محرري وفاء الأحرار ما بين الأمل والألم والانتظار

لا أعلم أني تأثرت بقضية كقضية هؤلاء المحررين من صفقة وفاء الأحرار الذين أعاد الاحتلال اعتقالهم في انقلاب واضح على ما تم التوقيع عليه من اتفاقية قضت بالإفراج عنهم وعودتهم للضفة الغربية مقابل الإفراج عن جندي مأسور لدى المقاومة تمت في 18/10/2011.

منذ اللحظة الأولى لاعتقال هؤلاء الرجال الذين أمضوا سنوات طويلة في سجون الاحتلال أكبرها كانت لعميد الأسرى الفلسطينيين والعرب نائل البرغوثي, وأقلها لأسير أمضى ما يزيد عن العشرة أعوام من حكمه السابق المؤبد (مدى الحياة) , شعرت أن الأمر لن يكون بالهين وتابعت ما صرح به الاحتلال من نيته اعادة الأحكام السابقة لهؤلاء الأسرى .

نفذ الاحتلال ما صرح به من تهديدات ووعيد .وهنا يجب أن أقول لم يكن ال60 أسيرا الذين اعاد الاحتلال اعتقالهم بعد عملية الخليل التيقامت بها المقاومة وأدت لأسر ثلاثة مستوطنيين في مدينة الخليل , هم أول المعتقلين فقد سبق ذلك اعتقال هناء الشلبي ومنى قعدان وكذلك سامر العيساوي وأيمن الشراونة وابو حجله وايمن داود وغيرهم . ومع اللحظات الأولى للاعتقال أعلن الاحتلال أنه سيعيد لهم الأحكام السابقة ولكن اضرابهم الطويل عن الطعام أدى إلى الابعاد للبعض والافراج عن البعض,  بمعنى أدق أن الاحتلال وقبل الحملة الكبيرة كان ينوي أن يعيد الأحكام لمن اعتقله من الصفقة .

لن أتحدث عن المحاكم والمحاكمات وما قمنا به من اجراءات قانونيه والتعامل مع أكبر المحامين في الداخل المحتل فهذا اجراء قانوني شبه روتيني رغم أن الجهد الذي بذل (جبار) بكل ما تعني الكلمة من معنى ، ولكني سأتحدث عن حالات انسانية ومشاعر استمعت لها من العائلات كانت تصيبني بكثير من الأحيان بالاحباط الشديد .

هؤلاء الأسرى بغالبيتهم أشخاص ابتعدوا عن اسرهم عقود وخرجوا لواقع متغير عن الذي تركوه منهم من لم يمسك بيده هاتف نقال , وغيره لم يقد سيارة,  وآخر لا يعرف ما هو الفيس بوك ، خرج هؤلاء بنفس مفتوحة للحياة تواقة للحرية, محبة للمجتمع,  اندمجوا بسرعة كبيرة في المجتمع ، تزوجوا وفتحوا بيوت وأنجبوا فكان (الطفل) الذي بداخل هذا الاسير يلعب مع الطفل الذي انجب بطريقة تشير لمدى انسانية وعظم هؤلاء الرجال .

كانت الابتسامة التي فارقتهم عقود لا تختفي عن وجوههم تارة بحفاوة تقديرهم من المجتمع وتارة أخرى لما حباهم الله به من نعم بعد سجن طويل, فتزوجوا وفتحوا بيوتهم التي كانت مغلقة وفعلوا أمور كانت تبدو لهم كأنها شبه مستحيلة ولكنه فضل الله ونعمه .

دفع ويدفع هؤلاء الذي اعاد الاحتلال اعتقالهم واعاد لهم جميعا الأحكام السابقة ثمنا باهظا اذ يستخدمهم المحتل كرهينة سياسية, وطريقة يبتز بها المقاومة, ولكنه قدرهم وقدر كل حر يعيش على هذه الأرض .

قال لي بعضهم يوما ان هذا الاعتقال الثاني أصعب ألف مرة من الاعتقال الأول! فبعد أن تذوقنا الحرية عدنا للسجن, وبعد ان كونّا بيوتا وأسرة,عدنا لحياة السجن ، صعب للغاية الانتقال من حال لحال ، صحيح أن الايمان بقدر الله موجود, ولكنها النفوس التي تتوق للاستقرار والراحة التي يحاول دوما الاحتلال حرمان الأسرى منها  .

الامل بفرج قريب لا يفارق الأسرى وعائلاتهم علما أن لوثة الشائعات لا تلبث بين الفينة والأخرى بتحديد موعد للافراج عنهم تؤلمهم وتؤلم عائلاتهم .

كل ما اعرفه ان وعدا اطلقته المقاومة أن لا حديث عن صفقات إلا بالافراج عنهم كمقدمة للافراج عن هؤلاء (الرهائن),ويبقى الامل بعد الله على هذه الوعود معقود. ولكن الوقت والزمان لا يستطيع تحديده انسان كائنا من كان وأن معرفتنا بعدونا تفرض علينا التفاؤل الحذر دوما .

والى ان تأتي تلك الساعة التي تعانق بها أرواح هؤلاء المأسورة قبل اجسادهم نسأل الله أن يطوي بعدهم , وأن يلم شملهم , وأن تعود البسمة لترتسم على وجوههم ليعودوا لبيوتهم وأطفالهم وزوجاتهم وأحبابهم وعسى ان يكون ذلك اليوم قريبا .

وسوم: العدد 628