قدر أم موسى
قدر أم موسى
عدنان عون
إن القصص القرآني ،هو القصص الحق الذي لا يقاربه الباطل ولا يمازجه الشك ولا يفارقه الصدق.وإن للقصص القرآني أهدافاً سامية وغايات نبيلة وعبراً بليغة.ومن ثم فلا عجب أن تكون قصصه أحسن القصص وأصدقها وأروعها.
فالتفكير ـ وهو فريضة إسلامية وضرورة إنسانية ـ أحد أهداف القصص القرآني يقول تعالى : "فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" ومن أهدافه ـ أيضاً ـ تثبيت فؤاد النبي "صلى الله عليه وسلم " وأفئدة المؤمنين يقول جل وعلا : وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ " وما يستفيده المؤمنون من عبره ودروسه هدف آخر يقول جل في علاه : " لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ" وحري بالمؤمنين في كل زمان ومكان أن يتدبرواالقرآن وقصصه كيما يقتدوا بالصالحين وينهجوا نهجهم في الحياة .
وقصة أم موسى كثيرة الدروس والعبر التي تعمق الإيمان في القلوب وتعين الإنسان في رحلة الحياةعلى جناح الثقة بالله ..وتبدأ القصة بطغيان فرعون فقد زين لفرعون عمله حتى قال كلمة الكفر (أنا ربكم الأعلى ) ثم مضى مستكبراً يستضعف بني اسرائيل ويسومهم الذل ألوانا قتلاً لأبنائهم واستحياءً لنسائهم ومما زاده طغياناً رؤيا رآها توحي دلالتها بأن زوال ملكه سيكون على يد مولود من بني اسرائيل.ـ والطغاة الظالمون أشد الناس حساسية بمثل هذه الأمور ـ فأصدر أمره بقتل كل مولود ذكر مما جعل الناس يعيشون هذا الرعب لايهدأ لهم بال ولا يقر لهم قرار وكيف يأمن من يتهدده السلطان؟
ولد موسى "عليه السلام" والأخطار تحيط به والموت ينتظره ولكنها إرادة الله تتحدى إرادة الطغاة الظالمين وتجلي للمؤمنين ألوان العناية الربانية وحكمة تدبيرالقدر ليزداد المؤمنون إيماناً وأنه لاراد لقضائه .
وكانت أم موسى على موعد مع رحلة القدر فالحياة في ظل الإيمان نعمة كبرى وحصن حصين من أمراض الروح والنفس ويبقى الإيمان هو البلسم الذي يداوي جراحات الحياة ويملأ القلوب طمأنينة وسعادة .
وأم موسى امرأة صالحة فكانت أهلا لكرامة الله تعالى و من ثم خلد القرآن قصتها لتظل حياتها بكل معناتها و عطاءاتها ،ذكرى للمؤمنين و عبرة للسائرين على دروب الصالحين تؤكد لهم أن الإبتلاء سنة الالهية و كثيرا ما يحمل معه عنوان كرامة الإنسان و دليل صدقه ، وعواقب المحن الإيمانية غاليا ما تكون منحا وعطاءات الالهية تجعل المؤمن يعيش حلاوة الايمان ولذة القرب من الله ، وليست أم موسى بدعا بين الأمهات فهي تحمل قلبا يخفق بالحب كما يخفق بالخوف و الحزن و هي تعلم علم اليقين ما ينتظر وليدها ، وأين تهرب به و عيون زبانية فرعون ترصد الطرقات و عسعسه يفاجئون البيوت وكادت أم موسى أن تبدي به و تدل عليه لولا أن ربط الله على قلبها بالسكينة و الاطمئنان وأراد أن تكون ولادة موسى و حياته معجزة كبرى يتحدى بها طغيان فرعون و جبروته ، ولا راد لقضاء الله و قدره . وصدق الله اذ يقول : " وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ".