ضد إسرائيل حتى المنيكر
د. فايز أبو شمالة
على الشاطئ الآخر للمتوسط ينتصب تمثال ضخم لصقر قريش، عبد الرحمن الداخل، قريباً من الموقع الذي وطأته قدم الفارس لأول مرة، وهو يمتشق سيفه، وبلباسه العربي المميز، لقد أثار هذا التمثال احتجاج المعارضة الأسبانية؛ ومهاجمتها، إذ كيف تكرم أسبانيا شخصية احتلت الأندلس، وأقامت فيها الدولة العربية؟ ولكن رئيس بلدية "المنيكر" خوان كارلوس، الذي وقف وراء الفكرة رد على معارضيه قائلاً: إن صقر قريش جزء هام من تاريخ أسبانيا، ومن أهم شخصياتها الإبداعية التي ربطت بلادنا بالتطور الحضاري، ومن يتنكر للتاريخ لا يصنع الحاضر. لقد تم انتخاب خوان كارلوس
مرة ثانية لرئاسة بلدية "المنيكر" والتي عرفت في الزمن العربي باسم "المنكب" مدينة أسبانية مقابل الساحل المغربي، وقعت قبل سنوات اتفاقية توأمة مع بلدية خان يونس في قطاع غزة.
في رسالة وصلتني من بلدية "المنيكر" يعرب فيها سكان المدينة عن حزنهم لعدم مقدرتهم على تقديم شيءٍ للفلسطينيين أثناء الحرب على غزة غير التظاهر، ولكن في خطوة غير مسبوقة فقد قامت مدينة "المنيكر" في أسبانيا بتنكيس أعلامها كل فترة الحرب تعبيراً عن التعاضد مع الفلسطينيين، وكما تقول الرسالة: لقد أعلنا عن مساندتنا، وتعاطفنا مع سكان مدينة خان يونس التي تآخينا معها، ونقول لكم: أنتم لستم وحدكم، كل أسبانيا تقف معكم، وهذا ما عبر عنه الفتية الصغار، والشباب في أسبانيا وهم يتهافتون على شراء الكوفية الفلسطينية، ويلبسونها تعاطفاً مع الشعب
الفلسطيني، لقد أثار انتشار الكوفية بين شباب الأسبان جنون السفير الإسرائيلي في أسبانيا، الذي عجز عن فهم، وتفسير ظاهرة انتشار الكوفية في أسبانيا.
وهنا يمكنني القول: إن الرمزية في انتشار الكوفية الفلسطينية لا تتعدى احتمالين: أولهما محاكاة شباب العالم للبطولة الفلسطينية في المواجهة، والصمود، والمقاومة، وثانيهما: التعاطف العالمي إلى حد التوحد مع الجرح الفلسطيني، والانغماس في دور الضحية التي تمثلها القضية الفلسطينية، وفي كلتا الحالتين، فإن الخاسر الأكبر من هذا التحول هو الصهيونية اليهودية التي اختطفت إرادة العالم لعشرات السنين، وهي تحتكر لنفسها بلا منازع قصص الكارثة والبطولة.
إن ما جاء في رسالة أسبانيا ليؤكد أن النصر والهزيمة لا يحددها عدد القتلى والجرحى والدمار الذي خلفته الحرب، الذي يقرر النصر والهزيمة هو الإشعاع الوجداني المنبعث من الحرب، والمرايا الإنسانية التي تلتقط المشهد، وتحتفظ بالصورة، وتداعياتها المستقبلية، وانعكاساتها المحلية، والإقليمية، والدولية.