الحمار الفلسطيني
(( من لم يتذوق معاني الأدب الساخر فلا يلمني ))
تحسين أبو عاصي
– غزة فلسطين –
يعج تاريخنا بكثير من المشاهير الحمير، ولما كان الحمار ابن عائلة وصاحب هوية ويجيد اللغة ، كان لزاما علينا أن نعترف بفضله الذي أنكره الكثير ، فلقد ذكر بعض الأدباء الحمار في أعمالهم الأدبية مثل إميل حبيبي والحكيم والعقاد والمازني ، وذُكر في مختلف العصور والأزمنة كابن المقفع ، كما حملت أسماء عربية اسم الحمار تكريما وتقديرا له ، كحمير بن عدي وقبيلة بني حمير وعياض بن حمار وغيرهم .
وبعض الناس اليوم يذكرونه في أمثالهم وأشعارهم وأغنياتهم ، ولا بأس هنا من أن أمتطي حماري الصبور الكريم الذكي الحكيم ، والذي لا يمل ولا يكل ولا يضج ، فهو نعمة من نعم الله ، وآية من آياته ، مذكور في القرآن والسنة النبوية المطهرة ، نال مرتبة شرف مرافقة عمر ابن الخطاب عندما فتح بيت المقدس واستلم مفاتيح القدس الشريف بثوب به أكثر من سبعين رقعة ، ولكن الله جعل صوت الحمار من أنكر الأصوات ، على الرغم من أن الأنبياء والصالحين ركبوه عبر الزمن ، ولعلي أتشبه هنا بالصالحين وأنا فوق حماري لأن الشاعر يقول :
إن لم تكونوا مثلهم فتشبهوا إن التشبه بالكرام فلاح
فلقد أوصدت أمامي جميع الأبواب ، ولكن باب الحمار لم يوصد ، والله يحمي لي حماري ، فهو صديق مريح خدوم كتوم هادئ أليف ، بل هو من أخلص الأصدقاء ، فإذا قلت له : حا بلهجتنا المحلية ، سار وحا كلمة تعني سِر ، وإذا قلت له : هِيش وقف لأن هيش كلمة معناها قف ، ولم أضربه مطلقا ، بل كنت أنصح كل مَن أراه يضرب حماره بان يرحمه ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ارحموا مَن في الأرض يرحمكم من في السماء )) ، كما لم أُثقل عليه بشيء أبدا ، ولقد عرفت قيمته أكثر في الحصار وعند قطع الوقود ، وعندما كنا نسير مسافات طويلة على أقدامنا ، أليس هو أفضل من غيره الذين تآمروا على حصارنا من مشاهير الحمير، ومنعوا عنا كل شيء ؟ . إنهم بذلك يعتدون على حرمة الحمار لأن الحمار أفضل منهم .
قالوا في الأمثال : هِدْ جبل ولا تعلم حمار ، وقالوا : الحمار حمار ولو بين الملوك ربَى ، لكن حماري ليس كباقي الحمير لأني نجحت في تعليمه وتربيته وإقناعه ، في الوقت الذي فشلت فيه في إقناع الكثيرين بعدالة قضيتي ؛ لكي يقفوا بجانب شعبي ، فالعالم اليوم يكيل ليس بمكيالين فحسب بل في مكاييل كثيرة .
لقد وجدت حماري أكثر إخلاصاً من حمير القمم العربية ، ووجدته أكثر وفاءً من الذين يضعون على أكتافهم نجوم السماء ، في الوقت الذي يُباد فيه الشعب الفلسطيني بقنابل الفسفور، ووجدته أكثر أمانة من وزراء الويسكي وحفلات الرقص .
كان حماري يعرف طريقه لوحده كما يعرف تماما وطنه ومسقط رأسه بدون واسطة ؛ لأني استخرجت له هوية وأوراقا ثبوتية أخرى كثيرة ؛ لتجذ ير شخصيته في تراب الوطن .
في بعض دول أوروبا وشرق آسيا يذبحون الحمير ويصنعون من لحومها معلبات للقطط والكلاب ، فهل العرب في نظر هؤلاء وغيرهم دون القطط والكلا ؟
لقد قتلوا صدام وعرفات والحريري ، واليوم يصدرون مذكرة اعتقال للرئيس السوداني ، وعاثوا خرابا وفسادا في كثير من ديار العرب والمسلمين ، فهل كان ذلك لأن العرب والمسلمين في نظرهم حمير، أم ما دون ذلك ؟