أدب الخوارج
الخوارج تاريخ وعقيدة
الحلقة (30)
لقد تميز أدب الخوارج بخلو العاطفة، وتمثل بالقوة والاستماتة بطلب ما يعتقدونه صحيحا، وكان في أدبهم غضب لما يؤمنون به.
وكان الخوارج لا يعرفون الغزل أو الهزل في أدبهم، وخلا شعرهم من الخمر والمجون. وغلبت البداوة على ثقافة الخوارج، والفصاحة والبلاغة، وجمل أدبه عمق التعبير.
لقد تأثر شعراء الخوارج بالقرآن وعم حياتهم كلها، حتى أن معظم التسميات التي أطلقت على الخوارج استمدت من القرآن، فقد كان من أشهر أسمائهم (الشراة) وقد اتخذوه من الآية الكريمة: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله).
وظهر تأثرهم بالقرآن في مواطن كثيرة، في الإخاء والتسامح والمساواة والعدل، وإطاعة أوامر الله، واجتناب نواهيه، وعدم التكالب على الدنيا الفانية، والعمل المتواصل من أجل الدار الآخرة، دار الخلود.
ومن شعرهم في الأخوة والمساواة قول شاعرهم عمران بن حطان:
فنحن بنو الإسلام والله واحد … وأولى عباد الله بالله من شكر
وهذا نهار بن توسعة اليشكري يقول في هذا المعنى:
دعي القوم ينصر مدعيــه … ليلحقه بذي الحسب الصميم
أبي الإسلام لا أب لي سواه … إذا افتخروا بقيس أو تميــم
لقد حارب الخوارج في كثير من المواقع، وانتصروا على الرغم من قلة عددهم في معارك عديدة، منها معركة آسك بقيادة أبي بلال مرداس بن أدية التي انتصروا فيها على جيش قوامه ألفان وهم لا يتجاوزون الأربعين، وهذا الانتصار يوحي لشعرائهم ذكرى انتصار المسلمين في بدر وهم قلة مستضعفة، فيقول شاعرهم عيسى بن عاتك الحطبي:
أألفا مؤمن فيما زعمتـــم … ويهزمهم بآسك أربعونا
كذبتم ليس ذاك كما زعمتم … ولكن الخوارج مؤمنونا
هم الفئة القليلة غير شــك … على الفئة الكثيرة ينصرونا
هذه الصورة التي تبين تأثر الخوارج بالقرآن الكريم، ونراها واضحة إلى حد بعيد في أشعارهم هي صورة إيمان الخوارج التي انتزعوها من وصف الله لعباده المؤمنين وأضفوها عليهم في كل حالاتهم، فنجدها في صلاتهم وقيامهم، في ذكرهم وتسبيحهم في ليلهم ونهاره، وخير ما يدل على ذلك قول الطرماح:
لله در الشراة إنهــــم … إذا الكرى مال بالطلا أرقوا
يرجعون الحنين آونـــة … وإن علا ساعة بهم شهقـوا
خوفا تبيت القلوب واجفة … تكاد عنها الصدور تنفلـق
كما تتكرر هذه الصورة عند الكثير من شعراء الخوارج، فقيس بن الأصم الضبي يرثي الخوارج الذين قتلوا عند الجوسق، فيقول:
إني أدين بما دان الشراة بــه … يوم النخيلة عند الجوسق الخـرب
النافرين على منهاج أولهــم … من الخوارج قبل الشك والريـب
قوما إذا ذكروا بالله أو ذكروا … خروا من الخوف للأذقان والركب
أما أكمل وصف فنجده في قول عمرو ين الحصين يرثي أبا حمة وغيره من الشراة في قصيدة طويلة نختار منها قوله:
إلا تسبيحهم فإنهــم … رجف القلوب بحضرة الذكر
متأوهون كأن جمر غضا… للموت بين ضلوعهم يسري
لقد أهمل الخوارج الدنيا وما فيها من عاجل لا يدوم إلى آجل دائم، فكثيرا ما نجدهم يهاجمون أعداءهم الذين يحاربون من أجل أعراض زائلة، فهذه ليلى بنت طريف الشيباني ترثي أخاها الوليد، فتصفه بالتقوى والصلاح قائلة:
أيا شجر الخابور مالك مورقا … كأنك لم تحزن على ابن طريف
فتى لا يحب الزاد إلا من التقى… ولا المال إلا من قنا وسيـوف
لقد وضع شاعرهم الطرماح الآيات القرآنية أمامه، ثم صاغ معانيها شعرا بديعا فيه من الاغترار بالدنيا في ثوب وعظي جميل وشاه بنصائحه وتنبيهاته فيقول:
عجبا ما عجبت للجامع المــا … ل يباهي به ويرتفده
ويضيع الذي يصيره الــــل… ه إليه فليس يعتقـده
يوم لا ينفع المخول ذا الثـــر… وة خلانه ولا ولـده
يوم يؤتى به وخصماه وسط الـ … جن والإنس رجله ويده
خاضع الطرف ليس ينفعـــه … أمانيه ولا لـــدده
قل لباكي الأموات لا يبك للنـا … س ولايتنع به فنــده
إنما الناس مثل نابتة الـــزرع … متى يأن يأت محتصده
لم يتوقف تأثر شعراء الخوارج بالقرآن عند هذا الحد بل تعداه إلى توجيه الإنسان في حياته، فإن أيامه في هذه الدنيا محدودة، ومصيره سيتحدد عند الحساب، فهذا شاعرهم عمرو بن الحسن الإباضي يصف الخوارج قائلا:
متراحمين ذوو يسارهـم … يتعطفون على ذوي الفقر
وذوو خصاصتهم كأنهم … من صدق عفتهم ذوو وفر
متجملين بطيب خيمسهم… لا يهلعون لنبوة الدهــر