العقل السياسي الإيراني المعاصر (10)
أبجدية تصدير الثورة
أولا ـ المرامي والغايات
1 ــــ بتحول الولاية من متون الفقه إلى علم الكلام، من المحيط النسبي لاجتهادات علماء الدين إلى منزلة الولاية الإلهية، أضحى الإيمان بولاية الفقيه حسب تخريجات مصباح يزدي ركنا عباديًّا سادسًا من أركان الإسلام وتمام الدين.[1]وأصبح مثل هذا الأمر قناعة راسخة تجاهر بها الأحزاب الولائية، ويقدم الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله إقرارا صريحا وقولا مؤكدا، في تبني العقيدة الولائية المستحدثة والتي يخالفه فيها غالبية الاثنا عشرية؛ يقول الشيخ نعيم [2] ـ “يجب على كل المسلمين إطاعة الأوامر الشرعية الصادرة من ولي أمر المسلمين، والتسليم لأمره ونهيه، حتى على سائر الفقهاء العظام، فكيف بمقلديهم! ولا نرى الالتزام بولاية الفقيه قابلا للفصل عن الالتزام بالإسلام وبولاية الأئمة المعصومين عليهم السلام”.
ـــ “يجب إطاعة أوامر ولي أمر المسلمين في الأمور العامة التي منها الدفاع عن الإسلام والمسلمين ضد الكفرة والطغاة المهاجمين”.
ـــ “اتِّباع حكم ولي أمر المسلمين واجب على الجميع، ولا يمكن لفتوى مرجع التقليد المخالِفة أن تعارضه”.
ـــ”رأيُ ولي أمر المسلمين هو المتَّبَع في المسائل المتعلقة بإدارة البلد الإسلامي، وبالقضايا العامة للمسلمين، وكل مكلف يمكنه اتباع مرجع تقليده في المسائل الفردية المحضة”.
وفي ضوء ما تقدم فإن السيد خامنئي في عقيدة حزب الله اللبناني كما لدى أحزاب ولاية الفقيه الأخرى: “حلقة من سلسلة الولاية الإلهية العبادية تبدأ من الولاية لله تعالى، ثم الولاية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم الولاية للإمام عليه السلام، ثم الولاية للفقيه العالم العادل، وهو اختيار يحمِّل الحزب مسؤولية التزام أوامره من موقع الإيمان الديني.. فالولي الفقيه بالنسبة إلى حزب الله هو القيادة الشرعية”.[3]
2 ــ إقامة ولاية الفقيه العالمية تحت شعار (الدولة الإسلامية الخضراء) تبسط رقعتها الجغرافية من العاصمة الإندونيسية (جاكرتا) إلى جزر القمر والساقية الحمراء. ويؤسس الإيرانيون لهذا الهدف من منطلق (المركزية الإيرانية) [4] ـ
3 ــ تنصيب المرشد الإيراني إماما مرشدا لعموم المسلمين في الأرض لكونه ولي أمرهم الأوحد، والقائد الأبدي للدولة الخضراء، بموجب كليات أيديولوجية الفقيه نفسه (ولاية الفقيه – ولاية عموم المسلمين) عاصمة المحرومين المظلومين والثورة الإيرانية: ثورة كل مسلمي العالم وجميع مستضعفي الأرض. والدستور الإيراني – دستور (الإسلام والمسلمين). والجيش الإيرانـي – جيش الإسلام. والسيد خامنئي إمام وولي أمر (المسلمين) في جهات العالم الأربع. وأن طاعته من تمام الإيمان والتقيد بأوامره عبادة.[5] ـ
4 ـ ولإنجاز المشروع الولاياتي الكوني المقدس يتعين على جيش الجمهورية الإسلامية المعني عقيدة ودستورا بـ(توسيع حاكمية الفقيه في العالم) يتعين عليه إسقاط أنظمة الحكم وإزالة الدول الطاغوتية. تطبيقا للوعد الإلهي، وتنفيذا لنص الدستور في مجال بناء القوات المسلحة للبلاد وتجهيزها، يتركز الاهتمام على جعل الإيمان والعقيدة أساسًا وقاعدة لذلك، وهكذا يصار إلى جعل بنية جيش الجمهورية الإسلامية وقوات حرس الثورة على أساس الهدف المذكور ولا تلتزم هذه القوات المسلحة بمسؤولية الحماية وحراسة الحدود فحسب، بل تحمل أيضًا أعباء رسالتها الإلهية، وهي الجهاد في سبيل الله، والنضال من أجل بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم[6]
5ــ الذود عن المستضعفين أمام المستكبرين: وهو ما تحتمه المادة الرابعة والخمسون بعد المئة تعتبر جمهورية إيران الإسلامية سعادة الإنسان في المجتمع البشري كله قضية مقدسة لها، و تعتبر الاستقلال، والحرية، وإقامة حكومة الحق والعدل حقًّا لجميع الناس في أرجاء العالم كافة، وعليه فإن جمهورية إيران الإسلامية تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أية نقطة من العالم.[7]ـ
ثانيا ــ الإستراتيجية المنتخبة:
1ـ تشكل الدول العربية المشرقية في الإستراتيجية الإيرانية أهم مجال حيوي لنفوذها، وهي من جانب آخر ترى في قوة تلك الدول من المخاطر القائمة والمحتملة ما يهدد مصالحها ويحد من نفوذها الإقليمي، لذا فإن أمنها القومي، مرتبط بقدرتها على أضعاف دول المنطقة لفرض مصالحها وحماية نفسها من بروز أي قوة إقليمية عربية، ومن أهم الاستراتيجيات الفاعلة، كما هو واضح على مستوى الواقع في ظل وجود قوى عظماء تتصارع على المنطقة، هو خلق قوى مؤيدة لها في تلك الدول، ترتبط أيديولوجيا بالدولة الإيرانية. [8]
2 ــ تعمل إيران على تحويل الحركات التابعة لها أيديولوجيًّا وليس مذهبيًّا إلى أدوات ضغط تهدد من خلالها مصالح الدول العربية والقوى الدولية في حالة عدم تفهم مصالح إيران في المنطقة، ووظيفتها الأكثر أهمية هي عسكرية وأمنية ففي حالة تهديد النظام الإيراني من أي قوة فإن الحركات التابعة لها تصبح مصدرا أساسيا يسند موقفها ويدعم قوتها في حالة المواجهة. [9]
3 ــ بادرت إيران فور احتلال العراق عام 2003 إلى تجديد برامج العمل الدعوي والحركي، ومارست دورًا مركبًا في الفضاء العراقي المتاح أمامها، إذ اتخذ التدفق الإيراني على بغداد والمحافظات الجنوبية -تحديدًا- أشكالا عديدة ابتداء من التسلل الاستخباري الناعم، إلى تشكيل فرق الموت والتصفية الجسدية، مرورًا ببناء محطات (إطلاعات) تحت أغطية وواجهات من قبيل الشركات التجارية ومؤسسات الإغاثة والرعاية الصحية والخدمات الإنسانية، واستحدث الإيرانيون عام 2005 في ظل جمهورية أحمدي نجاد شركات الحماية الأمنية والمراكز ثقافية والإعلامية والعديد من منظمات المجتمع المدني.
4 ــ نجحت في تكوين جماعات تابعة لها في أغلب الدول التي يوجد فيها شيعة، وقد جلب لها ذلك عداءً إقليميًّا وعالميًّا، فطورت إيران إستراتيجية تصدير الأيديولوجيا، فتخلت عن التبني الرسمي من قبل مؤسسات الدولة ونقلت المهمة إلى المؤسسات الأهلية داخل إيران التي تقوم بعملية التنسيق مع القوى الموالية لها، سواء كانت قوى سياسية أو مراجع دينية، والرسمي فيها أن هذه الإستراتيجية تتم برعاية الولي الفقيه، وبإشراف مخابراتي حذر.
5 ـــ التطور الجديد في إستراتيجية تصدير الأيديولوجيا الإيرانية، يتمثل في جعل القوى العربية التي لديها حرية الحركة والفعل والمرتبطة بولاية الفقيه- هي أداة تصدير الثورة إلى العالم العربي، فقد استطاع حزب الله مثلا أن يسند قوة إيران، ويوسع نفوذها في المنطقة العربية، وشكل الحزب نموذجا للقوى الموالية وتلعب أذرعه الفكرية والإعلامية دورا فاعلا في دعم الثورة الإيرانية وفي ترويج الدعاية لفكرها السياسي والديني.[10]
6 ــ شكل العراق أهم المراكز القادمة لتصدير أيديولوجية الثورة إلى العالم العربي من ناحية فكرية وثقافية وحتى عسكرية على مستوى التدريب والدعم اللوجستي، وهذا ربما يفسر طرح الفيدرالية من قبل آل الحكيم، فأحد أهدافها هو تحويل جنوب العراق إلى مجال حيوي يوفر لطهران قاعدة لحماية النظام ونشر أيديولوجيته في العالم العربي.
__________________
د. عبدالستار الراوي
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية
المراجع
[1] الشيخ مصباح يزدي. ولاية الفقيه، خبراء القيادة إصدارات مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث. ج2 ص161.
[2] الشيخ نعيم قاسم، حزب الله بين ولاية الفقيه والولاء للوطن 2010.
[3] المصدر السابق.
[4] الراوي. مقدمة في الأيديولوجيا الإيرانية ص21.
[5] المصدر السابق ص18.
[6] المصدر نفسه 19.
[7] حسن الرشيدي. أهداف السياسة الخارجية لإيران (22/4/ 2008(.
[8] الدكتور سعد محمد بن نامي سياسة التدخل الإيراني في الخليج: الدوافع والأهداف ـ موقع البينة (2 من مايو 2011)
[9] منظمة الرصد والمعلومات الوطنية – موقع البصرة 24/ حزيران/ 2011.
[10] الدكتور منوجهر محمدي. السياسة الخارجية لجمهورية إيران
إعداد الدكتور حسين صوفي محمد حسن. مجلة مختارات إيرانية العدد (86)
وسوم: العدد 630