أنا أو ابني
أنا أو ابني
د. كمال رشيد رحمه الله
كثير من الحكام العرب , وقد بلغ من العمر عتياً , وقد بلغ من الحكم العقدين والثلاثة , وقد استمر الحكم والظلم والجمع واللم , وقد أتقن الأكل والهضم ,
وقد جيش لنفسه الجيوش , وأحاط نفسه بأسوار من المادحين والمسبحين والمنافقين , وقد أعد لنفسه صحفاً , وأقلاماًَ ومحطات إذاعية وفضائيات تضخ ببرامج المدح والثناء والتزيين والتحسين والحمد والتوحيد , ويبث كل هذا في أذن المواطن ووعيه ووجدانه حتى يصاب بحالة لا يمكن وصفها , يصاب باللون الواحد والاتجاه الواحد والشخص الواحد .
ويكبر الحاكم سناً وخبرة , ويكبر من حوله أولاده ويرشح واحد منهم ليكون خليفة أبيه , ويعده إعداداً ليوم الفصل.
وهنا تترسخ القناعة لدى ذلك الحاكم الدستوري الجمهوري أنه لا ينفع العباد والبلاد بعد طول العمر وقبل ساعة الصفر إلا ذلك الابن المعد إعداداً , وقد صار مألوفاً ومعروفاً لدى ذلك الشعب ولدى القادة والحكام على نطاق الوطن العربي أو العالم .
وهنا تؤخذ جميع الاحتياطات والترتيبات للوصول إلى نتيجة مفادها , الحاكم إما أنا أو ابني , ولا يصلح أمر هذه الأمة وأمر هذا الشعب إلا بما صلح به أوله , لين في غير ضعف , وشدة في غير عنف ,
نحن ننطلق من المصلحة الوطنية والقومية و هناك أعمال ومنجزات عظيمة حققناها , وهنا مشاريع بدأناها ولا أحد يقدر على استكمالها إلا من بدأها , وهناك أخطار وتطورات دولية وإقليمية لا يفهما ولا يحسن التعامل معها إلا أنا أو ابني الذي أعددته إعداداً ,
ولا يغرنكم ما يقوله ويشيعه السوقة والغوغاء والمتعجلون الذين يلعبون بعواطف الشعب ويجرون البلاد إلى مهاوي الهلاك ,
نحن ولا أحد سوانا يفهم اللعبة السياسية العالمية , ويتقن التفاهمات والحلول , وما زالت القضية الفلسطينية والقضية العراقية وقضايا دارفور , وداردور , والصحراء الغربية , والعلاقات السورية اللبنانية وخارطة الطريق , ما زالت غير منتهية .
نعم كثير من الحكام العرب هم كذلك , وقد يفهمون هذا الفهم , ويطرحون هذا الطرح , ويصعب عليهم مجرد التصور الذهني أنه يكونوا خارج الحكم , ولو أدى ذلك إلى قلب الطاولة , وعندها تكون الانقلابات العسكرية والسياسية من الحكام على شعوبهم , بعد أن كانت من الشعوب أو من مجموعات حزينة أو سياسية أو عسكرية .
نعم حكم بلا قناعة , بلا ثقافة , بلا تقوى وعدل واحتكام , بلا خضوع لمنطق تطور الزمن , وتغير الحال ، وتدهور الصحة والاعتلال ، والاقتراب من شيئ اسمه "الموت" الذي هو قدر على كل مخلوق .
بعض الحكام العرب لا يؤمنون بالتقاعد من الخدمة , إذ إن كل موظف ينتهي إلى التقاعد رفقاً بنفسه وصحته أو بالوظيفة نفسها , كل هذا يجري في أنظمة جمهورية انتخابية شورية , وليس في أنظمة ملكية وراثية دستورية .
العمر فيه كفاية ونهاية , أما الحكم عند أولئك فليس له نهاية ولا كفاية , إنه الشرب من الماء المالح الأجاج , كلما ازددت شرباً ازددت عطشاً وظمأ , وهنا نسأل أيكون حكم العباد بمنأى عن محاسبة الله بعد محاسبة الناس.