سفارة الأقلام بين الإخوة الكرام
جمال المعاند -إسبانيا
من أهم أهداف الأدب الإسلامي المساهمة الفاعلة لبناء الشخصية الإسلامية المتكاملة، فهو يضفي على المعلومة الشرعية، ألواناً زاهية من الجمال لتكون أوقع في النفس، ومابرح كبار العلماء والدعاة المعاصرين يشدّدون ويشجعون على ذلك .
وثمة مجالات بلغ الأدب الإسلامي فيها الريادة ، واستطاع فرض نفسه بديلاً أصيلاً لكثير من الغث الذي سانده ودعمه المتربصون بالأمة، وليس ثمة حاجة للبرهنة وسوق الأمثلة، فالأدب الإسلامي قويُّ المنبع تمده شريعة سمحاء، معالمها جُدُدٌ يزينها جمال العتق والقدم، وفرسانه رَوّضَ ألسنتَهم الذكرُ الحكيم، قمةُ الإعجاز اللغوي، وحفظُ كلامٍِ من وهبه الله سبحانه جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم. أما مطالعاتهم ففي أسفار من وضعوا علوم اللغة ، أو من عاصروا أصحاب القرائح ممن شهدت لهم الأمة بالنبوغ .
وعند استعراض فنون الإبداع الأدبي الإسلامي المعاصر، أول ما يتداعى للذاكرة الشعر والقصة والخاطرة والمقالات بأنواعها، بينما نجد المسرح والرسائل والسير الذاتية، تشكو القلة، مع الاعتراف بوجود إنتاج إسلامي متميز، وفي هذه الإلمامة سأقف عند الرسائل .
فقلما نُشرتْ رسائل الدعـاة، وما ينشر في الغالب، هو أقرب إلى المقال الوعظي، أو الرد لتصحيح فكرة، أما الرسائل الإخوانية فقد اقتصرت في وقتنا الحاضر على المناسبات– هذا إذا لم تستخدم وسيلة أخرى- مع أن رسائل الدعاة البينية تَنِمُّ عن خبرة في فقه الواقع .
ومن خلال محاورات بعض الدعاة، تعلل قسم منهم بتفضيل الابتعاد عن الذاتية، وأنا لا أسوغُ كل هذا الخوف من كل ما هو ذاتي، كأن مقتضى الابتعاد عن الرياء النظر بعين الريبة لضميريْ الرفع أنا وتاء الفاعل المتحركة، وأن حياة الداعية يجب أن تكون أفعالها مبنية للمجهول.
وكلنا يحفظ قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب " وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم :" أنا سيد ولد آدم ..." . أما تاء الفاعل المتحركة فيطول ذكر شواهدها في الحديث النبوي الشريف .
هذا الفهم أضعَفَ مفهوم القدوة المعاصرة، وبات على النشء اجترار التاريخ، فوقع الكثيرون في مغالطات ناتجة عن تَعسر الفهم أو صعوبة محاكاة الأنموذج .
وحياة الداعية مشابهة في عديد من جوانبها لحياة الناس، فالداعية يحـب ويكره، ويرضى ويغضب، ويقف أمام معضلات، كمـا أن الالتزام لا يعني العصمة، كل ذلك خبرة تربوية، يجب أن توظف لصالح الأجيال الناشئة .
ورابطة أدباء الشام بما فيها من أدباء تربعوا على كرسي الأستاذية جديرة بطرح أدب الرسائل
فعيون أستاذنا الكبير أستاذ العربية عبد الله الطنطاوي وهيئة تحريره الموقرة يجمعون بين موهبة وخبرة وممارسة دعوية أنشأت أجيالاً.
وأنا أستأذنهم في إنشاء رسائل بينية، هي من بريدي الإلكتروني أَعدتُ صياغة أفكارها بأسلوبي،
وصلتني من إخوة سأذكرهم بالاسم، وسأرد على كل أخ بما طلب أو أوصى .
متابعة تربوية
كرم المَحْتِدِ لا تزيده المعاملة والاحتكاك إلا ألقاً، ولا تنوُّعُ ظروف المحن وقسوتها إلا تأكيداً على نقاء المعدن. وهذا ما دعا الفاروق رضي الله عنه أن يوصي عامله على العراق أبا موسى الأشعري باختيار أعوانه من أبناء البيوتات .
والأخ سليمان العقيدي أبو جعفر، ينتمي إلى أكبر عشائر– قبائل – منطقتنا في سورية عشيرة العقيدات، التي قدمت للدعوة في سورية ثلة من الإخوة الأفاضل، لم يدوَّن في سجلهم الدعوي ما يشين أحداً منهم، بينما رأينا إخوة - سامحهم الله -تسبَّب قصورهم الذاتي لبعض من حولهم بشيء من الضيق أو الإحراج .
والأخ أبو جعفر يحمل إجازة في الحقوق، أخ خلوق، وكريم، ومحب، وناصح لإخوانه، يعمل في القطاع التربوي مُدَةً ناهزت لثلاثة عقود، يغرس في النشء أشتال القيم والمبادئ، تكاد تصلني رسائله يومياً، بين مقال تربوي وفلاش ومعلومات ثقافية، اقْتطعتُ منها المجاملات وبعضاً من الأخبار الخاصة .
وهذه مقتطفات من رسائله إليّ:
الأخ جمال المعاند يحفظه الله ويرعاه
أخي الكريم: فَقْدُنا لك أرجو أن لا يعدو نقلة، مع أنه بات حقيقة مكانية، فأنت الآن في ساحة دعوية لم تنشأ بين أدراجها، ولم تألف تفيؤَ خمائلها الجديدة .
أوصيك وصية الأخ المحب: أن تكون سفيراً لدعوتك العريقة، دعوتنا أخي الحبيب، ولا أخالك تنسى ما خَرّجَتْ للأمة من العلماء والدعاة أئمة الهدى .
ولعلمي بنشأتك الدعوية لأظنك التحقت بركب الدعاة عندك وانضممت لركب من نذروا
أنفسهم لهداية الناس، وإن كان ثمة وصية فلا تنسَ اختلاف المشارب، وليكن تركيزك على الأصول، ولا تدع الاختلاف يحل محل الخلاف، وقدم مصلحة الإسلام على أي شيء .
وسأعمل جهدي لتزويدك بما يستجد من بحوث تربوية وتعميمات، واعتاد الناس الوصية
بالتقوى عامة، وأنا أوصيك بطول اللبث في المسجد، والمحافظة على الأوراد، وإن عنّ لك سؤال فلا تتردد بإرساله إليّ فكما تعلم ألتقي شبه يومياً بثلة من العلماء .
أيْ أُخيّ:
الساحة الغربية بما تتمع به من فضاءات الحرية، لهي مضمار سباق لكم أنتم الدعاة، تتمثل برأيي في منحيين اثنين: أولهما: المحافظة على أنفسكم، والثانية: دعوة من تخالطون، والأمران يحتاجان لمزيد من الإعداد والتركيز، فلا مجال للارتجال أو الهواية . ونقطة أظنك تفطن لها، إن أي خطأ ترتكبونه يحسب على الإسلام وليس على شخص، فحذار حذار .
أنا في لهفة لمعرفة أخبار استقرارك ومطالعاتك ونشاطاتك وقراءتك للواقع الدعــوي عندك، وقبل أن أبعد يدي عن لوحة المفاتيح – الكيبورد – أضغط على أزرار حروف لأكتب سؤالاً أرجو أن تلحظ فيه إشارة الاستفهام وإشارات التعجب : متى تُكمل نصف دينك ؟!!!!!!!!!!!!! .
أخوك المحب أبو جعفر
أخي أبا جعفر حفظه الله ورعاه
.....................
- أكتب لك كلمات لا تقرأ فيها لاغية، أمّا وصاياك فكلما سرحت فيها طرفي أنسى بها خاطري وتلغي مسافات البين والبعد .
وسأبدأ من آخر ما كتبت، فأخباري يلخصها قول شاعر اليمن البردوني بقوله :
وأُعارِكُ الدنيا وأهوى صفْوَها = لكنْ كما يهوى الكلامَ الأبكمُ
ومطالعاتي هي اختلاسات من غفلة المشـاغل فبعد أن كانت ساعات يومـياً هي الآن دقائق أسبوعيا، هذا إذا استثنيت النت .
وبين الحلم الدعوي: واقعه هنا تشابك لدرجة التحير، وأذكر بداية صدراً من القول ينطبق علينا جميعاً نحن المقيمين في الغرب، فالخلاف بين الدعاة تظهر ملامحه بقسوة هنا لظهور معظم الأنشطة وحرية التعبير المكفولة ، ويتداخل ما تطلق عليه أنت الخلاف مع الاختلاف لتباين المشارب وتضارب المصالح، والتسديد والمقاربات تخطو بخطىً عرجاء، نتيجة لعوز بيئتنا الأوربية لنور العلماء فنتخبط بعض الأحيان خبط عشواء ، كما أن مسألة التفرغ للعمل الدعوي تقارب العدم ومن قُدّر لهم التفرغ فاتَهُمْ الإعدادُ الذاتي وإناؤُهم ينضح بالنزر اليسير الذي لا يبل الصدى، وباقي الدعاة استنزف وقتهم الغرب بعجلة اللهاث خلف لقمة العيش، فلا تطوير للإمكانات إلا دورات ليوم أو يومين سنوياً، لا تسمن ولا تحافظ على الموجود، ناهيك عن العمل الدعوي المدروس، فما هو متاح شذرات، وخواطر، وأحاديث مقتضبة، تخلو من المتابعة .
وكما تعلم طفْتُ في أكثر من بلد أوربي، ويكاد ما أوجزته لك آنفاً ينطبق عليها جميعاً بلا اسـتثناء : الهواية سمتنا جميعاً والحاجة تدفع أحياناً أخاً لارتقاء المنبر، أو الجلوس على كرسي الوعظ .
ورغبت إلي أن أقرأ لك الخارطة الدعوية، وأجد صعوبة في ذلك لأنها كما أخبرتك من صنع هواة فمسألة تحديد اتجاه الوضع الصحيح أمر غاية في الصعوبة، وربما كلماتي التالية تفسر ذلك
ففي إسبانيا سواد الدعاة من دول المغرب العربي، يكاد التماثل بيننا أن ينعدم، فهُم بدايةَ، مالكيو المذهب، وهو من غير ريب مذهب من مذاهب أهل السنة والجماعة، ومما لاحظته ثمة فروع فيه قد لا تجدها في مدونات الفقه على المذاهب الأخرى، من مثل: أكل الحلزون أو تلقي فتاوى مغايرة تماماً مثل : ولغ الكلب – أعزك الله – فيأخذون بحديث أن لعاب كل حي طاهر، ونقطة خلاف لا حل لها : زواج المسلمة من كتابي....، أما المدارس الدعوية عندهم فتميل للتقليد وثقتهم بمشايخهم توصلهم لدرجة العصمة الفعلية لا القولية، فلا يجرؤ داعية منهم على منطقة النقد، ولقد تعلمت منهم هذا الانضباط الذي هو أنفع وأدفع لعجلة الدعوة ، وإن كان يتضمن بعض أخطاء.
ولغة الاستعمار الفرنسي تحولت في ألسنتهم إلى الدارجة ، وقد أثرت في التصورات وما يبنى عليها من سلوك، فمقاييس العيب مثلاً التي أعرفها أنا وأنت وكل مسلم عربي من الشرق، لا يمكن تطبيقها، وذلك يشكلُ معضلة في التعامل، وربما تقول: عودوا إلى الأصل الشرعي فجوابي لا يفوتك أن الأصوليين اعتبروا العادة مُحَكّمة؛ من هنا بتُّ على قناعة: أن الخلاف لا مفر منه، علينا الاتفاق على المصطلح أولاً .
وفي منحى الأنشطة فالأمر متاح لأي نشاط مثل: حجز قاعة، أو مخيم، وعمل دورة، بيد أن المشكلة في نمطية الأنشطة وفقرها، هذا إذا لم يمن المولى بعالم فاضل يضفي بعداً علمياً .
وبعد مزاولة النشاط الدعوي في بلداننا الإسلامية، وهنا في فضاءات الحرية الغربية، لا يمكنني الجزم بتفضيل ساحة على أخرى .
الداعي لك بالتوفيق والسداد