واقع الأمة العربية

هيثم البوسعيدي

سلطنة عمان - مسقط

[email protected]

 تعيش الامة العربية أسوأ الاوضاع وأقسى الظروف في وقتنا الراهن وهذا الواقع المرير يمتد ليشمل كافة الاصعدة السياسية والاقتصادية والمجتمعية والتعليمية والاعلامية ، وليس في الامر مبالغة عند مقارنة الوضع العربي بالاوضاع العربية في القرون الماضية حيث ان استقراء صفحات الماضي السحيق  يفرز لنا امثلة على سقوط دول ضعيفة يتبعها نهوض دول قوية ، على سبيل المثال عندما كانت الخلافة العباسية في سنوات الاحتضار كانت الحضارة الاندلسية تشرق على العالم بعلومها وحضارتها بمعنى آخر كلما زالت احدى الدول ظهرت قوة آخرى على الساحة العربية لتسجل الكثير من المنجزات وتبرز كقوة مؤثرة على الساحة الدولية. اما امتنا تعيش منذ فترة طويلة بكل شعوبها واوطانها حالة متساوية من السقوط المهين  والفشل المتكرر فمن مجازر ووحشية الاستعمار الى  نيران المحارق الاسرائيلية والامريكية والبريطانية الى حالة الانفصام الحقيقي بين ما يفعله الحكام وبين التوجهات الانسانية للشعوب العربية.

صور عديدة من واقعنا العربي هي نتائج طبيعية  لحالة السبات العميق الذي تمر به الامة  وليس ابلغ دليل على الوهن العربي الكبير من عجز الحكومات والشعوب العربية الرد على الاساءات المتكررة لنبي الاسلام والعروبة ، سبق ذلك صورآخرى اكثرا ايلاما واغراقا في المهانة متمثلة في ركود العقول العربية وتغلغل العقم في المجتمعات العربية الذي عجز بسببه الفرد العربي عن الابداع والابتكار ؛ حتى الثقافة اصيبت بركود وجمود وتمزقت الامة الى اشلاء واصطنعت الحدود بين البلدان  وبرزت الحروب الطائفية والقومية والدينية والقبلية ، وظهر التشتت  في الهوية والانتماء ، وتبعثرت السلطة في ايدي افراد وانتهكت الحرمات والمقدسات في فلسطين والعراق ولبنان.

واكبر الادلة على ذلك ما حمله  تقرير التنمية العربية لعام2003م الذي بين أرقاما مؤسفة ومؤلمة عن الوضع العربي، وعن تعثر التنمية التعليمية العربية، وعن سوء بالغ في الإدارة والتخطيط ومنهجية الحكم والتشريع، فضلا عن فقدان المؤسسات التعليمية والخدمية في الوطن العربي الرؤى والأهداف الطموحة وطرق تحقيقها أو عدم السعي نحوها بجد ومثابرة.

ترافق هذه الصور المحزنة مجموعة من الاسئلة المثيرة للجدل فلماذا هذا التخلف الذي وضع أكثر من نصف العرب تحت خط الفقر؟ ولماذا أكثر من ثلث الدول العربية تعاني الندرة الشديدة في المياه؟  ولماذا مجموع الناتج القومي لكل الدول العربية أقل من دولة واحدة هي اسبانيا؟ لماذا يحظر ثلث الدول العربية قيام الأحزاب السياسية ؟ ولماذا تفرض الدول العربية قيود مشددة على حرية الرأي والتعبير والصحافة  ؟  لماذا جميع الدول العربية مرصودة في السجل السيئ للتقارير الدولية والعربية عن حقوق الإنسان وممارسة الحريات العامة ؟  ولماذا هذا التردي الواضح في الخدمات الصحية والتعليمة المقدمة للمواطن العربي ؟ لماذا اصبحت البطالة وانعدام الأمل ظاهرة تعكس حالة يأس بين قطاعات من الاجيال العربية ؟ لماذا هذا الارتفاع المذهل لمعدلات المحسوبية والرشوة والفساد مع تراجع كبير على الصعيدين الفردي والمجتمعي عن القيم والمبادئ الاجتماعية والدينية ؟

لماذا هذا الفشل العربي الذريع في مختلف الجوانب السابقة ؟ لو لجأنا لاسلوب المقارنة لتفسير اسباب الفشل فعند مقارنة وضع المنطقة العربية ووضع دول جنوب شرقي آسيا نجد الفرق حيث ان دول المنطقتين كانتا على نفس الخط من الناحية الاقتصادية والعلمية والتنموية ، وخلال العقود الاربعة الماضية قفزت دول جنوب شرقي آسيا قفزات هائلة اقتصاديا وتكنولوجيا لتصبح دولا صناعية حقيقية وينظر لها باحترام عالمي. اما المنطقة العربية فكانت في مسار عكسي خلال هذه العقود بدون ان تنفعها الثروة النفطية، ولا يمكن هنا إنكار ان هناك نموا تحقق، لكنه ليس بالمعدل الذي يحقق قفزات حضارية حقيقية.

على الرغم مما تم ذكره سابقا فإن الاسئلة الاهم والاخطرهي التي تشمل جوانب السيادة والامن القومي لكل دولة عربية  .. لماذا القرار الاجنبي له دور مؤثر في تقرير ازماتنا وهل تدار جميع الازمات العربية في مراكز القوى الكبرى وهل هي المحرك لمصائر دول وشعوب عربية ... هذا الامر يقودنا الى سؤال اشد خطورة هل فقدنا حق السيادة والاستقلال؟ هل تخلينا عن عوامل القوة الذاتية والوطنية وهل ضاعت قواعد السيادة الوطنية وهل الاستعمار القديم سيعود بحلة جديدة وبخطط اكثر خبثا وتدميرا ؟.

بكل صراحة وشفافية المشهد  في المنطقة العربية لا يسر، ولا يبشر بخير والصور قاتمة تدفع نحو مزيد من الاحباط فالحقيقة تؤكد ان السقوط في براثن الاحباط والفقر والجهل والقهر  والاستبداد والتخلف والاستسلام هي حالة عامة تئن من وطئتها الشعوب العربية  ، اضف الى ذلك الهجمات الخارجية الشرسة التي تجعل الوضع العربي الراهن اكثر هشاشة وضعفا وقابيلة للاختراق والانصياع نحو رغبات ومطامع القوى الكبرى.... مما يجعل بريق الامل نحو الخروج من هذا النفق المظلم يكاد يكون ضعيف وصعب في نفس الوقت في ظل الاوضاع الحالية .