الحل الإجرامي في سوريا

معاذ عبد الرحمن الدرويش

 

يتغنى كل السياسيين في العالم بالسيمفونية  الأمريكية الخاصة بالوضع في سوريا ، تحت عنوان " لا يوجد إلا الحل السياسي في سوريا ".

لكن ماذا قدمت أمريكا ،أو أي دولة أخرى  أو أي منظمة  من منظمات  العالم أي خطوة عملية  لهذا المشروع  الخيالي ؟.

 من أراد أن يتحدث عن حل سياسي ، عليه أولاً أن يسعى لإيقاف الحرب ، و من ثم يطلب الحل السياسي ، لكن على أرض الواقع  لم نشاهد إلا التصريحات الببغاوية كل يوم على وسائل الإعلام ، و لم نجد هناك أي جدية في تحقيق تلك الكذبة الكبرى .

و الحقيقة و التي ربما لا يدركها كل ببغاوات السياسة العالمية ، أن المشروع السياسي الذي تروج له أمريكا ، هو مشروع إجرامي تدميري  ،  و ربما تقسيمي أيضاً في آخر المطاف ، لأنك عندما تتحدث عن مشروع سياسي و الطائرات تقصف المدنيين يومياً ، ببراميل الموت و التدمير ، و بدون أدنى إدانة  لذلك الإجرام المنقطع النظير ، و في نفس الوقت و من جانب آخر تقول الأسد جزءاً من الحل السياسي ، و هم يتحدثون عن قمة الهرم الإجرامي في سوريا ، و المضحك المبكي أن مشكلة الحل السياسي حسب التناغم الأمريكي الروسي  يكمن في مصير رأس الهرم الإجرامي فقط ، و القضية  ليست في إعدامه أو محاكمته ، و إنما  ما بين أن يبقى أو ينزاح  عن كرسي السلطة في أسوأ الحالات

هذا الأمر ليس إلا عبارة عن رسالة حقيقية  مبطنة  و مفهومة  لكل أدوات الإجرام في النظام الأسدي ، على أنكم أنتم بالحفظ و الصون ، فلا تخافوا  و لا تقلقوا ، و أن ما نريده منكم أن تستمروا في القتل والتدمير ، و نحن من سيحفظكم و يحميكم في كل الأحوال.

فمن أراد أن يتحدث عن الحل السياسي عليه أولاً أن يوقف الحرب ، و من أراد أن يوقف الحرب عليه أن يهدد و يتوعد بكل من يستمر بعمليات القتل و التدمير ، و ليس العكس بأن تعطيه الأمان و الإطمئنان مسبقاً .

و في هذا الإطار أيضاً نستطيع أن نجيب على تساؤل آخر

لماذا لا تزال أمريكا تعتبر أي حظر جوي للطيران خطاً أحمر؟.

لا أعتقد أن أحداً يشك أن من خطط و ساعد نظام الإجرام الأسدي في مسار الأحداث في سوريا هو المخابرات الأمريكية و الإسرائيلية .

فهم من ساهم في تحويل  الثورة من ثورة شعبية سلمية إلى ثورة مسلحة ، و من ثم إلى ثورة إرهابية "حسب ما يصورونه " ، فهم أنفسهم  من أخرج الشعب عن ثورته ، عندما هجروا معظم الشعب السوري ، و هم أنفسهم من جفف كل منابع القوى الثورية الوطنية .

عندما بدأت الثورة السورية ، لم يكن هناك أي كيان عليه أية إشارة إستفهام بالنسبة للعالم أجمع ،كان هناك شعب سلمي ثائر ، و من ثم جيش سوري حر ، وهم من كان  يدعمه كما كانوا يمثلون ، لكن بين ليلة و ضحاها دخلت كل الكيانات المعادية لهم - كما يدعون - إلى سوريا ، فقويت و كبرت تلك  الكيانات المعادية ، و ضعفت الكيانات الصديقة ، و هذا ما لا يمكن أن يقبله عقل طفل .

و النتيجة كانت  ، كالذي تحاصره النار و هو في الطابق السابع ، و لا يوجد مخرجاً أمامه إلا النافذة ، فكان لا بد للسوريين بأن يقذفوا بأنفسهم من النافذة ، و الإلتحاق و لو بالشيطان إذا كان هذا الشيطان يدعي مقاتلة تلك العصابة الأسدية االباغية و التي فاق إجرامها أي تصور بشري .

و لعل التهجير الممنهج  للشعب السوري هو السبب الرئيسي الذي ساهم في تحقيق كل ذلك .

فغياب الحاضنة الشعبية أدى إلى جعل الساحة خالية أمام القاصي و الداني و تربة خصبة لأي فكر سواءَ أكان أصيلاً أو غريباً عن الأرض السورية.

و من أجل تلك النقطة المحورية  أمريكا لا تريد أي وقف لبراميل الموت و لو على نطاق أي منطقة سورية مهما كانت مساحتها صغيرة.

لأن ذلك سيؤدي إلى عودة الشعب المهجر ،و فور عودة الشعب المهجر سيعلو صوت الشعب عالياً ، من جديد .

و عندها ستنكشف كل أكاذيبهم حول الثورة ، و عندها سيتم ضبط كل فصيل يدعي الثورة ، و لا يعمل في صالحها - على الأقل في تلك المنطقة -  و بالتالي سيتم تشكيل نواة ثورية صحيحة تعيد الأمور إلى مسارها الثوري الصحيح.

و عندها ستكون كل الحلول السياسية و العسكرية لا تصب في صالح لا الولايات المتحدة الأمريكية  و لا كل أذنابها في المنطقة .

و عندها ستنكشف كل الأكاذيب التي كذبوها على شعوبهم  و ستبدو الحقيقة واضحة و فاضحة.

لكنهم لن يسمحوا بعودة الشعب إلى بلاده ، إلا بعد الإنتهاء من وضع المخطط النهائي  لمرحلة ما بعد بيت الأسد ،سواء بالتقسيم الجغرافي أو بغيره ، علماً ان تقسيماً فكرياً  خطيراً  حصل داخل الشعب الذي تركوه موزعاً ما بين الموت و التشرد و الجوع و البرد .