شيء من طبيعة نظام الفئوية والإجرام
يقول الدكتور يحيى العريضي، في لقاء له مع قناة أورينت، وكان يعمل في حقول الإعلام مع النظام، ويستبشر خيرا ببشار الأسد : " الطبيب الشاب القادم من دراسته في بريطانيا".. وخطاب القسم..أنه ما تصوّر أن يُقدم هذا الشاب ـ الرئيس على قتل الحريري.. وأن ينكص في وعوده التي نصّ عليها خطاب القسم .. وأن يرمي عديد الاقتراحات" المهمة" في سلة زبالته ......
ورغم وعي الدكتور، وذكائه، ومحاولته التعمّق في جذر تركيبة النظام..إلا أنه يبدو وكأنه كان كمن أخذته الطوفة فأعمته، أو دوّخته.. ذلك أن كل من يعرف تركيبة ذلك النظام، وبنيته، ونهجه، والمرتكزات التي قام عليها نظام الطاغية الأكبر : الطائفية ـ الأمنية ـ العسكرية ـ التقايضية ـ الإفسادية، والوراثية أيضاً، يعلم بداهة أن الحديث عن أي إصلاح ضرب في رمل محروق ..
بل إن محاولة فهم إصرار الطاغية الأكبر على التوريث، وفرضه، وتناقل " الأبطال" الورثة من الشقيق رفعت الذي رمته جانباً تهوراته وتجاوزه حدوده، والخطوط الحمراء التي رسمها الشقيق الأكبر، إلى باسل المقتول في حادث مثير، ثم استدعاء " الطبيب" على عجل، وإعداده على نار حارقة يمكن أن توصلنا إلى نتيجة واضحة عن تلك التركيبة، وعن سرّ التوريث في إطار الفهم العام لجوهر تلك الطغمة وروباطها، وخشية حافظ الأسد من فتح ملفاته السوداء، ومقايضاته المشبوهة، ولبّ نظرته لنفسه، والحكم، والعائلة، والبلد .. وموقع النرجسية، والطائفية، والمشاريع الخاصة في كل ذلك
ـ لقد كتبت قبيل وبعيد التوريث عديد المقالات التي توضح وجهة نظري، وتناقشنا كثيراً مع أصحاب موجة التفاؤل ب"الشاب الدكتور" وخطاب قسمه، وبناء بعض ارهانات عليه، وذهاب البعض درجات في ذلك التفاؤل، ومحاولات التسويق .
ـ ومن موقع معرفتنا وخبرتنا الطويلة مع تلك الطغمة.. أجزم بشكل قاطع أن كل ما ورد في خطاب القسم لا يتعدّى عملية ممسرحة لتمرير تلك الجريمة التي داست على كل يافطات الانتماء لحزب قومي، شبه علماني، شبه غطاء بتكريس التوريث المخالف لأبده القواعد التي ينصّ عليها، ومثله الدستور، وأسس الجمهورية، وأن تلك البنية العائلية، الطائفية، النهبية التي حولت الدولة إلى مملكة خاصة، ودمجت النظام بالدولة، والكل في شخصية الفرد : المؤبّد . وأن تكريس نظام الأسرة والتوريث يقتضي التلوين بحقن الوعود وقصص الحرس القديم.. والمعيقات، والنوايا الطيبة للشاب التي اصطدمت بأولئك القدامى.. وكثير القصص التي روّجت عن محاولات الإصلاح التي قوبلت بتعنت ومصالح وبنية الآخرين الذين كان يجري رجم بعضهم، أو تحميلهم المسؤولية.. في حين يعلم الجميع أن الأمور ليست هكذا، وان هذا" الشاب" ابن ابيه، ووريث نظام ولد في رحمه، وخرج منه بتلك العملية القيصرية، وأن الدجل،والمراوغة بعض بضاعة الترويج اللازمة، وأنه ممسك بخيوط اللعبة كلها هو وأخاه وزمرة العائلة والمقربين .
*****
إن سياسة العنف الكلي، والإخضاع، والتخويف المعمم ـ ودرس حماة كان الشاهد الحاضر ـ واغتيال الحقوق والمعارضين، وإطلاق يد الأجهزة الأمنية، وما فرضوه على الشعب من تغييرات.. قادت جميعها إلى تكريس ذهنية الاستهتار بحياة الناس، والفوقية، والاستعلاء.. وكانت كلمة" مين فلان، أو مينك انت " تلخص تلك العقلية المتجبرة التي لا تعرف غير السحق، والإجبار، واغتيال المعارضين .
والذي لا شكّ فيه أن الوريث رضع هذا الحليب الدموي، الحاقد، الانتقامي وإن اراد تغطيته بالقهقهة وبعض مظاهر الانفتاح والشعبوية، والحداثة في الاستعراض واللقاءات وبعض الجولات الخاصة المرتّبة.. وهو ما تجلى صارخاً في الإقدام على ارتكاب جريمة اغتيار رفيق الحريري ـ رئيس وزراء لبنان الأسبق، وعدد من رموز لبنان الاستقلاليين، وفي تعامله مع أطفال درعا، والانتفاضة السورية .
ثم في فيض هذا الحقد الدماري الذي أظهره إزاء الوطن والشعب، والذي يذهب في مداه إلى الحد الأقصى.. كما هي الشعارات المرفوعة التي تلخص نهجهم : " الأسد أو نحرق البلد" .
ـ إن اغتيال الحريري كان الكاشف الفاقع ليس على البعد الجرمي في رأس النظام وحسب، بل على مستوى غليان البجاحة والاستعلاء إزاء الآخرين، ومعنى الحياة، والقيم، والحقوق، والشعب، في نفس الوقت الذي يمكن اللعب به بالأوراق الطائفية والبنى المتخلفة وعجنها مع سيل من الشعارات الجاذبة عن الانفتاح والمقاومة والوطنية وما يشبه العلمانية، وما يشبه الحداثة.. والتستر على الأحادية، والاستبداد بكومة من المرتزقة واللصوص المنتفعين، والانتهازيين.. في حين تمارس أقذر انواع التعذيب في الأقبية، وتشتلع آدمية البشر وكراماتهم.. وتفتح البلاد للانقسامات الطائفية واستدعاء القوى الخارجية المذهبية المشبعة بالأحقاد، ونوايا التقسيم .
ـ هذا النظام وإن كان بعده ىالطائفي جلي.. فإنه لا يؤمن سوى بمصلحة طغمته، واللعب بكل الأوراق.. ووضع الطائفة العلوية، وبعض الأقليات في مواجهة مدافع جرائمه، والاستمرار في كذبة الربط بين وجوده والوطن، وبقية الشعارات الممزقة .
وسوم: العدد 628