في دولة يحكمها الاستبداد
لا أحد يأمن على نفسه، حاكماً كان، أم محكوماً!
عبد الله القحطاني
ليس سراً ، أن نظام الاستبداد ، أياً كان ، إنّما يكون أسير بنيته ، التي يصنعها ، ليتحكّم بالشعب والوطن ، من خلالها .. فتتحكّم به !
وليس سراً ، أن دولة الاستبداد ، أياً كانت ، لا أمان فيها لأحد ، مِن أحد !
الحاكم الذي يستولي على الحكم بالقوّة ، يظلّ خائفاً من شعبه ، متوجّساً من أن يتحرك الشعب ضدّه ، أو الجيش .. لانتزاع السلطة منه ، وإعادتها إلى الشعب ، من جديد .. أو وضعها في أيدي عسكر جدد !
· فالحاكم المستبدّ ، يخاف من شعبه ، ومن جيشه ، ومن شركائه في الحكم ، ومن رفاق دربه في العمل السياسي ، الحزبي وغير الحزبي ! لذا ، يحرص على أن يجنّد كل مواطن ، ليتجسّس له ، ضدّ كل مواطن ! ولاسيّما مَن كان في مواقع حسّاسة ، أو هامّة ، في أجهزة الدولة ومؤسّساتها ! لذا ، يكثِر من استخدام أجهزة الأمن ، ليراقب بها حركات الشعب ، وليراقب بعضُها حركات بعضها الآخر.. وينقل كل منها ، أخبار كل منها ، إلى الحاكم الأعلى ، فيكسب مزيداً من ودّه وتكريمه !
· الموظّفون الكبار، من ساسة ، وعسكر ، وعناصر شرطة ، ومخابرات .. لكل منهم مخاوفه الخاصّة ، المتعدّدة المصادر.. فهو :
ـ يخاف من زميله في العمل ، أن يتجسّس عليه ، ويشي به للسلطات العليا ، بسبب قول يقوله ، أو فعل يفعله ، أو تقرير كيدي كاذب ، يلفّق ضدّه !
ـ ويخاف من رؤسائه ، الذين يتعامل معهم ، ويخضع لأوامرهم وقرارتهم ؛ يخاف من أن يغضب عليه أحدهم ، بسبب قول ، أو فعل ، أو تقصير في المداهنة والرياء ، أو شكّ بأنه يتربّص برئيسه الدوائر، وينقل أخباره إلى الجهات العليا ، للإطاحة به ، ليحلّ محلّه !
ـ ويخاف من المواطنين ، الذين ينظرون إليه بصفته مسماراً ، أو عتلة ، في (ماكينة) الظلم والاستبداد ، والقهر والفساد !
* والمواطن العادي ، يخاف خوفاً متعدّد المصادر ، كذلك .. فهو:
ـ يخاف من أجهزة الأمن ، بأشكالها المختلفة .. ومن كل عنصر فيها ! لأنه يتصوّر أن كل عنصر في هذه الأجهزة ، هو مجرم ، بالضرورة ، لاعمل له سوى إيذاء الناس ، بأنفسهم وأهليهم وأموالهم ! حتّى لو كان هذا العنصر، في حقيقته ، أو في نظر نفسه ، مجرّد إنسان بسيط ، يسعى وراء لقمة العيش ، لنفسه ولأسرته !
ـ ويخاف من كل موطن ، ممّن حوله ، أن يشي به لأجهزة الأمن، بسبب قول ،أو فعل ، أو حسد ، أو حقد ، أو منافسة ، أو ثأر !
* التصفيات الجسدية ، التي تحصل داخل أجهزة الدولة ، في المستويات العليا.. شائعة منتشرة ، في سائر الدول المحكومة بأنظمة الاستبداد ، بصرف النظر عن شعارات هذه الأنظمة ، وفلسفاتها ، وعقائدها ( أيديولوجياتها !) . ومن يستعرض تاريخ هذه الأنظمة ، في العصر الحديث وحده .. يكتشف العجب العجاب ، من التصفيات الدموية ، التي مارسها الرفاق الشيوعيون ، في روسيا ، والصين ، وفي سائر الدول الشيوعية ! وكذلك الأمر، في سائر الدول الاشتراكية ، التي حكمتها أحزاب ذات طابع شمولي استبدادي !
* إذا كان الحاكم الأعلى ، غير آمن على نفسه ، من رجاله المحيطين به .. وكل واحد من هؤلاء الرجال ، غير آمن على نفسه ، ممّن حوله ، من زملائه ، وشركائه في العمل، أو في السلطة .. فهل يأمن أيّ مواطن عادي ، على نفسه .. حتى لو تلقّى وعوداً قاطعة ، من أعلى مسؤول في البلاد ؛ بأنه لن يُمسّ بسوء .. لاسيّما إذا كان هذا المواطن ، معروفاً بأنه معارض لنظام الحكم ، وله ملفّ ضخم ، عند كل جهاز من أجهزة الأمن ، التي تحمي هذا النظام !؟ هيهات ..! فاقد الشيء لايعطيه .. والحاكم الخائف من شعبه ، ومن موظّفيه ، لايستطيع توفير الأمان ، لشعبه ووطنه ، من عدوّ خارجي.. ولا توفير الأمن ، لأيّ من مواطنيه ، المعرّضين لاقتحام بيوتهم ، في أيّة ساعة ، من قبل عناصر الأمن ، التي لاترى لأنفسها أمناً ، إلاّ بإرهاب مواطنيها !