نحنُ، والزمانُ والمكانُ

مصطفى حمزة

[email protected]

  هذا الصباح ولا أجمل : مطر لطيف ، وحرارة معتدلة ، ونسيم يحمل رائحة الصحراء والبحر معاً ، بمزيج عطري لا يفوح إلا من عاشقيْن في لقاء غراميّ !وكأنّ الطبيعة اليوم أمٌ رؤومٌ مواسية للنفوس التي أنهكتها الغربة والعملُ وأخبارُ البلد والولد !

وصلتُ المدرسة فإذا هي أحلى حسناء ! استقبلتني بالهدوء الرائع .لا طلاب؛ فقد انتهت امتحاناتهم وبدأت إجازتهم  لا عمل؛ فإننا رفعنا درجاتنا ووثائقنا للإدارة. تناولتُ كرسياً وجلستُ أتأمل المطر والخيمتين الكبيرتين وسط الساحة والصفوفَ الخاوية المغلقة ، وتوقفت عيناي أمام قاعتي التي أدرس فيها طلابي – اسـمها ( قاعة الفراهيدي ) - أحقاً هذه هي ؟ أهذه الجميلة الصامتة هي قاعتي ؟! أهنا كان يرتفع ضغط دمي ، وأشم رائحة احتراق أعصابي ؟ أهنا كانت تثب نسبة السكر في الدم وكأنها بطل في الوثب العالي ؟! أهنا كانت الساعة اللئيمة تقف وتحرن كحمار في مواجهة الضبع ؟! أهنا كنت أهوي في الإحباط سبعين سنة ضوئية حين أتكلم في العربيّة وأدبها وقواعدها ؛ فتصل إلى أفهام بعضِهم بلغة أخرى، سنسكريتيّة ربما أو مالِباريّة !

سبحان الله !

إننا نظلم المكان ونظلم الزمان ، حين نُعَلّقُ عليهما أحزاننا وأتراحنا وتعبنا ، إنما هي أنفسنا التي ينبعث منها الفَرَحُ والسعادةُ والراحة .

ونظلمهما مرة أخرى حين نعيبهما بالقبح والشؤم ، وما القبح والشؤم إلا منّا نحن ، من أنفسنا ووجداننا ومِمّا نحمله إلى حُضْنَيْ الزمان والمكان فنلقي فيهما من همنا ونكدنا !

وقد صدق الشاعرُ حيثُ قال :

- أيهذا الشاكي وما بك داءٌ * كن جميلاً ترَ الوجـــودَ جميلا

- والذي نفسُه بغير جَمــالٍ *لا يرى في الوجود شيئًا جميلاً