نص مداخلة الشيخ الغنوشي في ندوة المسجد الأقصى باسطنبول

الشيخ راشد الغنوشي

نص مداخلة الشيخ الغنوشي

في ندوة المسجد الأقصى باسطنبول

الشيخ راشد الغنوشي

بسم الله الرحمان الرحيم

ما هي انعكاسات الأوضاع الدولية على مصير القدس؟ 

1- لأسباب متشابكة دينية واستراتيجية وسياسية مثلت  فلسطين وبخاصة القدس المحور الاول للصراع بين القوى الدولية،التي تداولت على انتزاع السيادة عليها: تصارع عليها الفراعنة والبابليون والاشوريون والفرس والروم واليونان،  حتى إذا ظهر الاسلام في زمن شيخوخة الامبراطوريات القديمة وكانت بلاد الشام تحت سلطان الروم البزنطيين واتجهت دعوته الى إحداث ثورة دينية توحيدية واجتماعية شاملة كان من الطبيعي أن يحرر أهل فلسطين، سكانها الاصليين ، من نير الاحتلال الروماني الغاشم ، وكانوا سلائل هجرات عربية تمت عبر العصور، ولم تجد القيادة الدينية النصرانية حرجا في تسليم مفاتيح القدس الى خليفة المسلمين وفق عهدة شهرت بالعهدة العمرية، أقرت النصارى على دينهم وأمنت معابدهم وممتلكاتهم كما استجابت لما اشترطوا من ألا يساكنهم اليهود فيها.

 قدم اليهود الى فلسطين  عابرين اليها من مصر الفرعونية ، يوم كانوا مسلمي زمنهم، حاملين لرسالة التوحيد بزعامة سلسلة من الانبياء عليهم السلام، ابتدأت بيعقوب وامتدت في ذريته، يوسف فموسى وهارون فداود فسليمان .وهذان الاخيران قد جمعا الى النبوة الملك إذ أقاما تباعا دولة لم تعمر سوى بضع عشرات من السنين، أقام خلالها النبي الملك سليمان قصرا مهيبا، شاد في زاوية منه معبدا لعبادة الله أطلق عليه اليهود هيكلا أي معبدا لعبادة الله، إلا أن اليهود ما لبث أن دب فيهم الفساد والضلال عن دين آبائهم حتى عبدوا حسب التوراة الاوثان وعاثوا فسادا وانقسم بعضهم على بعض وتقاتلوا وتحالفوا مع القوى المعادية لهم فتوالت عليهم غزوات اجتاحتهم وهدمت معابدهم حتى سويت بالارض وحرثت بالمحاريث على يد الروم وعلى يد الفرس الذين حملوهم  أسرى الى المنافي البعيدة وشردوا في الارض حتى لم يبق لهم في فلسطين أثر لا سيما وأنهم كانوا قوما أقرب الى البادية فلم يتركوا آثارا تشهد لهم بتمدن وطول تحضر وازدهار عمران، حتى الهيكل الذي أسسوا على افتراض وجوده أسطورة ارض الميعاد والملك العريض الذي كان لهم!، قد نقبوا في البلاد وجاسوا في ارض فلسطين ولم يتركوا حجرا في العمران العريض الذي خلفته حضارة الاسلام إلا وقلّبوه تقليبا، على أمل العثور على أثر للهيكل المزعوم أو أي أثر يهودي ولكن دون طائل، بما يرجح أن القصر الممرد من قوارير الذي كان لسليمان، وورد ذكره في سورة سبأ ، لأنه لم يكن من صنع البشر وإنما بتسخير قوى غيبية تكريما إلهيا لعبده سليمان، المرجح أنه قد رفع جملة بسبب أنه خاص بسليمان وليس من عمل البشر، فارتفع مع ارتفاع روح سليمان الى بارئها وعدم توفر مستحق له، لا سيما مع فشو الفساد في اليهود الى حد عبادة الاوثان وتحويل الهيكل مكانا للصيرفة ومغارة للصوص "حسب تعبير آخر انبيائهم المسيح عليه السلام(انجيل متى). ولو لم يكن الامر كذلك لبقي أثر من ذلك القصر المنيف.

2-  ومع الاسلام استعادت القدس عزها فضاء رحبا للتسامح الديني وللازدهار العلمي والحضاري فعمر المسلمون المسجد الاقصى الذي كان ثاني المساجد التي ارسيت في الارض بعد المسجد الحرام وبينهما اربعون سنة ، وقد ألفاه ابن الخطاب خرابة ومرمى نفايات، فتفنن المسلمون في عمارته وشدة الاهتمام والتبرك به وتحويله جامعة علمية ضخمة أوقفت عليها الاوقاف العظيمة وأمّها طلبة العلم من كل فج عميق لينهلوا من مناهل علمائها الافذاذ.

 -3-  إلا أنه مع ضعف المسلمين وتفرق صفوفهم توفرت الفرصة  للباباوية التي ضاقت ذرعا بتمزق الممالك الاروبية وتقاتلها، للعمل على  توحيد صفوفهم وتحريم التقاتل بينهم وتعبئة الراي العام الغربي وراءها لشن حملات متتالية صوب المشرق العربي حاملين الصلبان تحت شعار تخليص قبر المسيح من تدنيس الوثنيين له (يقصدون المسلمين) داعين حروبهم تلك بالصليبية، إخفاء لطبيعتها التي وصفها المسلمون على حقيقتها أنه حرب الفرنجة حرب أطماع ونهب ولا علاقة لها بالدين.وما اقترفوه من جرائم في طريقهم الى القدس ضد اخوانهم المسيحيين البزنطيين ناهيك وحشية، ما اقترفوه من جرائم إبادة في بلاد الشام ومنها مدينة القدس، تشهد كلها على مستوى تحضرهم وتدينهم!.انطلقت حملات الفرنجة في أواخر القرن الحادي عشر واستمرت لأزيد من قرن، اقترفوا أثناءها ضروبا شتى من المجازر واللدمار، تعطلت خلالها الصلاة في الاقصى.

4- مثل احتلال القدس صدمة عنيفة للضمير الاسلامي أخذت تعيد اليه الوعي، فانبعثت دعوات الاصلاح على يد العلماء، فما لبثت أن أخذت تؤتي ثمارها، فتفرز أجيالا جديدة من القادة السياسيين والعسكريين اتخذوا من تحرير القدس وطرد الصليبيين استراتيجيتهم العليا بقيادة  الأمراء الزنكيين حتى استلم الراية القائد المظفر صلاح الدين الذي كتب الله على يده تحرير القدس . وتشير بعض المصادر التاريخية أن القدس ظلت محظورة على اليهود حتى بداية القرن السابع عشر إذ سمح لهم العثمانيون بزيارتها والسكنى بها والتعبد في الجدار الغربي الخارجي للاقصى(1) ، ولم يمنعهم ذلك أن يكنوا معولا من معاول هدم الخلافة العثمانية.

5- إن التسامح الاسلامي الذي اعترف بالتعدد الديني وبخاصة أهل الكتاب لم يحظر على أهل دين ممارسة ديانتهم. وليس ذلك مشكلنا مع اليهود في القدس،

6- لقد مثل اكتشاف الاروبيين  العالم الجديد: الامريكتين واستراليا ونيوزسلاندا انقلابا جذريا في موازين القوى الدولية لصالح أمم الغرب ضد الامم الاخرى وبخاصة الامة الاسلامية ، فتمكنوا من جرف ثروات طائلة اعتمدوا عليها أساسا للتراكم الراسمالي صانع المشروع الراسمالي والثورة الصناعية. كما تمكنوا من الالتفاف حول العالم الاسلامي ومحاصرته والانطلاق في قضمه وتفكيك عراه، وتمكنوا  في مؤتمر وستفاليا 1768 من تسوية خلافاتهم واضعين حدا للحروب الدينية بين مذاهبهم، بين الكاتوليك والبرتستانت، متخذين جملة من الآليات لفض الخلافات بينهم، وداخل جماعاتهم في كل دولة بطرق سلمية، مقتسمين عالم الاسلام، عاقدين العزم على تفكيك ممتلكات الرجل المريض واقتسامها، بعد أن استوعبوا وأفادوا من تراث المدنية الاسلامية

7- وكان لليهود دور في عملية التفكيك هذه بسبب الالتقاء بين استراتيجيتهم في احتلال فلسطين وبين الاستراتيجيا الغربية التي برز اول تعبير عنها في انغلترا سنة1649حيث قدمت جماعة من أثرياء اليهود ومن المتنفذين عريضة الى الحكومة تقترح نقل ابناء اسرائيل الى الارض الموعودة. وفي سنة 1798طرح  نابليون خطة لإقامة كومنويلث يهودي بخلفية استراتيجية عسكرية واضحة هي فصل مصر عن بلاد الشام، وهي استراتيجيا غربية ثابتة. وبعد قرن كان المشروع قد نضج وتم الاتفاق عليه في مؤتمر بازل بين ممثلي الجماعات اليهودية الصهيونية 1897برعاية دولية واضحة، باعتبار الحركة الصهيونية جزء من المشاريع القومية الاروبية كما هي جزء من استراتيجية السيطرة الاستعمارية، احتضنته انغلترا وفرنسا يوم كانا يقودان المشروع الغربي فبشر به كلاهما وبذل له الدعم السخي، وقطع المشروع أكبر وأهم خطواته الى التنفيذ بصدور وعد بلفورسنة1917 . وتحت رعاية الاحتلال البريطاني لفلسطين وزحزحة العثمانيين عنها بخيانة عربية، ليعلن القائد الانغليزي اللنبي وقد دخل القدس انتهاء الحروب الصليبية، تحت تلك الرعاية انفتحت أبواب الهجرة اليهودية الى ارض فلسطين برعاية غربية تامة اروبية، حيث كانت تتقاطر الهجرات ويتم التسليح والتدريب لعصابات الارهاب بينما كان أهل فلسطين يجردون من قبل المحتل الانغليزي حتى من سكين المطبخ. ودارت معارك غير متكافئة بين جيوش عربية مخترقة وبين عصابات صهيونية أكثر عددا وأوفر وأحدث تسليحاـ، لتتولى الامم المتحدة باسم القانون الدولي إضفاء الشرعية على كيان غريب مريب لم تضبط حدوده. ومع ميلان كفة قيادة الغرب الى الولايات المتحدة إثر الحرب العالمية  الثانية ،انتقلت عملية حضانة الكيان الصهيوني الوليد الى حضنها حيث ظل النفوذ اليهودي في تصاعد بقدر تصاعد الدعم السخي له بالمال والسلاح والاعلام والحماية من أي إدانة دولية

8- وتتبدى الشراكة الغربية الصهيونية في الاهداف الاستراتيجية المشتركة بين الطرفين ضد الاسلام والمسلمين والعرب خاصة وبأخص تهميش شعب فلسطين ودفع الوضع العربي والاسلامي الى المزيد من التجزئة وحرمان المقاومة من كل دعم، تتبدى على كل صعيد، على نحو أنه دون هذا الاحتضان لا يتصور قيام هذا الكيان ولا بقاؤه أصلا، والامر يتجاوز البقاء ومنع كل تهديد له الى التصميم على ابقاء هذا الكيان في ميزان قوة يرجح به  دول العرب مجتمعة، وما يقتضيه ذلك من تابيد تجزئتها ودفعها الى المزيد وإجهاض كل محاولة لنهوضها وتسلحها

9- كما يتبدى البعد الدولي للمشروع الصهيوني في الاخطبوط الممتد في ارجاء العالم وكان مساهما بفعالية في التمهيد لولادة المشروع الصهيوني ثم القيام على خدمته وضمان بقائه وتفوقه. وتمتد أصابع ذلك الاخطبوط في كل القارات والبلاد مثل الحركة الماسونية وفروعها مثل نوادي الروتاري كلوب واليونز ونوادي البحر الابيض المتوسط وأبناء ياهوا

10- تعزز ذلك، شبكات الاعلام العملاقة وشبكة الثقافة والفنون مثل هوليود ..الخ. كما تعززها شبكة الشركات والبنوك العابرة للقارات التي تخصص قسطا ثابتا من أرباحها لخدمة المشروع الصهيوني فضلا عن التبرعات السخية لمشاريع تهويد القدس والاستيلاء على ممتلكات أهلها بمختلف الوسائل منها الاغراءات المالية الضخمة لأصحاب العقارات من العرب

11- كما يتعزز البعد الدولي للمشروع الصهيوني في تماهيه بالمشروع الغربي وبخاصة النفوذ الامريكي، و بتحالفاته الضخمة، مثل تحالفه مع قطاع واسع من الكنائس وبخاصة البروتسانتينية  وشهود يهوه.وحتى الكنيسة الاكبر الكاتوليكية فقد طبّعت علاقاتها ليس مع اليهود فحسب بل مع المشروع الصهيوني بالاعتراف به وخطب وده.

12- ورغم أن استيلاء الصهاينة على القدس الغربية وضمها الى القدس الشرقية والاعلان عن القدس عاصمة لاسرائيل وتوسيعها حتى التهمت ثلث الضفة والانطلاق فيها بمشاريع ضخمة لتهويدها وطرد سكانها العرب ، لم يكتسب كل ذلك حتى الآن   الشرعية الدولية إلا أن ساسة الكيان المغتصب استمروا كما بدأوا ملتزمين بسياسة الامر الواقع، تاركين الآخرين يحتجون وخلال ذلك يصنعون أمرا واقعا جديدا أشد هولا تنصرف اليه الانظار، معتمدين على  أن حجة الواقع هي الواقع ولن يلبث الجميع أن يتعاملوا ، وهو ما كان مع جميع الدول ، بما في ذلك الدول العربية والاسلامية التي طبّع الكثير منها علاقاته مع الكيان الصهيوني، لا أحد اشترط ذلك التطبيع برفع الصهاينة يدهم عن القدس الشرقية والمسجد الاقصى باعتبارها مثل الضفة وغزة ارضا محتلة وليست عاصمة أبدية لاسرائيل بل إنه ما من مرشح للرئاسة الامريكية إلا وينتزع منه اللوبي الصهيوني المتحكم في مفاصل القراروبالخصوص في الكونجرس وعدا بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل إلا أن ذلك لم يقدم عليه بعد أحد منهم، وهو ممكن الحدوث إذا استمر الصمت والتخاذل من العرب والمسلمين

13- ومع أن  مسلسل المحادثات بين الفلسطينيين والصهاينة بحثا عن تسوية للصراع لم يفض الى شيء رغم تداول الحكومات الصهيونية من يمين الى يسار،  في أي ملف من ملفات الصراع الكبرى كالعودة والمستوطنات والجدار والقدس من حيث السيادة عليها لمن؟، فقد عززت  تلك المحادثات المكانة الدولية لدولة الاحتلال، فانفتحت ابواب العالم في وجه نفوذها المتصاعد   ، بما أسهمت به في تخدير الراي العام العربي والاسلامي والدولي، فتخلص الكيان الصهيوني مما كان مسلطا عليه من قرارات المقاطعة ومن العزل السياسي الدولي، وامتدت علاقاته على كل صعيد كالاخطبوط الرهيب مع كل دول العالم  كما مكنته من الوقت الكافي لالتهام المزيد من الارض وتغيير المعالم التاريخية العربية الاسلامية للقدس بالدأب ليل نهار على تهويدها ومحاصرتها بسلسلة من المستوطنات تعزلها عن امتدادها العربي وما بقي إلا الاعلان عن لحظة هدم الاقصى والعياذ بالله.

14- إن القدس قلب الاسطورة الصهيونية والجزء الاثمن من  المشروع الصهيوني باعتباره جزء لا يتجزأ من المشروع الغربي الدولي، ماذا يعني ذلك في هذه المرحلة ؟

أ-إن المشروع الصهيوني في لحظة قلق شديد من التحولات الدولية والاقليمية الجارية وانعكاساتها السلبية على مشروعه في تجسيد الاسطورة المؤسسة لكيانه والقائمة على إعادة بناء الهيكل على أنقاض الاقصى، وقد عبر المجتمع الاسرائيلي عن ذلك بميله الكبير صوب الاحزاب اليمينية والدينية الاشد تطرفا في اعتناق اسطورة الهيكل والحرص على تنجيزها في اسرع وقت ممكن، بما يجعل الاقصى حقيقة على حافة الكارثة.

ب- ولعل أهم التحولات السلبية التي يخشونها على مشروعهم : أولا- التطور الديمغرافي لصالح الفلسطينين بما أودع الله في هذه الامة من قوة في أصلابها  ثانيا: ظهور مؤشرات على تراجع فعالية عنصر الردع التي تاسس عليها الكيان الصهيوني رغم الدعم الامريكي والغربي اللامحدود، وذلك راجع الى تصاعد وتائر العلمنة والضعف في شخصية الجندي الاسرائيلي وفي المجتمع اليهودي عامة فتراجعت استعداداته  لبذل الدم من أجل المشروع، وذلك مقابل تصاعد الاقبال على الشهادة في الجانب المقابل بأثر تصاعد مد الصحوة الاسلامية،وكانت حربهم على لبنان وعلى غزة وما منيت به من خيبة بعد استنفاد كل ما لديهم من أدوات البطش مؤشرا مفزعا .ثالثا- تصاعد مد الصحوة الاسلامية في المنطقة والعالم، وكلها تصب نهاية في مجرى المقاومة، خصوصا بعد انتقال راية تحرير فلسطين  من دول واهنة مخترقة الى أيد شعبية متوضئة يملأها الشوق الى الشهادة.رابعا- ظهور دول اسلامية في المنطقة تطمح الى امتلاك السلاح النووي خلال بضعة سنوات بما يفقد الكيان أهم مقوماته للردع المتمثل في انفراده بامتلاك السلاح النووي حصنا أخيرا للدفاع عن الكيان اللقيط.خامسا -تداعي اركان النظام العربي الذي يمثل جزء من النظام الدولي الحامي للكيان الصهيوني للسقوط وبخاصة نظام الفرعون المصري، بما يفتح ابواب جهنم على الكيان اللقيط ويصعّد للحكم في المنطقة أنظمة اسلامية معادية للكيان ستمثل سندا قويا للمقاومة.سابعا-تدهور الشرعية الاخلاقية التي مثلت أساسا من أسس الكيان الصهيوني باعتباره ثمرة للهولوكست أي لما سلط على اليهود من مآس، ما ولد تعاطفا غربيا معهم بلغ حد عقدة الذنب تجاههم  فكان تمكينهم من  أرض تؤويهم في فلسطين نوعا من إراحة للضمير الغربي، غير أن هذه  الصورة لليهودي المسكين قد تهلهلت بما أخذ يتكشف عليه العالم من  صور الوحشية الاسرائلية تجاه الفلسطينين واللبنانيين، عبرت عن هذا التحول انفجارات حركة الشوارع في العالم احتجاجا على تلك الفظائع، ما مثل إحراجا للكيان ولحلفائه من أرباب السياسة والاعلام في الغرب،بما مثل إحياء  لما يسمى باللاسامية أي العداء لليهود، حتى الجماعات اليهودية في العالم أخذت تعبر عن قلقها من الانعكاسات السلبية للسياسات الاسرائلية عليها.سادسا-تراجع النفوذ الامريكي في العالم بعد هزيمته في العراق وتورطه في افغانستان باعتبار ذلك النفوذ أهم ضمانة لأمن اسرائيل والغطاء الجاهز أبدا لكل ما يقترفه الكيان من جرائم وحماقات. سابعا:تنامي الوجود الاسلامي في الغرب وبدايات تحوله الى معطى مؤثرا في سياسات الدول الغربية لا سيما مع ظهور بوادر تحالفاته مع تيارات تحررية في المجتمع الغربي مناهضة للاستعمار وللعولمة ومناصرة للشعوب المستضعفة، وهو تطور نوعي غير مسبوق في التاريخ بما سيفرض على صانع السياسة الغربي أن يأخذ هذا المعطى بعين الاعتبا ي كل سياسة يتخذها تجاه اللعالم الاسلامي وبخاصة فيما يتعلق بفلسطين والقدس، بما يتجه الى تضييق مسالك الدعم الغربي للكيان الصهيوني وخاصة بعد أن ظهرت بوادر ترهله بما يجعله عبئا على السياسة الغربية وليس خادما لها، وتلك مصدر شرعيته التي أخذت تتهلهل.

15- والخلاصة  من كل ذلك أن المكانة الدولية لهذا الكيان الصهيوني الوظيفي في خدمة الاستراتيجية الغربية وفعاليته آخذتان في الضعف، بما يقوي النظر اليه غربيا أنه عبء على الاستراتيجيا الغربية أكثر مما هو في خدمتها.إن بلوغ فعالية السلاح الغربي أقصى حدودها اسرائليا وأمريكيا وأطلسيا دون بلوغ أهدافها في كسر شوكة الفلسطينيين والعراقيين والافغان والصوماليين، وتلك ثمرة من ثمار صحوة الاسلام، مبشر باتجاه التاريخ صوب نمط جديد من العلاقات الدولية بين عالم الاسلام وبقية العوالم ومنها العالم الغربي ، علاقات لا تقوم على الهيمنة وشريعة القوة والإملاء والتبعية وإنما على الاحترام المتبادل والمصالح المتكافئة.

كما هو مبشر ببداية النهاية للمشروع الوظيفي اللقيط الذي لا يزال يعتاش على الدعم الغربي المتجه ضرورة الى التناقص بفعل اتجاه الغرب الى إيلاء التركيز على أزماته وبالخصوص مع تراجع الفعالية الاسرائلية، ثم مع تنامي اتجاهات الراي العام المعادية لصهيونية. ويمثل الاسلام الغربي لأول مرة في التاريخ عاملا يزداد تأثيره في الراي العام وبالتالي في صانع القرار، وهو أمر مقلق جدا لصناع الاستراتيجيا الصهيونية الذين انطلقوا من الاطمئنان الى أن الدعم الغربي لمشروعهم في هدم الاسلام وتفكيكه معطى ثابت، وإذا بالاسلام يأخذ في مزاحمتهم في هذه القلعة.الخط البياني واضح اتجاهه صوب مزيد من قوة النفوذ الاسلامي في الغرب،ومزيد من تراجع النفوذ الصهيوني، رغم عائق الارهاب الذي يسهمون في تفعيله.اما عامل التجزئة والعجز البادي على جماعات أمتنا عن التوفق الى منهاج تراض لفض اختلافاتنا جماعات وحكومات وشعوبا وحكاما بالوسائل السلمية الضامنة للسلم الاجتماعي فيظل العائق الاعظم أمام التسريع بنهاية الكيان اللقيط ، دعما للمقاومة من جهة وحصارا ومقاطعة للكيان اللقيط وضغطا على النظام الدولي الذي استحدث للكيد لنا في مرحلة ضعفنا هذا الكيان، ضغطا صارما على مصالحه من أجل حمله على الالتزام بمقتضيات الحق والعدل ووضع حد لتماديه في دعم الغطرسة الصهيونية وصمته بل دعمه لمشاريع تهويد القدس وهدم أقصاها. إن الغرب سيقف نهاية مع مصالحه لو كانت لنا كلمة موحدة وكنا مصممين على وقف مشروع تهويد القدس بل وإنهاء الكيان الصهيوني يكفي في ذلك ربط علاقاتنا مع كل الدول والامم نحن أمة المليار ونصف مسلما بقضية فلسطين قضية القدس إذن لانهار الكيان الوظيفي اللقيط من داخله كما ينهار أي جسم يعيش على التغذية الاصطناعية إذا قطعت عنه.

إن المعركة في فلسطين ليست حول مسجد على أهميته فهو بيت لعبادة الله وليس يضيق دين وسع كل الديانات حتى صلى نبيه إماما بكل أنبيائها،  بمن يعتقد واهما أن جزء من الاقصى هو الحائط الغربي يمثل قدسية دينية عنده فيصر على التعبد عنده.ليس ذلك هو المشكل وإنما ادعاء السيادة على المسجد كله والتصميم على هدمه بل وعلى زهرة المدائن قبلتنا الاولى ومسرى نبينا ومعراجه ، بل على على فلسطين كلها  منطلقا للهيمنة على المنطقة كلها وتفكيك أمة الاسلام بل الاسلام ذاته ، والرهان من أجل تحقيق ذلك على سياسة صناعة واقع جديد وفرضه بالقوة الغاشمة في تحد صارخ لشريعة العدل والاخلاق والقوانين الدولية(1) وأمة المليار ونصف وحقائق التاريخ ، وذلك عبر الهدم والتهجير والابادة والتهويد تحقيقا للاسطورة، بما يجعل الصراع على الاقصى صراعا على فلسطين بل أكثر من ذلك صراعا بين مشروع أمتنا في النهوض والتوحد وبين المشروع الصهيوني الغربي في تفكيك بنيانها الديني والحضاري انطلاقا من الهيمنة على فلسطين وتهويد القدس.

إن القدس أصفى مرآة تتجلى فيها مكانتنا في العالم عزا وتحضرا أو هوانا وتخلفا .إنها المحك لاختبار معادن وشعبية ومستقبل القادة والدول والتيارات بحسب مدى  الاخلاص والبذل لها.إنها العروس التي لا يظفر بها إلا فارس شهم مقدام.ومهما وهنت الامة وارتخى اعتصامها بالاسلام وتوحدها عليه، نزت علينا الامم فانتزعت القدس منا، لم نعد نستحقها، فكان ذلك  عقابا،  وفي الآن ذاته رسالة من الله الينا أن استيقظوا ، فيكون احتلال القدس نذيرا بخطر واقع، وبشيرا بطور جديد من اليقظة والصحو لاستعادة الجوهرة الغالية. فما أعظم بركة هذه المدينة وما أعظم دورها في الامة.

لن نسكت عن حق أمتنا في السيادة على فلسطين كل فلسطين وفي القلب القدس المقدسة والاقصى المبارك ، حتى ولو قبلنا بوجود أقليات يهودية ومسيحية مسالمة مهما استظلت بظل حضارة الاسلام.