قصة مفاعل ديمونا الإسرائيلي من الألف للياء

قصة مفاعل ديمونا الإسرائيلي من الألف للياء

م. هشام نجار

المنسق العام لحقوق الإنسان - الولايات المتحده 

najjarh1.maktoobblog.com

نشرت وسائل الإعلام العبرية، وللمرة الأولى منذ 50 عاماً، صوراً للمفاعل النووي الصهيوني "ديمونا" الموجود في منطقة النقب جنوب فلسطين المحتلة عام 48.

الحلقه الأولى

دأب الكيان الصهيوني منذ إغتصاب فلسطين وحتى الآن على إتباع سياسة عدم التصريح بتأكيد او نفي برامجه وخططه حتى جرائم إغتيالاته وذلك حتى يترك اللغط حولها قائماً دون حسم, ما ينطبق على هذه السياسه ايضاً هو الصمت حول وجود السلاح الذري الذي تمتلكه. الا ان خطورة هذا الموضوع جعل جهات غربيه تكشف عن برنامج إسرائيل النووي العسكري برمته بينما صمت إسرائيل يبدو كالنعامه دافنة رأسها بالتراب ولا تعلم ان الكل يعلم ببرنامجها الخطير بأدق تفاصيله

فحتى هذه اللحظه لم تؤكد اسرائيل انها تملك اسلحة نووية رسميا وكل ما تذكره لنا انها لن تكون الدولة الاولى التي تدخل السلاح النووي الى الشرق الاوسط. ومع ذلك فإن كشف الآف الوثائق التي كانت سرية للغاية للحكومة الامريكية والتي تظهر أن الولايات المتحدة بحلول عام 1975 كانت مقتنعه وواثقه مائه بالمائه بأن اسرائيل لديها اسلحة نووي  

اعزائي القراء 

بدأ الكيان الصهيوني نشاطه النووي السري منذ عام ١٩٤٩ بتأسيس وحده علميه للجيش الإسرائيلي لتقوم بعملية مسح جيولوجي لصحراء النقب للبحث عن اليورانيوم.

التنقيب اعطى نتائج مشجعه بوجود كميات كبيره من الفوسفات والذي بالإمكان معالجته لإسترداد كميات معقوله من اليورانيوم . فتم إنشاء لجنة الطاقة الذرية الاسرائيلية في عام ١٩٥٢ وترأسها إرنست ديفيد بيرجمان الذي كان يشغل ايضا منصب رئيس وزارة الدفاع للبحوث وشعبة البنية التحتية وكان هدفها الأول الحصول على القنبله الذريه الإسرائيليه وقد تركز نشاط هذه اللجنه على إستخراج اليورانيوم من فوسفات النقب مع إستنباط طريقه جديده لإنتاج الماء الثقيل اللازم للمفاعل الذري

 في خمسينات القرن الماضي كانت الحرب البارده بين الغرب والشرق مشتعله وفرنسا في ذلك الوقت كانت جزءاً من الحرب البارده والساخنه معاً , فحرب تحرير الجزائر كانت مشتعله بشده ومصر وسوريا كانتا رديفتين لثورة التحرير بإمدادها بالسلاح والدعم اللوجستي, فإستفادت إسرائيل من التوتر القائم بين العالم العربي وفرنسا لتحقيق اهدافها بالتعاون مع فرنسا لتقديم خبراتها في تأسيس المفاعل النووي حيث كانت فرنسا قد بدأت في تأسيس مفاعلها الذي كان بقدرة ٤٠ ميجاواط يعمل بالماء الثقيل ومحطة اعادة المعالجة الكيماوية في ماركول مما جعل فرنسا شريكا طبيعيا لاسرائيل في تزويدها بكل مايلزم من خبره ومواد لتأسيس مفاعلها النووي المستقل

بداية , كان التعاون مع فرنسا تعاوناً بحثياً فوافقت على تزويد إسرائيل بمفاعل إستطاعتة 18 ميغاوات للبحث العلمي 

ولكن في خريف عام 1956 تغير الوضع جذرياً بعد تأميم قناة السويس وحاجة بريطانيا وفرنسا الى إسرائيل لشن حرب مشتركه على مصر لإستعادة  قناة السويس التي اممها الرئيس عبد الناصر وتحقيق إسرائيل لمطامع إضافيه على الأرض .هذا التحول عمّق العلاقه مع فرنسا للإنتقال الى خطوه متقدمه في التعاون النووي

في ٣ تشرين الأول/ اوكتوبر ١٩٥٧ وقعت فرنسا واسرائيل على اتفاق منقح يدعو فرنسا لبناء مفاعل بإستطاعة ٢٤ ميجاواط مع بناء محطة اعادة المعالجة الكيميائية في سرية تامه وخارج نظام تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذريه في ديمونا في صحراء النقب تحت قيادة العقيد المانوية برات من المرسوم فيلق الجيش الإسرائيلي

بدأ المشروع في ديمونا عام ١٩٥٨ ورصدت له إسرائيل ١٥٠٠ من العلماء والمهندسين والفنيين مع خبراء فرنسيين معدودين كما أنشأت وكالة سريه للمخابرات خاصه بالمشروع لضمان السريه والأمن.

ثم شرع بنقل المعدات الضخمه, فتم إستيراد الماء الثقيل من النرويج على شرط أن لا يكون نقله إلى بلد ثالث, وشرع سلاح الجو الفرنسي سرا بنقل أطنان من المواد الخاصه بالمشروع لاسرائيل 

في أيار/ مايو من عام ١٩٦٠ ظهرت مشكلة سياسيه عندما بدأت فرنسا بالضغط على اسرائيل لجعل المشروع يخضع لعمليات تفتيش دولية للموقع وهددت فرنسا بوقف وقود المفاعل إن لم يفعلوا ذلك.فلقد عبّر الرئيس ديغول عن قلقه من أن هذه الفضيحة لا مفر من كشفها وخصوصا في محطة اعادة المعالجة الكيماوية الخارجه عن رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذريه حيث سيكون لهذه المخالفات الفاضحه انعكاسات سلبية على موقف فرنسا الدولي كون موقفها هشاً بسبب حربها في الجزائر

اعزائي القراء

إثر ذلك تم عقد إجتماع بين شارل ديغول رئيس فرنسا ودافيد بن غورون رئيس وزراء الكيان الصهيوني لمحاصرة ازمة الأصدقاء.عرض الرئيس ديغول بإيقاف التعاون بإستكمال المفاعل لقاء تزويد إسرائيل بصفقة طائرات مقاتله من نوع ميراج , الا ان بن غوريون عرض حلاً قال عنه انه حل وسط يقضي بموجبه ان تلتزم فرنسا بتأمين اليورانيوم المخصب والتجهيزات التي تم االإتفاق على تصديرها على ان لا تصر فرنسا على التفتيش الدولي وبالمقابل تعطي إسرائيل تعهداً بأن هدف بناء المفاعل هو للاغراض السلميه. وبلغة اخرى لا تغيير جوهري طرأ على الموضوع فالمقاولون الفرنسيون انهوا العمل والشحنات الأوليه للوقود النووي قد تم توريدها وان المفاعل دخل في مرحلته الحرجه عام ١٩٦٤ 

بدأت الشكوك تساور الولايات المتحده فأرسلت طائرة تجسس من طراز يو - ٢ حلقت ليلاً فوق مفاعل ديمونا حيث لم يتأكدوا من ان المنشأه هي لمفاعل ذري وانه اقرب لمصنع للنسيج ومحطه زراعيه ومنشأه للتعدين, الا ان بن غوريون كشف في شهر كانون الأول/ديسمبر ١٩٦٠ ان ديمونا هو مفاعل ولكن للأغراض السلميه 

في الحلقه القادمه سنقرأ عن عمليات التضليل التي قام بها الكيان الصهيوني لعناصر التفتيش التابعين للوكالة الدولية للطاقة الذريه

 

(الحلقه الثانيه)

  

ذكرت لكم في نهاية الحلقه الأولى ان بن غوريون كشف في شهر كانون الأول/ ديسمبر ١٩٦٠ ان ديمونا هو مفاعل ذري مصمم للأغراض السلميه, ولكن بعد خمسة عشر عاماً منذ ذلك التاريخ اي في عام ١٩٧٥ وهي فترة ليست بالقصيره فقد إعترفت الولايات المتحده بعد خراب البصره من ان برنامج الاسلحة النووية الاسرائيلية هو حقيقة ثابتة لا رجعة فيها.

هذا التأخير بالإعتراف يعطي دلاله على إهمال متعمد اوعملية خداع للعالم من قبل الولايات المتحده , سمها قارئي العزيز ماشئت فهي بالنهايه صبت في بناء إسرائيل لقوتها النوويه في غياب كامل للعالم بأسره وعلى رأسه الدول العربيه بحكامها الثوريين والتقليديين ... تقدميين ورجعيين.

كان لأصحاب الشكوك بالولايات المتحده لإخفائها برنامج المشروع الإسرائيلي طيلة خمسة عشر عاماً على الأقل كان له من الصحة نصيب كبير بل كان له كل النصيب كما سيتبين لاحقاً, فهل يعقل ان يقوم المفتشون الأمريكيون بزيارة مفاعل ديمونه سبع مرات في ستينات القرن الماضي دون ان تراودهم شكوك من ان مفاعل ديمونا بني اساساً لإغراض عسكريه! بينما يستعمل الأمريكيون والتلموديون حاسة الشم لديهم ليتحفونا بقرارهم من ان البناء العسكري المقام في شمال العراق في عهد الرئيس صدام حسين هو مفاعل ذري في دور التكوين اي مازال جنيناً في بطن أمه؟

تقرير المفتشين الأمريكيين الذين زاروا ديمونا افاد من ان المفتشين لم يتمكنوا من الحصول على صورة دقيقة للأنشطة التي تجري هناك, وعزوا ذلك إلى السيطرة الاسرائيلية المشددة حول توقيت وجدول أعمال الزيارات.

كانت إسرائيل تلجأ إلى طرق خداعيه وأشراك تُنصَب لأية هيئه دوليه ترغب في زيارة موقع ديمونه إلى حد تثبيت لوحات تحكم كاذبة وعزل مناطق كامله بالقرميد فوق الممرات والمصاعد والتي اغلقت وحجزت قسماً كبيراً من البناء المتضمن للتجهيزات الهامه لتبقى مغيبه تماماً عن انظار المفتشين الذين لم يجدوا دليلاً (او هكذا زعموا) على عدم وجود "انشطة ذات صلة بمشروع تسليح نووي" مثل وجود اعادة معالجة البلوتونيوم.

وعلى الرغم من أن حكومة الولايات المتحدة تدّعي انها لم تشجع أو توافق على البرنامج النووي الإسرائيلي الا أنها ايضاً لم تفعل شيئاً لوقفه، فالسفير الامريكى لدى اسرائيل والورث باربور خدم في إسرائيل بين عامي ١٩٦١ - ١٩٧٣ لاحظ (طول مدة الخدمه؟) كان ولاشك يعلم بما تقوم به إسرائيل في ديمونا لبناء برنامج قنبلة نوويه في السنوات الحاسمة ولكنه وحسب رأيه كان يرى ان وظيفته تقضي بعزل الرئيس الأمريكي عن الحقائق التي قد تدفع الرئيس الى اتخاذ إجراء سلبي بشأن القضية النووية الإسرائيليه قائلاً ان "الرئيس لم يرسلني لإسرائيل لتزويده بالمشاكل فأنا لا ارغب أن أكون وكالة للأنباء السيئة له.

 من هذا الرد يمكن إعتبار السفير الأمريكي باربور عميلاً إسرائيلياً بجداره, فبعد مهزلة١٩٦٧ وضع باربور حداً لجهود الملحقين العسكريين في جمع المعلومات الاستخبارية حول ديمونا ولم يأذن بمعلومات عن شحن الوقود النووي، كما فعل في حجز معلومات عام ١٩٦٦ عندما كانت إسرائيل على إستعداد لوضع رؤوس حربية نووية على صواريخ حامله لها ، فلقد تخفى هذا الرجل وراء ستار البيروقراطية. وعند هذه النقطه يمكننا القول بكل صراحه ان فرنسا وضعت حجر الأساس للمشروع واكملت عليه الولايات المتحده, بينما كان الحكام العرب يحاربون مع الولايات المتحده حربها البارده ضد الإتحاد السوفيتي.

إنتاج الأسلحه النوويه:

عندما اصبح الوضع مكشوفاً للولايات المتحده, اصدرت ال (سي آي إيه) وكالة الإستخبارات المركزيه الأمريكيه تقريراً بنته على لقاء تم بين كارل دوكيت مدير مكتب العلوم والتكنولوجيا في وكاله الإستخبارات المركزيه وإدوارد تيللر الملقب بأبي القنبله الهدرجينيه توصلوا فيه إلى ان إسرائيل قد تمكنت بنجاح بالبدء ببناء اسلحه ذريه وقد جاء هذا الإستنتاج من السيد تيللر نتيجة لمباحثاته مع أصدقائه في مؤسسة الدفاع والعلوم الإسرائيليه. وفي حوالي عام ١٩٧٥ توقعت وكالة الإستخبارات المركزيه الأمريكيه ان عدد الرؤوس النوويه التي تملكها إسرائيل يبلغ حوالي عشرين رأساً نووياً وانها تملك قنبلتين ذريتين في عام ١٩٦٧, وقد جهزت إسرائيل ١٣ قنبله ذريه بقوة عشرين كيلو طن في حرب ١٩٧٣ خشية خسارتها للحرب ولقد ظلت تقديرات الإستخبارات الأمريكيه تدور حول هذا الأرقام حتى عام ١٩٨٠.

من هذه التقارير الأمريكيه يتبين لنا ان إسرائيل تسعى بالنهايه لمسألة حسم وجودها المصطنع على شن حرب نوويه على كل العرب اذا احتاجت لها.

اعزائي القراء..

العرب يخوضون اليوم كما بالامس حروب داحس والغبراء فجيوشهم تقاتل مع الحليف الامريكي في العراق وللعلم فإن حرب الاشقاء مع الاصدقاء على العراق كانت بالدرجه الاولى لتصفيه 5000 عالم عراقي بالفيزياء النوويه والكيمياء والرياضيات والعلوم الطبيه.. هؤلاء العلماء كانوا قادرين على صنع المعجزات فتنبهت لهم اسرائيل وامريكا فعاجلتهم بحربها واخذت معها الى الحرب جميع العرب بما فيهم أبطال الصمود وكل تآمر سياسي له ثمنه.

هؤلاء العرب ان لم يجدوا حروبا يشاركون الاصدقاء بها ، فإنهم يشنون حروبهم ضد شعوبهم. ورحم الله الشاعر حين قال:

وأحيانا على بكر اخانا....إن لم نجد إلا أخينا.

والى اللقاء مع الحلقه الثالثه والاخيره من قصة مفاعل ديمونا الإسرائيلي من الألف للياء