الفهم الغريب المعتل
يصر الغلاة والمتحزبون من المسلمين..أن عبارة "طائفة"الواردة في حديث رسول الله :"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة"تخص الأفراد والجماعات الدينية فحسب..ولا تشمل الحكومات والدول على الإطلاق..فمثل هذا التخصيص- بفهمي- إنما هو اعتداء على نهج الإسلام..الذي لا يتسع لمثل هذا الفهم العقيم السقيم بحال..لكونه فهم يتناقض مع قوله تعالى:"وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ"الذي يؤكد أن عبارة"طائفة"تشمل الدولة والحكم..لأن إقامة العدل وإنفاذ مقتضاه إنما هو من شأن الدولة والإمامة ومسؤولياتها..يقول ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى:"وَمِمَّنْ خَلَقْنَا"أي بعض الأمة..ووفي تفسيرقوله تعالى:"أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ"أي يهدون بالحق قولاً وعملاً..ومعنى قوله تعالى:"وَبِهِ يَعْدِلُونَ"أي يعملون ويقضون..قال سعيد عن قتادة أن النبي كان إذا قرأ هذه الآية"وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ" يقول:"هذه لكم"وقد أُعطي القومُ بين أيديكم مثلها يعني قوم موسى عليه السلام"لقوله تعالى:"وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ"وقال أبو جعفر الرازي رحمه الله تعالى :أن رسول الله عندما قرأ"وممن خلقنا أمة يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ"قال:"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة"وبعد..فمما تقدم ومن قوله (هذه لكم) وهو رئيس الدولة..يؤكد أن المقصود من قوله تعالى:"وممن خلقنا أمة يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ"هو استمرار الدولة وسلطان الله في حياة الناس..وأن عبارة (طائفة) في الحديث الشريف تشمل الدولة تحديداً..وأن دولة الإسلام لا تغيب..نعم قد ينتابها حالة من الضعف والتخلف وقلة الرشد..إلا أنها لا تغيب على الإطلاق..فهي تبقى تمثل شوكة الاسلام..واستمرارية حضور الأمة وإمامتها..تضمن حقوق المسلمين وتحمي ارثهم وتاريخهم..وتحرس سيادتهم بين الأمم..وبذلك تسقط مقولة(غياب الدولة المسلمة..وتسقط معها مقولة غياب الوجود الحضاري المعاصر للأمة المسلمة..ويسقط كل فقه وفهم وأحكامٍ مؤسسة على مثل هذا الفقه والفهم المتشنج المعتل.مما هو اليوم مصدرٌ لفتنة كبرى هوجاء حمقاء تدمر الأمة..وتأجج نيران الحرائق والدمار والهلاك..وتنشر الرعب والذعر في بلدانها..مما يوجب التعاون والتعاضد بين حكماء وعلماء ومفكري الأمة وساستها لوأد هذا الفقه المدمر ..والله المستعان.
وسوم: العدد 628