مصر.. هل من حرب ضد ارهاب الفوضى والاهمال؟

رأي القدس

July 24, 2015

ارتفع امس الجمعة عدد ضحايا حادث غرق سفينة الرحلات في نيل القاهرة الى ثلاثة وثلاثين قتيلا، في كارثة نهرية جديدة، الفاعل الاصلي فيها اسمه «ارهاب الفوضى والاهمال».

انه الارهاب الاكثر شراسة ودموية في مصر، ودون منافس، ضحاياه بالآلاف سنويا، وقد ازدهر خلال السنوات القليلة الماضية، وهو الذي يعصف بالبلاد منذ عقود وبشكل شبه يومي، مستفيدا من تجاهل اقرب الى التواطؤ، من النظام المشغول بحربه على «الارهاب السياسي» دون غيره.

واذا عرفنا ان عدد العسكريين المصريين الذين قتلوا في سيناء منذ 2011 وحتى كتابة هذه السطور، مازال اقل من ثلاثمائة، فيما يبلغ عدد ضحايا حوادث الطرق فقط نحو ستة آلاف سنويا، ندرك ان النظام لايمكن ان ينتصر في اي حرب قبل ان يشن حربا حقيقية ضد ارهاب الاهمال والفوضى الذي يذبح الابرياء يوميا. 

ولا يستطيع احد ان يتابع تفاصيل الكارثة الجديدة دون ان يشعر بغضب شديد على «الدولة الغائبة او المغيبة» التي تسمح بابحار سفن دون ترخيص، بقيادة سائقين غير مؤهلين، ثم تعجز عن تقديم اي اغاثة حقيقية للضحايا باستثناء انتظار ان تطفو جثثهم على سطح النهر لانتشالها، ثم المسارعة بالاعلان عن تعويضات حكومية قدرها عشرة آلاف جنيه (نحو 1300 دولار)، وهو ما يشير الى ان «تسعيرة الانسان» في مصر قد ارتفعت مؤخرا، لكن بالنسبة لحكومة ستنفق ثلاثين مليون دولار على حفل افتتاح قناة السويس.. (يا بلاش). 

ولكن ماذا تفعل اموال الارض، بل ماذا تعني الحياة نفسها للمواطن الذي فقد سبعة افراد من عائلته في هذا الحادث، وهو الذي لا يملك حتى مكانا يدفنهم فيه؟ 

اما التعاطي الاعلامي مع الكارثة فيستدعي من الذاكرة اسلوب المخلوع مبارك، عندما قرر حضور مباراة احتفالية في كرة القدم فيما كان الف من مواطنيه يغرقون في حادث عبارة السلام 98 في العام 2006؟

اذ كيف يسمح الاعلام لاهالي الضحايا من الفقراء البائسين في حي الوراق الشعبي في القاهرة بأن يفسدوا اجواء «الزفة» الاعلامية والسياسية التي يجري التحضير لها حتى تصل ذروتها يوم افتتاح التفريعة الجديدة لقناة السويس بعد اسبوعين؟

وكيف يمكن السماح لصراخهم وعويلهم على اطفالهم ان يثير اسئلة من نوع: لماذا لا تهتم الدولة بتنظيم الملاحة في نهر النيل، وهي التي انفقت اكثر من ستين مليار جنيه في حفر التفريعة الجديدة لتسهيل الملاحة في قناة السويس على الشركات الكبرى والحاويات العملاقة؟ هل يجب على هؤلاء البسطاء ان يدفعوا الاجرة بالدولار لتهتم الحكومة بهم؟ و كيف ندعو المصريين في الخارج والعرب والاجانب لتمضية اجازاتهم على ضفاف النيل فيما اصبح ركوب سفينة فيه عملا انتحاريا محتملا؟

كان لا بد من التعتيم الاعلامي على الخبر اذن، وعندما حاول اهالي الضحايا ان يحتجوا على الاهمال في استخراج جثث ذويهم، بالاضافة الى الاهمال الذي قتلهم، بقطع الطريق في كورنيش النيل، كانت بانتظارهم التهمة الجاهزة بمحاولة تسييس القضية(..). وكأن الضحايا توفوا اثر سكتة قلبية وليس بسبب اهمال حكومي.

الواقع ان القضية سياسية لدرجة لا تحتاج معها الى اي «تسييس»، حتى مع تنصل وزارة النقل من مسؤوليتها، وعدم توجه اي مسؤول في الحكومة الى موقع الحادث ولو من باب المساندة االمعنوية التي لن تعيد من راحوا.

ولأن الضحايا ليسوا من جنود الجيش او الشرطة، لم يعبأ احد بالبحث عن المسؤول عن مقتلهم، ناهيك عن شن حملات اعلامية ضده على مدار الساعة، ولم يحصل الاهالي مع تعويض العشرة آلاف جنيه (ان كانوا حصلوا عليه اصلا) الا على كثير من الجحود والتعالي من المسؤولين سواء في وزارة الداخلية او الصحة او غيرها. 

انه الاسلوب نفسه الذي اتبعه نظام مبارك لسنوات طويلة، اذ تعمد عدم اقالة اي مسؤول في اعقاب هكذا كوارث (باستثناء آخر حادث قطار في عهده) حرصا على «هيبة االنظام»، قبل ان يعرف متأخرا ان تراكم الغضب الشعبي لن يبقي له هيبة او نظاما.

وبالنسبة للمواطن البسيط الذي لا يعرف اصلا وزير النقل او حتى رئيس الوزراء (لم يفكر في قطع زيارته لايطاليا لمتابعة هذه الكارثة)، فان المسؤول الوحيد امامه هو رئيس الجمهورية الذي طلب قبل عامين «تفويضا لمحاربة ارهاب محتمل» لكن تفشي العنف مع تفاقم الفوضى والاهمال جعله «ارهابا غير محتمل» حقا. 

رأي القدس

وسوم: العدد 626