من اجل جندي واحد
من اجل جندي واحد
د. كمال رشيد رحمه الله
من رأى مئات الدبابات والآليات وآلاف الجنود متوجهة إلى قطاع غزة تطوقه من شماله وجنوبه ومن رأى طائرات العدو تحلق وتقصف وتدمر محطات الكهرباء والماء ؛
من سمع هدير الدبابات والطائرات وهدير القادة السياسيين والعسكريين ظن أن القيامة قد قامت ، أو أن حربا عالمية ثالثة قد بدأت .
كل هذا يكون من اجل جندي اسرائيلي اسير ، مع ان ثمانية الى عشرة آلاف مواطن فلسطيني هم اسرى السجون الاسرائيلية من غير حرب ، ومن غير محاكمة ، وفيهم مئات النساء والأطفال .
أتراها مظاهر قوة في الجيش الاسرائيلي والحكومة الاسرائيلية أم هي مظاهر خوف وارتباك وتخبط ؟.
كل هذا من اجل جندي اسرائيلي فرنسي اسير ، وكل هذا ضد شعب مدني اعزل محاصر مجوع ، محاصر عسكريا حيث الطوق الاسرائيلي ومحاصر اقتصاديا حيث المعابر المغلقة ، فلا يصل القطاع واهله غذاء ولا دواء ولا وقود ، ومحاصر سياسيا حيث الحكومة الشرعية مكبلة الأيدي مقطعة الأوصال موزعة بين الضفة والقطاع ، وحيث الموقف الاوروبي والامريكي والمقاطعة السياسية الدوبلوماسية والاقتصادية .
لا الجندي الواحد يستحق كل هذا ، ولا القوة المقابلة تملك من القوة ما يستوجب كل هذا التجيش والاستعداد .
أما الجندي فمن الممكن انقاذ حياته بأقل التكاليف لو ان العنجهية الاسرائيلية تواضعت واستجابت لعرض الفلسطينيين الذين يأسرون ذلك الجندي .
كل ما طلبه أولئك هو اطلاق سراح الاطفال والنساء من سجون الاحتلال الاسرائيلي ، وهو عرض عادل وممكن وقابل للتنفيذ ، ولقد اعتادت اسرائيل على مثل هذا مع الفلسطينيين واللبنانيين، مع حزب الله والقيادة العامة ، فلماذا يكون الرفض هذه المرة .
الجواب ان هذه الحملة المسماة " مطر الصيف " كان الإعداد لها والتهديد بها قبل عملية آبار سالم الفدائية الاستشهادية ، تلك العملية التي اذهلت الجيش الاسرائيلي وافقدته صوابه لنوعيتها وعبقريتها ونجاحها .
وتأتي هذه العملية الاسرائيلية لخدمة اولمرت وحكومته ،ورفع اسهمه بأنه يأتي بما لم يأت به الأوائل وآخرهم شارون ، ذلك الذي ظنناه اسفل السافلين وأجرم المجرمين ، واذ به يورث من هو اسفل منه .
ويتجلى امران خطيران في هذه العملية الاسرائيلية أولهما الصمت أو النوم العربي ، وكأن شيئا لا يقع في اقدس بقعة واعز شعب ،وكأن ما يصيب اطفال غزة من صواعق الطائرات واصوات القنابل والقذائف – على اقل تقدير – لا يعنيهم ولا يهز مشاعرهم ،وكأنهم لا يتصورون كيف لو وقع هذا لأطفالهم .
لا الحكومات العربية تحركت ولا الشعوب ، وكأن ابرة المخدر الامريكي قد اعطت مفعولها .
فقط من هناك من البعيد من المغرب والسودان خرجت مسيرات متواضعة عددا وتأثيرا ، ولكن شكرا لهم ، فقد عبروا عن مشاعر الحب والصدق والوفاء.
أما الامر الثاني فهو الاندياح الامريكي الاوروبي الدولي الاعمى ، وهذا الصمت المطلق ، والاصطفاف الامريكي العلني مع الاسرائيليين ، فلقد أقر البيت الابيض الفعل الاسرائيلي جملة وتفصيلا ، ولكنه طلب عدم إيذاء المدنيين ولا ندري كيف يكون ذلك ، والشعب الفلسطيني كله مدني وكله مسنهدف .
أما الموقف الأعمى الدولي فهو كشأنه في النفاق والمجاملة والتبعية للموقف الأمريكي .
ترى لو كان هذا او بعض منه يقع لغير الفلسطينيين وغير العراقيين هل كان الموقف العربي والغربي والدولي على هذه البرودة والعمى والطرش عن كل ما يجري .
على كل حال لو قدر لهذا الشعب ان يبيد أو يباد لباد من قبل خمسين عاما ، ولكنه باق لنفسه ولقدسه ولأمة العرب والمسلمين.