أمهاتهم أحرارا" ، لكن ربما يمر كثير منا على هذه القضية التاريخية مرور الكرام، بل
ليس من المستغرب أن يعيشها البعض في أجوائها التاريخية بقدرة عجيبة على تقمص شخصية
زمكانية لم يعيشها أبداً فيبتهج بغير وعي بفضائل ليس لها مكان في الزمن المعاصر ،
فمن أين تتأتي لنا كل هذه الطاقة العجيبة على الإفلات من ظروفنا الزمكانية والمرور
على قضايا التحول التاريخي هذه مرور الكرام ؟ فهل نحن مغفلون حقاً لهذا الحد ؟ أم
إن هناك تفسيراً منطقياً لكل هذا.