حرب الفرقان: قراءة تحليلية 3

حرب الفرقان: قراءة تحليلية

د.محمد بسام يوسف*

[email protected]

(3)

(الموقف الرسميّ للمحور الإيرانيّ-السوريّ)

موقف ما يُسمى بمحور (الممانعة)

لشرح الموقف الرسميّ الإيرانيّ أو السوريّ أو بقية مكوِّنات ما يُسمى بمحور (الممانعة)، من مثل: حزب الله الشيعيّ اللبنانيّ.. لابدّ من التذكير، بالأرضية (الباطنية) التي تنطلق منها الأركان الأساسية لهذا المحور (النظامان الطائفيان الإيرانيّ والسوريّ، والحزب الطائفيّ الشيعيّ اللبنانيّ)، هذه الأرضية القائمة على (التُقية) في التعامل مع الآخر (لا دين لمن لا تُقيةَ له.. لا إيمان لمن لا تُقيةَ له)، لاسيما الآخر المسلم الذي لا يؤمن بهذه العقيدة والوسيلة، التي يُخفي المؤمنون بها ما يُضمرون، فيُظهِرون غير ما يُبطِنون، ويخدعون -بمواقفهم وشعاراتهم وإعلامهم السياسيّ، بناءً عليها- الناسَ والدولَ والأشخاصَ والحركات والأحزاب، لاسيما الحركات الإسلامية!.. ولابد من التنويه هنا، إلى أنّ أبناء الشعب السوريّ عموماً، وأبناء الحركة الإسلامية السورية خصوصاً، هم أشد الناس خبرةً، بكشف مثل تلك الأساليب الملتوية الباطنية، لأنهم دفعوا ثمنها –وما يزالون يدفعون- عشرات الآلاف من الأرواح، وشلالاتٍ من الدماء، وملايين المُهَجَّرين والمشرَّدين، ووطناً مُدَمَّراً، أخلاقياً واقتصادياً وسياسياً وأمنياً وعسكرياً وتربوياً وثقافياً.. وبلداً مرهوناً لعصابةٍ طائفيةٍ حاكمة، تعيث فيه فساداً ونهباً وسلباً وبطشاً وقمعاً.. وخيانةً لا سقف لها ولا حدود!.. وعندما نذكر السوريين، لا يمكن أن نُغفِلَ الأشقاء العراقيين، الذين خبروا جيداً الأساليب الباطنية لإيران وعصاباتها وتوابعها، في التعامل مع الآخر، ودائماً، هذا الآخر هو المسلم الذي يشهد بأن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله!.. فيما نلاحظ أنّ معظم تنظيمات الحركة الإسلامية العالمية وفروعها في مختلف البلدان العربية والإسلامية، تتعامل مع أرباب الباطنية المكوِّنين لهذا المحور الذي يزعم (الممانعة).. بالصفاء الأخلاقيّ المستَمَدّ من التربية الإسلامية، لكنه صفاء مصحوب بالسذاجة السياسية، التي تعكس مدى الجهل الخطير، في فهم حقيقة النظامَيْن المذكورَيْن وملحقهما (حزب الله اللبنانيّ)، كما تعكس مدى التقصير في الاهتمام بقضايا المسلمين، كقضية احتلال العراق العربيّ المسلم، مع كل ما يجري فيه من سَحقٍ واضطهادٍ وقتلٍ.. وهَدرٍ للدم والروح والعِرض والمال تجاه مسلميه، على أيدي إيران وميليشياتها الطائفية الشيعية.. وكقضية الشعب السوريّ، الذي فقد من أبنائه وبناته على أيدي نظامه الطائفيّ الحاكم، أكثر بكثيرٍ جداً مما فقدته فلسطين العربية المسلمة على أيدي العدوّ الصهيونيّ منذ عام 1948م حتى اليوم!.. فهل هو الجهل أم التقصير أم القصور أم السذاجة أم التجاهل.. أم الهوى البعيد عن أي معيارٍ شرعيٍّ أو إنسانيّ؟!..

عندما نستحضر كل المعاني المذكورة آنفاً، التي لا يمكن تجاهلها في تحليل موقف أركان هذا المحور المشؤوم، نستطيع أن ننطلق إلى الخطوة التالية في شرح هذا الموقف، إبراءً للذمّة، وتوضيحاً لكل ذي بصيرة، وإنارةً لكل عتمة، وإجلاءً للحق والحقيقة، وتعريةً للباطل وأهله وشيعته:

أ- الموقف الإيرانيّ: نعيد إلى الأذهان، بعض جوانب السلوك الباطنيّ المداوِر المخادِع للنظام الإيرانيّ، قبل حرب الفرقان وخلالها وبعدها، وذلك على سبيل المثال:

1- فهو (أي النظام الإيرانيّ) يُسمي بلده باسم: (الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، ويرفع شعار: الموت لأميركة (الشيطان الأكبر).. ثم يتحالف مع أميركة نفسها على احتلال العراق العربيّ المسلم وأفغانستان المسلمة، ويقدّم لها كل الدعم اللوجستيّ والاستخباراتيّ والأمنيّ.. والتحريضيّ.. وفوق ذلك كله، يدفع بحرسه الثوريّ وأجهزة استخباراته الطائفية وعملائه الطائفيين، لتدمير ما لم يستطع الأميركيون تدميره في البلدَيْن، ولنهب ما لم يستطع الأميركيون نهبه، ولانتهاك البلاد والعباد والمقدّسات، بأبشع صورةٍ عرفها تاريخ العراق، وبأخسّ الأساليب، وأشدّها حقداً وإجراماً.. ثم يقوم رئيس النظام (أحمدي نجّاد) بزيارة بغداد وما تسمى بـ (المنطقة الخضراء)، بحماية الحراب الأميركية، ليكون أول رئيسٍ لدولةٍ (إسلاميةٍ) يزور العراق تحت الاحتلال الأميركيّ!.. علماً بأنّ إيران هي أول دولةٍ تعترف بحكومة الاحتلال الشيعية الطائفية، بالتزامن مع اعتراف النظام السوريّ الحليف بتلك الحكومة، التي نصّبها المحتلّ الأميركيّ على رقاب العراقيين.. ثم لتكونَ إيران أول دولةٍ تدعم الاتفاقية الأمنية (العراقية-الأميركية) المكرِّسة للاحتلال، وتؤيّدها، وتشجّع عملاءها في حكومة الاحتلال على إقرارها!..

2- وهو يرفع شعار: (إزالة إسرائيل)، ثم يشجّع حليفه السوريّ على القيام بمفاوضتها، سواء في (أنابوليس) أو في غير أنابوليس، وسواء أكانت سريةً أم علنية، أو إن كانت مباشرةً أم غير مباشرة.. ونذكّر هنا بفضيحة: (إيران غيت) أثناء الحرب العراقية-الإيرانية، عندما تم الكشف عن تصدير النفط الإيرانيّ للكيان الصهيونيّ مقابل السلاح.. إذ اقترفت إيران ذلك كله، بناءً على فتوى خاصةٍ لمرشد ثورتها الشيعية (الخميني)، حسب ما أفاد به تلميذه الرئيس الإيرانيّ الأسبق (أبو الحسن بني صدر) لقناة الجزيرة الفضائية!..

3- كما يقيم (النظام الإيرانيّ) مكاتب أمنيةً في شماليّ العراق (كوردستان)، جنباً إلى جنبٍ مع مكاتب الموساد الصهيونيّ، وتحت حماية حكومة (البرزاني) المتحالفة مع أميركة والعدوّ الصهيونيّ.

4- وفي الوقت الذي يحشد فيه النظام الإيرانيّ جماهيره للتظاهر ضد مصر والسعودية خلال مرحلة العدوان الصهيونيّ الأخير على غزّة.. يقوم باعتقال المتظاهرين، الذين خرجوا إلى الشارع في إقليم الأحواز دعماً لغزّة وتنديداً بالعدوان الصهيونيّ، وينكِّل بهم أيما تنكيل (اعتقل أكثر من أربعين متظاهراً خلال مظاهرة تأييدٍ لغزة.. حسب وكالات الأنباء المختلفة).

5- ويُفتي مرشد النظام: خامنئي، أو (الوليّ الفقيه)، بعدم جواز توجّه المتطوِّعين الإيرانيين إلى غزّة، للقتال في صفوف المقاومة الفلسطينية!.. في الوقت نفسه الذي يملأ فيه الإعلام الإيرانيّ الرسميّ الدنيا جعجعةً، بأنّ إيران هي الداعم الأول للمقاومة الفلسطينية!..

6- وتقوم كل وسائل الإعلام الإيرانية، بتسليط الأضواء على الظلم الواقع على الفلسطينيين في فلسطين والقدس والأقصى، ثم يقوم النظام بدفع ميليشياته الطائفية، بعد تدريبها وشحنها بأحقاده الطائفية الفارسية وخرافاته الشيعية.. بدفعها إلى هدر دماء الفلسطينيين المقيمين في العراق، واستباحة أرواحهم وأعراضهم وأموالهم وبيوتهم!..

الجدير بالذكر، أنّ موقف النظام الإيرانيّ -خلال (حرب الفرقان)- متناغم مع موقف النظام السوريّ، بل متطابق معه ومع أساليبه الباطنية.

ب- موقف النظام السوريّ: كما ذكرنا، فالموقف السوريّ متناغم تماماً مع الموقف الإيرانيّ، ويتطابق معه في باطنيته ومفارقاته.. ولشرح الموقف الرسميّ السوريّ، لابد من الرجوع إلى ثوابت نهج النظام وسياسته المعتَمَدَة وسلوكه في التعامل مع الأحداث المختلفة، من ذلك:

1- يتميّز النظام بباطنيته، وبقدرته على الخداع، فهو يُظهِر غير ما يُبطِن، وعلى الرغم من كل النكسات والكوارث والإحباطات التي سبّبها للأمة العربية والإسلامية منذ أكثر من أربعة عقود، وعلى الرغم من كل سياساته التواطؤية، وعلى الرغم من كل الجرائم والمجازر التي ارتكبها بحق شعوب دول المواجهة (سورية وفلسطين ولبنان).. فإنه يقدّم نفسه على أنه حامي حمى العرب، وأنه النظام (الممانِع) الذي سيحرّر القدس والأقصى.. تُشجّعه على ذلك مواقف بعض الأحزاب العربية القومية التي (تَسْكر) على شعاراته الفقاعية، وبعض الحركات الإسلامية التي تعشق التحليق في عالمَ الشعارات الصوتية، والتي لم تتعلّم من التاريخ أي عِبرةٍ من دروسه.

2- لنلاحظ أنّ النظام لم يعمل لتحرير الجولان، ولم يوجِّه سلاحاً باتجاهها منذ عام 1974م.. وأنه يقف موقف المتفرّج من انتهاكات الطائرات الحربية الصهيونية المتكرّرة للأراضي السورية واللبنانية.. وأنّ رأسه صافح (كاتساب) رئيس الكيان الصهيونيّ الأسبق خلال جنازة (بابا) الفاتيكان السابق.. وأنه أرسل جيشه إلى (حفر الباطن) لقتال العراق الشقيق جنباً إلى جنبٍ مع قوات (الإمبريالية الأميركية)، كما يسمّيها في أدبياته.. وأنه اصطفّ إلى جانب إيران ضد العراق في الحرب العراقية الإيرانية، التي استمرّت ثماني سنوات، مع أنّ هذا النظام السوريّ يقدِّم نفسه، من الناحية الرسمية، نظاماً بعثيّاً قوميّاً عربيّاً!.. وأنه انخرط فيما يُسَمى بعملية السلام مع الكيان الصهيونيّ منذ مؤتمر مدريد في 30/10/1991م، مع أنه يرفع شعار: (الصمود والتصدّي) ومحاربة (إسرائيل)!.. وأنه وافق على أكذوبة: الأرض مقابل السلام.. وأنه دخل في مفاوضاتٍ سرّيةٍ ثم علنيةٍ مع الصهاينة.. وأنه ينوي تطوير مفاوضاته غير المباشرة إلى مفاوضاتٍ مباشرة (تصريح رسمي لبشار بن حافظ أسد قبل ستة أيامٍ من اندلاع حرب غزّة).. وأنّ أكذوبة (السلام) بالنسبة إليه هي (خيار استراتيجيّ) ثابت معتَمَد، كما يكرّر في كل مناسَبة.. وأنه حليف علنيّ لأميركة في ما يسمى بمكافحة الإرهاب، كما يصرّح رئيسه ومسؤولوه.. وأنّ هذا النظام خيار صهيونيّ ينبغي المحافظة عليه ودعمه، كما صرّح بذلك عدد من القيادات الصهيونية، على رأسها السفّاح (آرئيل شارون)!..

3- سياسة النظام وسلوكه يدوران حول محورٍ واحدٍ فحسب: حماية نفسه وعرشه من السقوط، واستمراره في الحكم، وذلك مهما قدّم في سبيل ذلك من تنازلاتٍ على حساب سورية وكرامتها، وعلى حساب الحقوق والقضايا العربية والإسلامية.. وهو لذلك يغيّر جلده بسرعةٍ كبيرةٍ عند ممارسة الابتزاز عليه، فيتنازل على حساب سورية وشعبها، ويخضع بسرعةٍ فائقة: فقواته -مثلاً- دخلت لبنان بحجة حمايته من (إسرائيل)، ثم كان أول الفارّين من وجه الجيش الصهيونيّ خلال اجتياحي 1978م و1982م.. وزعم أنه ألدّ أعداء (الإمبريالية) وأميركة، فإذا به يعقد الصفقات والاتفاقات معها ومع رئيس دبلوماسيّتها في السبعينيات من القرن الماضي، وهو وزير الخارجية اليهوديّ الصهيونيّ (هنري كيسنجر)، ويختبئ تحت العباءة الأميركية، ويسرح ويمرح في لبنان تحت غطائها محلياً ودولياً مدة ثلاثة عقود.. ويزعم أنه يحمل لواء تحرير فلسطين، ثم يسحق المقاومة الفلسطينية ويتآمر عليها، إلى أن تم إبعادها نهائياً عن لبنان وعن حدود فلسطين.. مع ملاحظة أنّ السجون السورية ملأى بالمعتقلين الفلسطينيين، وأنّ مخيّمي (التنف والوليد) المُقَامان مؤخّراً على الحدود العراقية-السورية، يضمّان حالياً حوالي ثلاثة آلافٍ من الأطفال والنساء والرجال الفلسطينيّين، الفارّين من اعتداءات الميليشيات الشيعية العراقية منذ سنتين ونصف السنة، ولا يسمح لهم النظام السوريّ بدخول سورية، ما ألجأهم -وهم على حدود سورية (الممانِعة)- لطلب اللجوء إلى بلدانٍ أوروبية، من مثل: اليونان وإيسلندة ورومانية وبريطانية وألمانية وإسبانية، و..، ولا ننسى مجازر تلّ الزعتر وطرابلس والكرنتينا وبرج البراجنة وصبرا وغيرها، التي ارتكبتها قوات النظام السوريّ بحق الفلسطينيين.. وحين يُفتَح ملفُه في واشنطن داعماً للإرهاب ويُهَدَّد بقانون (محاسبة سورية)، فإنه يتعاون مع أميركة في قضايا ما يسمى بمكافحة الإرهاب، بل يُقدِّم ما لديه أو ما يُلفِّقه من وثائق للمخابرات الأميركية، ويعلن أنه قد ساعد أميركة على حماية مواطنين أميركيين!..

4- لقد عمل النظام السوريّ طوال أكثر من أربعة عقود، على تدمير البنية التحتية والأرضية الصلبة اللازمة لبناء مقاومة الشعب السوريّ، ففتّت الوحدة الوطنية بحكم الحزب الواحد القائد، وزرع الفتنة بين مكوّنات الشعب السوريّ بحكمه الطائفيّ ثم الأسرويّ، وحوّل الجمهورية إلى مهزلة (جمهوريةٍ وراثية)، وحكم البلاد بقوانين الطوارئ والأحكام العُرفية والقانون رقم 49 لعام 1980م، وصادر الحريات العامة، وفتح سجونه الواسعة لأحرار سورية، ودمّر الاقتصاد السوريّ، وشوّه تاريخ سورية وثقافتها، وتآمر على دِين شعبها بتغطيته الكاملة ودعمه للمدّ الشيعيّ الفارسيّ داخل البلاد، وحكم البلاد والعباد بزرع الخوف والشك، وكانت وسيلته للحوار مع مواطنيه –على الدوام- هي الدبابة والبارودة والمدفع، فارتكب أفظع المجازر الإنسانية في العصر الحديث، وكانت (مجزرة سجن صيدنايا) في الصيف الماضي، وتدنيس جنوده المصحفَ الشريفَ لاستفزاز السجناء المسلمين.. إحدى (مآثره) التي عتّم على أخبارها الغرب الصليبيّ والأميركيّ كله.

أما موقفه من (حرب الفرقان)، فلم يخرج عن موقفه العام الباطنيّ التواطؤيّ من القضية الفلسطينية طوال تاريخه: رَفْعُ الشعارات الفارغة، والجعجعة الإعلامية، وإظهار نفسه بأنه النظام الممانِع الداعم للمقاومة، وإسهامه في شَقّ الصف العربيّ، وتغذيته لسياسة المحاور، بالاشتراك مع إيران وحزب الله والنظام القَطَريّ، وبإمكاننا أن نلاحظ بوضوح:

أ- وقوفه موقف المتفرِّج على مذابح غزّة، سوى استنفار قنواته الفضائية ووسائل إعلامه الباطنيّ، لضرورات الجعجعة والخداع، مع تأكيده المملّ على التـزامه بما يُسمى بعملية السلام مع العدوّ الصهيونيّ!..

ب- عدم تحريك أي ساكنٍ على جبهة الجولان المحتلّ.. ولا حتى القيام بأي تحرّكٍ وقائيٍ على الجبهة.. ولا الإدلاء بأي تصريحٍ يحمل صبغةً عسكريةً تُربك العدو الصهيونيّ، وتُربك مخطّطاته وعملياته العسكرية في غزة.

ج- لم يعمل على استثمار المَدّ الشعبيّ السوريّ المؤيّد للمقاومة، لصالح تحرير الأرض والجولان المحتلّ.

د- زاد من مهازله خلال المؤتمر الأخير للقمة العربية، بمتاجرته بشعارٍ إضافيّ: (ما أُخِذَ بالقوة لا يُستَرَدّ إلا بالقوة)!.. وكأن الجولان المحتلّ لم يؤخَذ بالقوة منذ 42 سنة!.. وفي اللحظة نفسها، تأكيده على الالتزام بمفاوضات السلام، خياراً استراتيجياً لسورية!..

ج- موقف حزب الله: لم يخرج عن موقف حلفائه (الإيرانيين والسوريين)، ولا يمكن له أن يخرجَ عن موقف سادته ووليّ نعمته الذي يتبع له، على أساس تابعيّته لـ (الوليّ الفقيه) الإيرانيّ.. فهو موقف شعاراتيّ صوتيّ متفرِّج على الأحداث، ولتذهب الشعارات (الصاروخية) الخاصة بـ (حيفا) و(ما بعد حيفا) و(ما بعد.. بعد حيفا) إلى الجحيم!.. على أنه من اللافت في موقف هذا الحزب خلال (حرب الفرقان) ثلاثة أمورٍ هامة:

1- إعلانه الصريح –على الرغم من امتلاكه ترسانةً عسكريةً ضخمة- أنه سيقصر دعمه للمقاومة في غزّة على المساندة الإعلامية، أي على (الجعجعة) والصراخ.. واللطم والتطبير وشَقّ الصدور!..

2- محاولاته المستميتة الحثيثة، لنيل شهادة البراءة الممهورة بخاتم العدوّ الصهيونيّ، من حادثة إطلاق الصواريخ انطلاقاً من الأراضي اللبنانية على الكيان، التي وقعت أثناء (حرب الفرقان)!..

3- إطلاقه سَيلاً من الخطب والتصريحات والتظاهرات، ليس ضد العدوّ الصهيونيّ، بل ضدّ (مصر)، مستغلاً السلوك الخاطئ للنظام المصريّ في التعامل مع قضية (معبر رفح)!.. ونعيد إلى الأذهان هنا، أهمية موقع مصر في المشروع الشيعيّ الفارسيّ، أو مشروع (تصدير الثورة الشيعية الإيرانية الفارسية)!..

(4)

(الموقف الرسميّ: للحركات الإسلامية، والحركة الإسلامية السورية)

ليس غريباً، أن يكونَ موقف الحركات الإسلامية من حرب الفرقان إيجابياً وداعماً، لأنّ القضية الفلسطينية قضية مركزية بالنسبة لها، ولأنّ المقاومة الإسلامية الفلسطينية تنتمي إلى هذه الحركات، وهي امتداد طبيعي لها، وتمثّل عقيدتها، وتنهج نهجها، وتسير على خطاها.. لذلك، فموقف الحركة الإسلامية عموماً، هو موقف داعم بكل الإمكانات المتاحة، وحسب الظروف التي تعيشها الحركات الإسلامية المختلفة في أقطارها وأوطانها، إلا أنّ ما يلفت في هذا المشهد، بعض الجوانب الإشكالية التي تفرض مجموعةً من التساؤلات.. من هذه الأمور الإشكالية اللافتة:

1- كان واضحاً تماماً، أنّ قوة الموقف الداعم للحركة الإسلامية في مصر، لم تكن بمستوى قوّته الداعمة لحزب الله أثناء العدوان الصهيونيّ على لبنان في تموز 2006م!.. الذي أعلن خلاله المرشدُ العام الأستاذ (مهدي عاكف)، عن استعداد حركته لدعم حزب الله التابع للوليّ الفقيه، بعشرة آلاف مجاهد!..

2- انجرار الحركات الإسلامية عموماً (باستثناء الحركة الإسلامية السورية)، لتسويق موقف النظامَيْن الباطِنِيَّيْن: الإيرانيّ والسوريّ، من المقاومة والعدوّ الصهيونيّ!.. فإن كان العامة من الشعوب لا يستطيعون التمييز بين الدعاية والحقيقة، أو بين الدعم الرمزيّ المصلحيّ والدعم الحقيقيّ.. فَحَرِيّ بالحركة الإسلامية التي تقود الجماهير والشعوب العربية والمسلمة، أن تمتلكَ الحدَّ الأدنى من مَلَكَة التمييز السياسيّ والوعي العقديّ والفكريّ، لتمييز الخبيث من الطيب، والصادق من الكاذب، والمشبوه من الأصيل، والمستغِلّ من الداعم الحقيقيّ، والحريص على فلسطين والقدس من المتآمر عليهما، والنظيف الطاهر من الملطَّخة يده بالدماء الفلسطينية قبل غيرها من الدماء السورية والعراقية واللبنانية.. وحتى التركية، والمؤمن بالقضية المركزية للعرب والمسلمين من المتاجر بها، والذي يحكم بما أنزل الله من الذي يحكم بما وضعه الوليّ الفقيه أو تابعه الطائفيّ السوريّ!..

3- انخراط الإعلام الرسميّ الممثل للحركة الإسلامية عموماً (باستثناء الحركة السورية)، بجوقة التطبيل والتسويق للنظامَيْن الإيرانيّ والسوريّ، وبشكلٍ يستعصي على التفسير، مُتَحَدِّياً بذلك مشاعر عشرات الملايين من أبناء الشعب العراقيّ والسوريّ واللبنانيّ.. وحتى الفلسطينيّ، الذين ذاقوا وما يزالون يذوقون الويلات من هذين النظامَيْن السفّاحَيْن!.. وقد دأب هذا الإعلام الرسميّ لبعض الحركات الإسلامية، على بذل الجهود الشاقة، ليعكس درجة السطحية في الوعي الشرعيّ والسياسيّ لدى بعض القيادات الإسلامية، التي بَنَت موقفها وسياستها من هذين النظامَيْن الباطِنِيَّيْن، على وهمٍ زيّنه لها شياطين الإنس والجنّ، بأنّ السياسة (الخارجية)، للنظام السوريّ مثلاً، هي سياسة إيجابية شريفة، تختلف عن سياساته (الداخلية) السيئة المدمِّرة للوطن والشعب، وأنه على الشعب السوريّ وقواه الإسلامية والوطنية، أن يؤيّدوا النظام السوريّ الذي يضطهدهم وينكّل (داخلياً) بهم وبالوطن وبالشعب السوريّ.. أن يؤيّدوه ويشدّوا على يديه ويُسَبِّحوا بحمده، في سياساته الخارجية (المشرِّفة) –على حَدّ وَهْمِهِم- بصموده (المزعوم) في وجه أميركة والكيان الصهيونيّ، وبدعمه (المزعوم) للمقاومة!!.. ولم يسأل هذا الإعلام المضلِّل.. نفسَه، ولم يسأل صُنّاعه وكُتّابه وسياسيّوه أنفسَهم: أيمكن لنظامٍ يدمّر بلده ويصادر حرية شعبه وقواه الوطنية، بشكلٍ لم يسبق له مثيل في تاريخ الدكتاتوريات.. أيمكن له أن يكونَ حريصاً على حرية الشعب الفلسطينيّ والقضية الفلسطينية؟!.. هل يمكن للذي يحرس الكيان الصهيونيّ منذ ثلث قرنٍ على جبهة الجولان المحتلّ الهادئ الوادع.. أن يكونَ حريصاً على دعم المقاومة لتحرير فلسطين؟!.. أيمكن للحليف الإيرانيّ للنظام، الذي يتآمر على العراق وأفغانستان، ويحتلّ أراضٍ عربية، ويعلن عزمه على احتلال بعض دول الجوار.. أن يكونَ حريصاً أو داعماً لمقاومةٍ تختلف معه في الدين والنهج والمنطلقات والثوابت، لتحرير أرضها وشعبها في فلسطين؟!.. أيمكن للذي يصافح (كاتساب) الصهيونيّ، ويعقد الصفقات مع كيانه من تحت الطاولة ومن فوقها.. أن يكونَ جادّاً في دعم المقاومة الفلسطينية؟!.. أيمكن للذي دمّر عشرات المساجد في (مدينة حماة) وسائر المدن السورية، أو للذي دمّر مئات الجوامع في العراق.. أن يكونَ مهتمّاً بتحرير المسجد الأقصى؟!.. هل سياسات الاحتواء والاغتيالات الخارجية للنظام السوريّ تجاه لبنان تستحقّ التأييد والمبارَكَة، باعتبارها جزءاً من السياسة الخارجية له؟!.. أليست مفاوضاته السرّية والعلنية مع العدوّ الصهيونيّ من غير رغبة شعبه سياسةً خارجية؟!.. أليست صفقاته التآمرية مع أميركة في ما يُسمى بمكافحة الإرهاب، التي لا ينكرها النظام.. سياسةً خارجية؟!.. هل يمكن للذي يحكم بالإعدام على مجرّد الانتماء الفكريّ إلى الحركة الإسلامية السورية.. أن يكونَ راعياً بريئاً لشقيقتها الفلسطينية، وصديقاً عزيزاً وديعاً حنوناً مخلصاً وفياً لشقيقاتها العربيات؟!.. هل.. وهل.. وهل.. وفوقها: هل؟!..

لقد استطاعت أنظمة ما يُسمى بـ (محور الممانعة)، أن تستقطبَ الحركات الإسلامية، فضلاً عن الأحزاب العربية القومية، وأن تُقيمَ مع قياداتها علاقاتٍ حميمة، وتعقد لها المؤتمرات والاحتفالات والمهرجانات والندوات، لتكونَ هذه السياسة الاستقطابية، جزءاً من المفارقات الكثيرة، ضمن المسار المقرَّر على طريق تحقيق الهدف العام لهذه الأنظمة، وهو نفس المسار الذي يتطلّب منها أن تحتوي –كما ذكرنا- فصائل المقاومة، وتُقدّم لها شكلاً من أشكال الدعم الذي لا وزن له في موازين الصراع، لتجني مكاسب استراتيجيةً كبرى من وراء ذلك، تؤهّلها: لإثبات وجودها على ساحة النفوذ في المنطقة، ولتنفيذ مخطّطها وهدفها العام الأكبر والأخطر، في اجتياح المنطقة العربية والإسلامية، وإحكام السيطرة عليها بدوافع طائفيةٍ وأيديولوجيةٍ عدوانية!..

لفهم إشكالية تحالف النظام السوريّ الطائفيّ وحليفه الإيرانيّ الفارسيّ الشيعيّ.. مع الحركات الإسلامية، نؤكّد على النقاط المهمة التالية:

أ- هدف النظام من هذه التحالفات:

تعزيز سلطته، والمحافظة على حكمه وسطوته، ومَدّ نفوذه الإقليميّ إلى أبعد بُقعةٍ ممكنة!.. فالنظام يعرف أنه ساقط داخلياً لدى شعبه، ولا يمكنه الاعتماد في استمراره على هذا الشعب، لأنه يعرف أنّ الحكم الشموليّ الأحاديّ الذي يحكم بالحديد والنار والظلم والقمع، لا يمكن أن يستمرّ، إلا بالتعويض عن دعم الداخل بالدعم المقدَّم من الخارج، لهذا، فهو يعوّض عُريَه الداخليّ، بهذه العلاقات العلنية الصاخبة مع المقاومة والحركات الإسلامية، التي تؤمِّن له التغطية الكاملة، وذلك لغايات التترّس بسياجها أمام شعبه، لأنه بهذه العلاقات، يحاصر الحركة الإسلامية السورية المعارِضة له، ذات النفوذ المعارِض الأكبر لدى هذا الشعب السوريّ المنكوب.. هذا من ناحيةٍ أولى.. أما من الناحية الثانية، فهو -أيضاً- يعوِّض ضَعفه الداخليّ، بالعلاقات الصامتة غير المعلَنَة مع أميركة والغرب والكيان الصهيونيّ، لغايات ضمان حاضره ومستقبله!.. وهو بكل هذا السلوك، لا يخرج في تعامله مع غيره –كما أشرنا آنفاً- عن جلده وعقيدته السياسية الباطنية، التي يُظهِر فيها غير ما يُبطِن!..

ب- نلاحظ في هذه الإشكالية ما يلي:

1- بعد تعمّق انطلاقة الصحوة الإسلامية في أوائل التسعينيات، شعبياً.. عمل النظام على ركوب موجة هذه الصحوة، بالانفتاح على الحركات الإسلامية (غير السورية) التي تمثّل الشعوب العربية والإسلامية، محاولاً استقطابها لتحقيق ثلاثة أهدافٍ رئيسيةٍ معاً:

أ- استخدام هذه الحركات الإسلامية أوراقاً ضاغطةً على حكومات بلدانها، ابتزازاً وتهديداً.

ب- استثمار علاقاته بهذه الحركات، لتوسيع مَدَيَات نفوذه واختراقاته الإقليمية.

ج- تقديم نفسه لأميركة والغرب، على أنه يستطيع في أي وقتٍ أن يضبطَ هذه الحركات، نتيجة علاقاته معها.. بل أن يقدّم رؤوسها إن اقتضى الأمر، وذلك إذا ما قبض ثمناً سياسياً وإقليمياً مناسباً له.

2- كما نلاحظ أنّ هذا النظام السوريّ الباطنيّ، يتحرّك بوجهَيْن سياسيَّيْن، أولهما ظاهر: وهو وجه داعم بشكلٍ ما للحركات الإسلامية، ومنها الحركات المقاوِمة (حماس والجهاد الإسلامي وغيرها)، وهو وجهه الابتزازيّ.. وثانيهما باطن: وهو وجه قامع لما يُعرَف (في الأدبيات الغربية والأميركية والصهيونية) بالتطرّف الإسلاميّ، مقابل الثمن المناسب، وهو وجهه التجاريّ، الذي يستخدمه في عمليات البيع والشراء مع أميركة والغرب والكيان الصهيونيّ، لتثبيت نفسه في الحكم!.. فهو مثلاً: يحكم على أبناء جماعة الإخوان المسلمين السوريين بموجب القانون رقم 49 لعام 1980م، الذي يقضي بالإعدام، لمجرّد الانتماء الفكريّ للجماعة.. لكنه (أي النظام) يستقبل كل قيادات الإخوان المسلمين من الأقطار الأخرى في أرقى الفنادق بدمشق، وفي المؤتمرات الشعبية الإسلامية، التي ينظّمها لتحقيق أهدافه ومآربه، ولتسويق نفسه على أنه حامي حمى العرب والإسلام والمسلمين والقدس والأقصى وفلسطين!.. ومرةً أخرى.. وأخرى، نلمس هنا السياسة الباطنية التي يتقنها هذا النظام الطائفيّ، ويغفل عنها تماماً، معظمُ الحركات الإسلامية التي تحجّ إلى دمشق!.. أوَلَيست دمشق، هي قلعة (الممانعة) بوجه أميركة والعدوّ الصهيونيّ ومشروعهما المشبوه؟!!.. ورضوان الله على الفاروق عمر بن الخطاب القائل: (لستُ بالخِبّ ولا الخِبّ يخدعني).

ثانياً: موقف الحركة الإسلامية السورية

أ- مفارقات النظام وباطنيّته مستمرّة:

من مفارقات العلاقة ما بين النظام السوريّ والحركات الإسلامية غير السورية، أنه –على ما يبدو- استطاع أن يمرّر عليها مزاعمه الماكرة.. ومن هذه المزاعم (سوى أنه نظام (ممانِع) يواجه أميركة والكيان الصهيونيّ):

1- إنّ الحركة الإسلامية السورية تختلف عن شقيقاتها، أي الحركات الإسلامية الأخرى، فهي تعارضه، بل دخلت في صراعٍ مريرٍ معه منذ عشرات السنين، لتحرفَه عن (نضاله) في سبيل فلسطين والجولان وهدف التحرير، وبذلك، فهي تخدم أعداء الأمة، من مثل: أميركة والكيان الصهيونيّ!..

2- وإنّ الحركة الإسلامية السورية، هي سبب كل احتقانٍ داخليٍ سوريّ، وسبب تأخّر برامج التقدّم الاقتصاديّ والاجتماعيّ والأمنيّ والسياسيّ للمواطن السوريّ، لأنها تشغله (أي النظام) عن مهمّاته الجسيمة في تحقيق ذلك، وتضطرّه لاستخدام القبضة الأمنية القمعية!..

3- وإنّ الحركة تقف في الصف المعادي للأمة العربية والإسلامية، وللمقاومة، لأنها تعلن عن تصدّيها للمشروع الإيرانيّ المدعوم من قِبَلِه (النظام السوريّ)!.. أليست إيران هي الداعمة للمقاومة؟!!!.. فإذن، كل مَن يتصدّى للمشروع الإيرانيّ الفارسيّ الشيعيّ، هو في الصف المعادي للمقاومة، بل في السلّة الأميركية الصهيونية!..

4- كما أنّ الحركة الإسلامية السورية، هي التي تضع العوائق الكثيرة أمام حَلّ مشكلتها أو قضيّتها مع النظام السوريّ، وهي –لأنها تعمل لصالح أميركة والصهيونية- لا تريد أن يتمّ حَلّ هذه القضية، لأنها تريد أن تستمرّ حالة الاحتقان الداخليّ، لاستنـزاف النظام (الممانِع) نيابةً عن (إسرائيل وأميركة)!..

حقيقةً، لا يحتاج المرء إلى مناقشة مثل هذه المزاعم المتهافتة، فما كشفناه في هذه الحلقة حول ما يُسمى بـ (محور الممانعة)، كفيل بدحضها، ويكفينا القول: إنّ عكس ما يزعمه هذا النظام الطائفيّ الباطنيّ المتاجِر، هو الصحيح!.. لكن هل نعتب عليه وهو النظام المكشوف بأجلى صورةٍ وأوضحها.. أم نعتب على مَن يستحقّون العتب، مِمّن يُصدّقون مزاعمه المتهافتة؟!.. ويُسخِّرون أقلامهم وإعلامهم وعلاقاتهم، لتثبيت هذه المزاعم لدى الشعوب العربية والإسلامية، فيُقدِّمون الخدمة تلو الخدمة، لأشدّ أنظمة الحكم دمويةً وديكتاتوريةً وبطشاً وطائفيةً، في التاريخ الحديث؟!.. (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّاً وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) (التوبة:8).

ب- بعض ثوابت الحركة الإسلامية السورية:

إنّ الحركة الإسلامية السورية، ذات المرجعية المستمَدَّة من الإسلام ومنهجه المتطوّر للحياة، قد أعلنت رؤيتها لمختلف القضايا التي تهمّ الأمة الإسلامية والخصوصية السورية، من ذلك:

1- إنّ فلسطين وقضيتها هي القضية المحورية للأمة، وإنّ مسؤولية السوريين كبيرة في تحريرها، لأنهم من أقرب الشعوب العربية والإسلامية إليها، فتلك أولوية شرعية إسلامية، وجغرافية.

2- إنّ المشروع الصهيونيّ هو جزء من المشروع الأميركيّ في منطقتنا، وكلاهما يهدّد الأمّتَيْن العربية والإسلامية، ويهدّد حاضرهما ومستقبلهما.

3- إنّ المشروع الإيرانيّ الشيعيّ، هو مشروع قوميّ فارسيّ يستتر بالدِّين، ليضمن اختراقه للمجتمعات العربية والإسلامية، وهو يهدّد الأمّتَيْن العربية والإسلامية، ويزرع الفتنة بين المسلمين، ويُشوِّه الصورة الوسطية للإسلام الحنيف، ويهدم كيان الأمة الإسلامية، بهدم قِيَمِها وأسس دينها وأصوله وعقيدته وثوابته الشرعية والعقدية، وقد حقّق هذا المشروع المشبوه اختراقاتٍ كبيرةً في المجتمع السوريّ، بتغطيةٍ كاملةٍ يؤمّنها له حليفه الطائفيّ: النظام السوريّ.

4- ينبغي للأمة الإسلامية أن تستشعر الخطر الداهم للمشروعَيْن المشبوهَيْن المذكورَيْن، وأن تُسارع إلى إنضاج (المشروع الإسلاميّ الوسطيّ المستقلّ)، الذي يجمع العرب والمسلمين، ويحفظ الأمة ودينها وشعوبها وإنسانها وأرضها وثرواتها، من شرور هذين المشروعَيْن.

5- إنّ الجولان السوريّ هو أرض عربية سورية إسلامية محتلّة، ينبغي تحريرها بكل الوسائل الممكنة.

6- إنّ أول شروط الممانعة الحقيقية، إن كان الهدف تحرير الأرض المغتَصَبة والتصدّي للمشروع الأميركيّ-الصهيونيّ، هي إعادة حقوق الشعب السوريّ إليه، وتحقيق العدالة والمساواة بين أبنائه، واحترام حرّية إنسانه وكرامته، ورفَع سوط الاستبداد والظلم والقمع والدكتاتورية عن كاهل هذا الشعب، ومن أول شروط المصداقية في ذلك: اقتران أقوال النظام بأفعاله.

ج- بناءً على هذه الثوابت، أعلنت الحركة الإسلامية السورية موقفها من (حرب الفرقان) بما يلي:

1- إنّ حرب غزّة، هي حرب عدوانية وحشية، وإنّ المقاومة الإسلامية الفلسطينية تدفع العدوان عن الأمة كلها، وإنّ هذه الحرب تشكّل بمجرياتها ونتائجها، منعطفاً تاريخياً استراتيجياً، ينبغي أن تستثمره الأمة لصالحها ولتحرير أراضيها المحتلة.

2- كما أنّ العدوان على غزّة والمقاومة، هو عدوان على الخِيار الديمقراطيّ للشعب الفلسطينيّ، الذي انتخب (حركةَ حماس) عبر صناديق الاقتراع، وذلك بالعملية الديمقراطية، التي زعمت أميركة، أنها تريد تحقيقها ونشرها في منطقتنا.

3- ضرورة التحرّك العمليّ الفوريّ للحركة الإسلامية السورية، لتقديم كل ما يمكن تقديمه لنصرة غزّة.

4- علّقت الحركة (مؤقّتاً) أنشطتها المعارِضة للنظام، وذلك لتوفير جهدها لخدمة المعركة الأساسية، باعتبار أنّ القضية الفلسطينية هي القضية المحورية للأمة.

5- دعوة النظام السوريّ، لإزالة كل العوائق التي تحول دون قيام سورية بواجبها الشرعيّ، لتحرير الأرض المحتلّة ودعم صمود المقاومة، وأول ذلك، أن يتصالَحَ هذا النظام مع شعبه، لأنّ ذلك من أول شروط (الممانعة) التي يرفع شعاراتها، وذلك لِيُثبِتَ مصداقيّته وجدّيته.

د- بذلك، ترى الحركة الإسلامية السورية:

1- أنها سجّلت موقفاً تاريخياً، ورمت الكرة في ملعب النظام، وأبرأت الذمة، وربما، كشفت عملياً زيف شعارات (الممانَعة) ومزاعم (الممانِعين).

2- وأنها دعمت المقاومة بإمكاناتها المتوافرة.

3- وأنها أسّست لموقفٍ تاريخيٍّ نبيل، ولحوارٍ إسلاميٍّ مع الحركات الإسلامية غير السورية، المتحالفة مع النظام السوريّ، وذلك لكشف حقيقته بشكلٍ عمليّ، ولكسر الحصار عن كاهلها، الذي يفرضه هذا النظام عليها، مستخدِماً في ذلك شقيقاتها من هذه الحركات الإسلامية المختلفة.

لقد أرادت الحركة الإسلامية السورية، أن تقولَ لكل العرب والمسلمين، ولكل القوى الوطنية العربية والإسلامية: هناك قضية مركزية للأمة، هي القضية الفلسطينية، وحقها علينا جميعاً نصرتها.. لكن أيضاً هناك قضية للشعب السوريّ المضطهَد، ضحاياه على أيدي نظام حكمه القمعيّ الذي يزعم (الممانعة).. أكثر بكثيرٍ من ضحايا فلسطين الشقيقة على أيدي العدوّ الصهيونيّ، ومحنته المتطاولة منذ أربعة عقود، قتلاً واعتقالاً وسَجناً ومصادرةً للأملاك وتهديماً للبيوت وتدميراً للمساجد وتهجيراً وإخفاءاً واعتداءاً على الأعراض وإقصاءاً.. تستوجب من كل شرفاء الأمة وأحرارها.. السعي لإنهائها، أو -في أقل تقديرٍ- وقف كل أشكال التغطية على ظلم هذا النظام، وأنه من حق هذا الشعب العربيّ السوريّ المسلم، الإنصاف والنصرة على ظالميه ومضطَهِدِيه.. وأنه مَن يظنّ، أنّ تحرير فلسطين سيتم من دون شعبٍ سوريٍ حُرٍ كريم، بمن فيه كل القوى الوطنية والإسلامية السورية.. فهو يعيش في وهمٍ كبير، يفوق حجم الوهم الذي يدعو السذّج للاقتناع، بأنّ إيران الفارسية الطائفية، وتابعها النظام الطائفيّ السوريّ، ومخلبها الطائفيّ اللبنانيّ.. سيحرّرون الجولان، أو مزارع شبعا.. أو شبراً من فلسطين!..

              

*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام.