التوجيهي ورمضان

عبير الطنطاوي

شهر رمضان .. شهر السكينة والعبادة .. شهر الاجتهاد في الطاعة .. شهر الصبر والجهاد والثبات .. شهر فضله الله على سائر شهور السنة .. العمل الصالح فيه له أجر مضاعف .. تشعر بروحانيات ونفحات لا تشعر بها في أي شهر من شهور السنة .. سبحان الله حتى إن الله عز وجل يخفف عبء العطش والجوع على عبيده .. فترى الصوم في رمضان له متعة ألذ وأزكى من الصوم في الأيام الأخر .. شهر رمضان شهر الانتصارات والفتوحات الإسلامية .. فقد قامت معركة بدر الأولى في شهر رمضان وانتصر فيها المسلمون انتصاراً عظيماً ، وتم فتح مكة المكرمة في هذا الشهر الفضيل العظيم المبارك ، هذا في العصر النبوي الشريف ، وفي العصر المتقدم قليلاً انتصار طارق بن زياد في الأندلس ، معركة حطين ، فتح عمورية (وامعتصماه) ، ثم عين جالوت (وا إسلاماه) ، وكثير من المعارك التاريخية الرائعة ، حيث يروى عن أحد المجاهدين وكان مصاباً في معركة من معارك شهر الرحمة فقدم إليه مجاهداً مثله يريد أن يسعفه وليس أحب على الجريح من الماء فأراد المنقذ أن يسقيه لكن البطل طلب من المجاهد الثاني أن يضع الماء قربه فإن أذن المغرب دون أن يهلك شربه وأفطر عليه ، وسمعنا من التاريخ الحديث أن مجاهدين كانوا يحاربون في شهر رمضان وقدّر لأحد العلماء زيارة الشباب لشد أزرهم وتشجيعهم فوجدهم صائمين ، فنصحهم بالفطر حتى يقووا على الجهاد على أن يقوموا بالقضاء بعد عودتهم إلى ديارهم ولكنهم اعترضوا وقال واحد منهم :

ـ إن ضمنت لنا العودة يا شيخ نفطر ..

فقال الشيخ :

ـ لا والله لا أضمن لكم العودة ..

هكذا رجال الإسلام وشباب الإسلام .. هكذا ربّانا هذا الدين العظيم .. على تحمل المشاق .. على الصبر والثبات .. ولم يربِّ فينا الضعف والخنوع خاصة أمام الشهوات والملذات ..

ومع الأسف انتشر الحديث هذه الأيام عن امتحانات التوجيهي وأنها ستكون مع أول أيام الشهر الفضيل .. وكثيراً ما نسمع على أجهزة التلفزة والراديو الطلاب والأمهات والآباء يطالبون بتغيير برنامج الامتحان لأن الأبناء لا يحتملون الصوم مع الدراسة ولو أنهم ماكثون في بيت بارد مكيّف .. بل وسمعنا الأهالي والطلاب يتصلون بدائرة الإفتاء وبرامج الفتاوى يطالبون بفتوى تبيح الفطر للطالب !!!

واعجباً من هؤلاء !! كيف وصل بنا الحال إلى هذا الحد !! لا يحتمل ولدنا الدراسة مع العطش والجوع !! وكأنهم في معركة وسط الصحراء القاحلة أو كأنهم سوف يقطعون الأودية والفيافي صياماً وهم يحملون كتبهم ويدرسون .. مع أن الطلاب هذه الأيام في الغالب في قاعات مرتبة وعازلة للحرارة ووالده أو والدته تأخذه وتجلبه من المدرسة في سيارة مكيفة .. ولو لم تكن مكيفة فما هذه المشقة أمام الجهاد في سبيل الله مع الصيام !!

رحم الله هذه الأمة كيف انحطّ سلوك أبنائها وأصبحت من الضعف والوهن بمكان يندى له الجبين ..

وأنا أهيب بطلابنا أن يأخذوا العبر من التاريخ ويشدوا من أزرهم ويثبتوا لنا أن هذا الجيل هو الجيل الذي سيعيد للأمة أمجادها ، كجيل خالد وأبي عبيدة ، وأبو بصير ، والقعقاع ، وصلاح الدين وطارق بن زياد .. جيل يحارب العدو بسلاحه بالتكنولوجيا والعلم والسلاح والصبر والثبات ..