تنافس الأنصار
عدنان عون
منذ ان أشرق الإسلام في نفوس الأوس والخزرج،وهم يتسابقون في الخيرات ،ويتنافسون في المكرمات..فلا تراهم في ميدان العمل على فرسي، رهان يسبق أحدهم الأخر،فيصنع الثاني المستحيل،كيما يسجل على منافسه موقفاً يسمو به على مدارج الإيمان والولاء لله ورسوله .
وليس من وصف للأنصار ـ أنت سامعه ـ أصدق ،ولا أبلغ من وصف رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) لهم إذ قال : "إنهم ليقلون عند الطمع ،ويكثرون عند الفزع " همهم من الدنيا ، إرضاء الله ورسوله ،والفوز بحبه وثقته ..لا يجدون ـ منذ أسلموا ـ ما يفخرون به أعظم ،ولا أسمى من الإسلام ،ونصرة رسوله.
قال أنس (رضي الله عنه ) : " افتخر الأوس والخزرج ، فقال الأوس : منا غسيل الملائكة حنظلة بن الراهب ، ومنا من اهتز له العرش " سعد بن معاذ " ،ومنا من حمته الدبر "عاصم بن ثابت "، ومنا من أجيزت شهادته بشهادتين " خزيمة بن ثابت ".
وقالت الخزرج : منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله ـ لم يجمعه غيرهم ـ : زيد بن ثابت ، وأبي بن كعب ،ومعاذ بن جبل ، وأبو زيد "قيس بن السكن ".
وهكذا كان حال قبيلتي الأنصار ،يتصاولون ويتنافسون . فلما أصابت الأوس ، " كعب بن الأشرف " ، على يد محمد بن مسلمة ورفقائه ، نهضت الخزرج لعمل يعادل ما أقدم عليه الأوس ، وقالوا : والله لا يذهبون بها فضلاً علينا أبداً . ولم يجدوا ما يعادل كعباً إلا سلام بن أبي الحقيق ، وكان شديد العداء والإيذاء ، للرسول والمسلمين ، فاستأذنوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) في قتله فأذن لهم ..فاحتال نفر من الخزرج يرأسهم "عبد الله بن عتيق" حتى دخلوا الحصن ،واستتروا داخل إحدى غرفه ،فلما انفض مجلسه ،دخلوا إليه ، وعاجلوه بضرباتهم .. ولم تغن عنه صرخات زوجته ،ولا نجدات قومه .
ولم يطب لأحدهم مغادرة المكان، حتى سمع زوجته تقول : قد مات . فما سمع كلمة ألذ في سمعه منها .
سارع الجميع إلى رسول الله بالبشرى، والتكبير فقال لهم (صلى الله عليه وسلم ) : "أفلحت الوجوه ".. وسجل الخزرج موقفاً إيمانياً رائعاً ،نافسوا فيه موقف الأوس في قتلهم "كعب بن الأشرف ". فرضي الله عن الأنصار ( أوسهم وخزرجهم ) فهم الذين آووا ونصروا وأخلصوا،وصدقوا .وحسب الأنصار ـ بعد ثناء الله عليهم ـ قول النبي (صلى الله عليه وسلم ) " ...ولولا الهجرة لكنت رجلاً من الأنصار" .