كيف نواجه التمرد الطائفي ؟

(1 -2)

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

أعتقد أن الفرصة ما زالت سانحة لمواجهة التمرد الطائفى ومكافحته ، وحماية الوحدة الوطنية من التفتت والتمزق ، وحماية القاعدة العريضة من النصارى أنفسهم من إجرام الأقلية المتمردة الخائنة ، بعد أن وصل الإجرام إلى لغة الدم والعنف المنظم كما جرى مؤخرا فى الأميرية وسبقت الإشارة إليه .

ومع ذلك فإن السلطة بقيادة النخب المخلصة من الاتجاهات كافة ، قادرة على إنهاء التمرد ، أو على الأقل تقزيمه ، ولجمه ووضعه فى ركن ضيق فيكون محاصراً وعاجزاً عن إلحاق الأذى بالأمة والطائفة جميعاً .

ومن أجل ذلك ، لابد من استحضار أهم معالم ظاهرة التمرد الطائفي في مصر بإيجاز وفهم أبعادها ، والوعى بتجلياتها وممارساتها ، ويمكن أن نجمل واقع التمرد فى النقاط التالية :

أولاً : رفض المواطنة ضمن السياق الاجتماعى العام والإصرار على التميز العنصري والعزلة داخل الكنيسة ( الجيتو ) ، والانطلاق منها لتشكيل رؤية اجتماعية مغايرة ، تجعل المواطن الطائفى فوق مواطن الأغلبية المسلمة ، وعدم خضوعه للقانون العام ، والدولة تساعد على هذا التوجه دون أن تدرى ، بسبب حرصها على عدم التصدّى للمواطن الطائفى انطلاقاً من منطق " عدم وجع الدماغ " ، وترك المجال لقيادة الكنيسة كى تتخذ ما تراه كفيلاً بتحقيق شئون ( رعاياها ! ) . وصار المواطن الطائفى يرى فى الكنيسة حكومته الحقيقية ، والراعية الفعلية لأحواله ومشكلاته ، وأضحت الكنيسة هى الوطن الذى يفتح أبوابه على مدار الساعة ليلاً ونهاراً ، وتمارس فيه الطائفة عبادتها ، وتحقق شئونها الاجتماعية : زواج ، حفلات ، ندوات ، محاضرات ، لقاءات ، دروس خصوصية ، نعليم اللغة الهيروغليفية ( المصرية القديمة ) ، وتتلقى ثقافتها القومية الجديدة ولغتها الوطنية [ الشعب القبطى المصطلح الذى صار أكثر شيوعاً للتعبير عن الهوية الطائفية ، واللغة الهيروغليفية هى اللغة الأصلية بدلاً من لغة العرب الغزاة ، والميراث الفرعونى هو الوجه الحقيقى لمصر ، وشعبها القبطى ، ثم الإصرار على أنهم مسيحيون وليسوا نصارى ! ] .

وبالإضافة إلى ذلك ، فهناك إلحاح على نقطة ضخامة عدد السكان النصارى ، بأنهم يصلون إلى 18 مليون نصراني ؛ وإن كان الأنبا شنودة تحدث مساء السبت 25/10/2008 على قناة طائفية ، فذكر أن العدد 12 مليونا ، والحقيقة غير ذلك كما تقول إحصائيات الأمم المتحدة وإحصاءات النصارى فى العالم العربى ، والغريب أن السلطة تخفى العدد الحقيقى دون مسوغ مفهوم .

ويلاحظ أن التمرد الطائفي يسعي وفق مخطط بدأ تقديمه عمليا في محاضرة لقيادة التمرد بالكنيسة المرقسية الكبري بالإسكندرية في 18/7/1977 م ؛ لتغيير الطبيعة الديمغرافية ( السكانية ) لمصر بزيادة المواليد النصارى ، حتى يتساوى النصارى بالمسلمين في مدة أقصاها خمسة عشر عاما ( وهو ما لم يتحقق بعد أكثر من ثلاثين عاما ) ، مع تفصيلات أخرى حول مقاطعة المسلمين اقتصاديا واجتماعيا ، والتهيئة لكيان انعزالي طائفي على غرار الكيان الصهيوني ، وقد نشر الشيخ الغزالي – رحمه الله -  نص المحاضرة في كتابه " قذائف الحق " .

لقد دللت السلطة التمرد وقادته ، وأعطتهم أكثر مما يريدون وسمحت لهم ببناء كنائس فوق الحاجة ، وقد اعترف الأنبا شنودة لجريدة " الأهرام الجديد " الكندية التى يملكها بعض نصارى المهجر ؛ بأن الرئيس مبارك من أفضل الرؤساء الثلاثة الذين تولوا حكم مصر فى معاملته مع الكنيسة وطلبات الكنيسة ، ويسهل بناء الكنائس فى مواجهة تيارات تعتدى وتقاوم إنشاءها . ( البديل 10/10/2008 ) .

ثانياً : التصدّى للإسلام والتشهير بالمسلمين ، وذلك من خلال فرض الإرادة الطائفية على الأغلبية ، بحيث لا يمكن أن يعبّر المسلمون عن عقيدتهم وشريعتهم بالصورة الطبيعية ، وإرهاب السلطة بالصراخ فى المحافل الدولية من خلال خونة المهجرومواقعهم الألكترونية ، وقنواتهم الفضائية ، وتظاهراتهم أمام السفارات المصرية ، وعند زيارات الرئيس المصري للعواصم الأوربية وأميركا ؛ بأن الحكومة المصرية تتبنى الأصولية التى تميز بين مواطنيها على أسس دينية ، ويجد هؤلاء الخونة دعماً مالياً ومعنوياً من الكونجرس فى الولايات المتحدة ، بإصدار بيانات لإدانة الحكومة المصرية ، وتهديدها بقطع المعونات الأمريكية .

وقد نجح المتمردون بمساعدات خارجية وداخلية ، فى إرغام السلطة على محاصرة الإسلام فى التعديلات الدستورية التى جرت مؤخراً للدستور المصرى تحت مسمى " المواطنة " وذلك بمنع المسلمين من التعبير عن أنفسهم ، وتطبيق شريعتهم فى الحياة كما يدعوهم القرآن الكريم ، بل وصلت المهانة إلى المطالبة بحذف كل ما يتعلق بالنصارى فى القرآن الكريم والسنة النبوية من مناهج التعليم وأجهزة الإعلام والثقافة العامة ، ورفع سلاح أو تهمة " ازدراء الأديان " و " تكفير الأقباط " فى وجه من يتناول العقيدة النصرانية بمفهوم إسلامى ، وملاحقة الدعاة وعلماء الدين وأساتذة الجامعات ، بالتشهير ، ورفع القضايا فى المحاكم ، وتجييش الخونة فى الخارج لشنّ الحملات المعادية للسلطة ، التى تقوم بدورها ، بقمع الدعاة والعلماء والباحثين ، بل وصل الأمر إلى سب الرسول – صلى الله عليه وسلم – من خلآل منشورات بذيئة لقيت ترحيبا ضمنيا من قيادة التمرد في الكنيسة المصرية !

ومن العجيب أن السلطة تمنع تدريس الدين الإسلامى عملياً ، استجابة للإرهاب الطائفى ، فالتربية الدينية مقررة فى المدارس ، ويمتحن فيها الطلاب ، ولكنها لا تضاف للمجموع ، وهو ما أدى إلى إهمالها من جانب المدرسين والطلاب ، فلم يعد لها وجود حقيقى ، وكان المردود هو ما نراه من انحرافات اجتماعية سببها فقدان الثقافة الدينية الإسلامية ، صانعة الضمير ، والدافعة إلى الحق والخير والجمال .

ثالثاً : البدء بالعدوان ضد الأغلبية والتظاهر ضد السلطة ، وتشويه صورة الإسلام فى تحدٍ صارخ وفاجر ، وكانت حوادث العنف والتظاهر وإطلاق النار والقتال فى الخانكة والزاوية الحمراء والكشح والزيتون وأبوفانا وغيرها ، اختباراً عملياً للقوة ، سواء من خلال معرفة ردّ الفعل لدى المسلمين أوعند السلطة .

وللأسف ، فقد كانت النتائج لصالح المتمردين ، فكلما قاموا بعدوان أو تظاهر ضغطت السلطة بقوة على الأغلبية وقمعتهم إرضاء للمتمردين ، ولزعيمهم الذى يعلن عادة " اعتكافه " فى أحد الأديرة ، فتنقل الأنباء خبر الاعتكاف ، ومن أجل أن تتفادى الدولة الحرج أمام الإعلام العالمى والدول الصليبية الاستعمارية ، فإنها تخضع للتمرد ، وتلبى مطالبه غير المشروعة وغير القانونية ، ومن بينها عدم تطبيق الشريعة الإسلامية ، فى الوقت الذى تقوم فيه الكنيسة برفض أحكام القضاء المصرى لأنها – فى زعمها – تتناقض مع التعاليم النصرانية !

رابعاً : التحرك انطلاقاً من كون الكنيسة دولة موازية ، أو دولة فوق الدولة ، وهى دولة لها وزراء ( أساقفة ) مناظرون للوزراء فى الحكومة المصرية ، وفى مجال الدفاع والأمن ، فإن الرهبان المحاربين أثبتوا وجودهم فى القتال ضد عرب قصر هور فى " ابو فانا " ، وتمخض عن قتالهم " قتيل مسلم " اتهموه بالجنون . وقد عبرت الكنيسة عن اكتفائها الذاتى من خلال فرق الكشافة المدربة التى قامت بحماية الأنبا لدى عودته من أمريكا يوم (20/10/2008 ) ، مدعومة بالآف النصارى الذين تظاهروا فى استعراض للقوة بدءًا من مطار القاهرة حتى الكاتدرائية المرقصية فى العباسية ، وانتقلت المظاهرة إلى الإسكندرية ، وتحدثت الصحف الموالية للتمرد الطائفى بابتهاج كبير عن هذه المظاهرات التى عمت " الشعب القبطى ! " فرحاً بعودة زعيمهم وسيدهم وأبيهم !

ولم يعد خافياً أن الأنبا شنودة يتعامل الآن بوصفه رئيس دولة . لقد استقبله أحد وزراء الحكومة المصرية لدى عودته من أمريكا فى المطار ، وزاره فى كاتدرائيته مسئولون ووزراء كبار للتهنئة بهذه العودة ( وهو ما لا يحدث مع شيخ الأزهر أو حتى رؤوساء الوزارات فى الدول الأجنبية ) .. وصار طبيعياً أن يبدى البابا آراءه فى كل ما يخص النصارى على اختلاف مذاهبهم ، فهو مثلاً يتدخل فى أحداث أبو فانا ويرفض الصلح حتى تخضع الدولة وتسلم الرهبان أرضها المستباحة ، ويصدر تعليماته بعدم التفريط فى كنيسة رشيد المملوكة لمسلمين .

خامساً : العمل بكل إصرار ودأب من خلال أجهزة الإعلام والحركة الثقافية والفنية لدعم التمرد الطائفى ، واستخدام العلمانيين واليساريين والمرتزقة ، للترويج لمقولات المتمردين عن الاضطهاد والتمييز والحرمان من الوظائف والمناصب ؛ وفى الوقت نفسه إغراق بعض الوسائط الإعلامية بالمال الطائفى والدعم المعنوى لتبنى وجهة نظر دولة الكنيسة وتبييض سمعتها ، وفى الوقت ذاته التشهير بالمسلمين وتشويه الإسلام وعلمائه ، والحديث الدائم الذى لا ينقطع عن الإرهابيين ( المسلمين بالطبع ) والتطرف والأصولية والظلامية والتخلف والرجعية والسلفية والوهابية ، وانتقاد المظاهر الإسلامية كافة بدءًا من الحجاب حتى القنوات الفضائية الإسلامية ..