بلاستيك لكل شيء :

عبد الله القحطاني

للخضار، والوجوه والنفوس ،

والثقافة والسياسة..

ثم ماذا !؟

عبد الله القحطاني

· الخضار والفواكه بلاستيكية ، نعم .. ولاغرابة في ذلك ! فقد ولِدت ونشأت وترعرعت ، في محاضن بلاستيكية ، تحميها من الحرّ والبرد.. ومن عبث العابثين ، الذي قد يهدّدها من خارجها ! فلاعجب أن تكون بلاستيكية الطعم والملمس والروح .. وأن تختلف عن مثيلاتها ، ممّن يولَدن في حضن الطبيعة الأم ، ويكتسبن من صفاتها وخصائصها ، ماعرفه البشر ، عبر قرون طويلة !

· أمّا الوجوه البلاستيكية ، فـصنفان :

 ـ صنف تنعكس عليه صفات النفوس البلاستيكية ، الكامنة في أعماق أصحابها .. وهذا صنف قديم ، يتجدّد عبر الأزمنة والأمكنة !

 ـ وصنف صناعي حديث ، من إبداع الحضارة الراهنة .. وهذا يسمّى : تجميلاً .. وذلك ، عن طريق حشو أجزاء معيّنة من الوجه ، بمادّة ( السيليكون) لتبدو الشفاه أكبر ممّا هي في الواقع ، والخدود أنضر ممّا هي في الحقيقة ! وهذا ، بالطبع ، نوع من الخداع المكشوف ، البليد .. خداع النفس ، وخداع الآخرين ! وهو ، كذلك ، نابع من أهواء النفوس الساذجة ، العابثة ، المسطّحة ! إلاّ أنه ليس انعاكاساً ، بالضرورة ، لصفاتِ نفوس بلاستيكية ! فقد تكون النفوس العابثة ، التي تمارسه ، بلاستيكية .. أو عادية ، أقرب إلى البساطة والطيبة ، منها إلى المكر والخبث .. برغم خداعها الساذج المكشوف ، عبر التظاهر الزائف ، بالجمال ، أو الوسامة !

* أمّا الثقافة البلاستيكية ، من أدب وفنّ ، ونحو ذلك .. فهي نتاج نفوس بلاستيكية ، بالضرورة .. لأن النفس السوية الطبيعية ، لا تنتج ثقافة بلاستيكية !

   وإنتاج الثقافة البلاستيكية ، يتمّ عبر أسلوبين :

 - أحدهما : نزع روح المادّة الثقافية المنتَجة ، عن عمد وتصميم ، بحجج وذرائع شتّى ، منها : حبّ التجديد أو التحديث .. أو تقليد بعض الثقافات الغريبة ، في الجري وراء مصطلحات رائجة ، كالحداثه وغيرها ! وروح المادّة الثقافية ، هي المعنى ، الذي يفترَض أن يراه المتلقّي ، في أيّ إبداع إنساني كتب للإنسان .. يمتِعه ، أو يثري خبراته وتجاربه ومعارفه ، أو يرتقي بحاسّة الذوق لديه ، التي يتذوّق بها الجمال ، بأنواعه ! فإذا نُزع المعنى من الأدب ، لم يعد أدباً ، بل لم يعد حتّى مجرد كلام إنساني ذي هدف ! فيصبح كأنه هذيان مجنون ، يغترف الألفاظ بلسانه اغترافاً ، كيفما اتّفق ، دون أن يكون بينها ، أيّ رابط يربطها .. أو قد يكون بينها رابط لا يدركه أحد ، حتّى المجنون نفسه ! وربّما كانت المادة الأدبية المكتوبة ، قِطَعاً من الكلام ، ملوّنة ، مزركشة بصور خلابة ، كالزهر الصناعي ، الذي ليس فيه حياة ، ولا عطر !

  - الثاني : هو إحجام المبدع ـ عجزاً ، أو جهلاً ـ عن وضع شيء من روحه الإنسانية ، في مادته الإبداعية ! فتبدو كأنها خشب ملوّن ، تثير مايثيره هذا الخشب ، من متعة في النظر ، إذا كان مزخرفاً جميلاً .. ثمّ لا شيء وراء ذلك !

* أمّا السياسة ، فهي بلاستيكية ، بالضرورة ! لأنها تقوم على عمل عقلي ، يجرّد ،غالباً، من المشاعر الإنسانية ! وهدفه : هو تحقيق مصالح معيّنة ، للسياسي ، شخصياً ، أو لحزبه ، أو لدولته ! لذا ، فالابتسامات التي تعلو وجوه الساسة ، في عملهم ، هي أجزاء من هذا العمل ، النفعي المصلحي .. يندر أن يكون أيّ منها نابعاً من القلب ، أو الروح ، أو فيه شيء من حرارة القلب ، أو سموّ الروح !

* غالباً ما ينطبق على السلوك البلاستيكي ، في السياسة والاجتماع ، قول المتنبّي :

  ولمّا صار ودّ الناس خَـبّـاً        جَـزيتُ على ابتسامٍ ، بابتسامِ

  وصرتُ أشكّ فيمَن أصطفيه        لِـعلـمي أنّه بَـعضُ الأنـام

· لا بدّ ، بالطبع ، من التذكير، بأن الإنسان لايستطيع التجرّد من إنسانيته ، فيكون بلاستيكياً في حياته كلها ! فهو ، لايستطيع أن يلغي مشاعره الإنسانية ، تجاه أهله ، من زوج ، وولد ، ووالدين ، وأقارب ، وأصدقاء ..! إلاّ أن الحديث ، هو عن انعكاس البلاستيكية ، في بعض الممارسات : السياسية ، والاجتماعية ، والثقافية .. ونحوها !