وأخيرا! ميركل في ساحة التحرير

" يبدو أن العراقيين جميعا يريدون مغادرة العراق. جميع المواطنين بإستثناء الأموات منهم". الكاتب الأمريكي روبرت فيسك.

ما تزال مشكلة اللاجئين العراقيين تتفاقم يوما بعد آخر بعد أن استعصي حلً الأمور على الصعيدين الداخلي والدولي. ومن المؤسف إن وزارة الهجرة والمهجرين نفسها تعد جزء من المشكلة وليس من حلٌها، ومن العجائب إن هذه الوزارة البليدة منذ تأسيسها ولحد الآن لاتمتلك إحصائيات دقيقة، ليس عن المهجرين خارج العراق حيث تكتنفه بعص الصعوبات فحسب وإنما المهجرين داخل العراق، رغم إن ذلك من صلب واجباتها، ولولا المنظمات الدولية التي تتابع مسألة المهجرين وتنشر أعداداهم  لضاع الخيط والعصفور معا. ندد نائب رئيس لجنة الغلاقات الخارجية النيابية عبد الباري زيباري بصمت الحكومة والتغاضي" عن هذه الكارثة التي تهدد مستقبل العراق في هجرة شبابه يمثل خرقا دستوريا، ونستغرب صمت الحكومة, فلم تكلف نفسها حتى ولو بعقد اجتماع وزاري لدراسة المستجدات الاخيرة، كما أن وزاره الخارجية لا تدري ماهي الواجبات التي تقوم بها؟ أن موقف الحكومة ووزارة الخارجية مخيب للآمال ومخجل وسيسجل التاريخ على الحكومة الحالية هذا الموقف".

أما سليم الجبوري رئيس ما يسمى بمجلس النواب العراقي فقد عبر عن قلقة من زيادة وإتساع ظاهرة هجرة العراقيين للخارج، سيما ان غالبيتهم من الشباب نتيجة العمليات الإرهابية التي تقوم بها الميليشيات الحكومية المنطوية تحت ظل القائد العام للقوات المسلحة، علاوة على الأزمات المتفاقمة التي عجزت الحكومة عن حلٌ اي منها، وإنتشار البطالة وعدم توفر فرص التعيين لخريجي الجامعات والمعاهد العراقية إلا بتزكية من الاحزاب الحاكمة او دفع الرشاوي للمسؤوبلن. وارتفاع مستوى الفقر والأمية وبقية المشاكل المزمنة التي لا يجهلها أحد، ولا ترغب الحكومة بحلُها كما يكشف الواقع.

العجيب في أمر رئيس البرلمان الذي عبر عن قلقه وهو يرأس أعلى سلطة في البلد، ان لا يسأل نفسه ومجلسه الغارق في مستنقع الفوضى والطائفية والفساد، ما الذي قدمه للشباب؟ هل خصص جلسة واحدة لمناقشة أوضاع اللاجئين في مجلسه اللاموقر؟ إذا كان رئيس البرلمان لا حول له ولا قوة لحل مشكلة اللاجئين فلمً العتب على السلطة التنفيذية وكلاهما يحذو حذو النعل بالنعل.

المنحنى البياني يشير إلى تصاعد عدد اللاجئين العراقيين في ظل الظروف القاهرة التي يمر بها العراقيون عموما والشباب خصوصا من جهة، علاوة على التسهيلات الجديدة التي قدمتها الدول الأوربية للاجئين العراقيين والسوريين حصرا من جهة ثانية. في الوقت التي أغلقت الدول العربية والإسلامية (الشقيقة) الأبواب بوجوههم وختمتها بالشمع الأحمر. في ذات الوقت فتحت أوربا المسيحية ابوابها مرحبة بقدومهم ومقدمة كل التسهيلات الممكنة لهم! مفارقة مثيرة ومؤلمة في نفس الحين تدفعنا للتساؤل: من الطرف الذي يطبق تعاليم الدين الصحيحة؟ ومن الطرف الذي يلتزم بالتسامح؟ ومن منهم نظرته إنسانية بحته وشمولية؟ مقارنة بسيطة بين موقف السعودية حاضرة العالم الإسلامي وايطاليا حاضنة الفاتيكان المسيحي تجاه اللاجئيين العراقيين كفيلة بإذابة جليد الوهم وإظهار الحقيقة المجردة.

ربما تسمية البلدان الشقيقة جناية على الإسلام والعروبة والإنسانية، فهي لا تختلف في جوهرها عن تسمية أشقاء النبي يوسف بها! الدول الشقية وليست الشقيقة لم تكتف بفتح حدودها البرية ومجالاتها البحرية والجوية لقوات الإحتلال لغزو العراق وتقديم كل المساعدات المكشوفة والمستورة لتدمير البلد وصولا الى هذه الحالة المأساوية، بل تنصلت من مسؤوليتها الأخلاقية عن حلٌ مشكلة اللاجئين.

صحيح إن امريكا وبعض الدول الأوربية المسيحية غزت العراق أو ساهمت بمساعدة الغزاة وتدمير بنيته الإرتكازية وبذلك فهي تتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن نتائج الغزو. لكن الصحيح ايضا إن بعض الدول العربية والإسلامية نحت نحوهم ايضا، ولكنها لم تصحح اخطائها أو ترأف بحال العراقيين. حديثنا هذا يتعلق بزواية محددة، وهي موقف الدول الإسلامية والمسيحية من اللاجئيين العراقيين والسوريين والمقارنة بينهما. مع العلم إن دول أوربية لم تشارك في غزو العراق عسكريا ومع هذا فتحت ابوابها للعراقين كألمانيا وفرنسا والسويد والنرويج، حيث قدمت لهم ما لم يقدمه الأشقاء في الدين والعروبة والقومية والإنسانية.

لم يكن مستغربا أن برفع المتظاهرون العراقيون صور أنجيلا ميركا بدلا عن صور المراجع الدينية ـ مع أن الفضيحة كشفت مؤخرا عندما أكد احد المتظاهرية بأنه قبض (25000) دينار لقاء رفع صور المرجع الأعلى في التظاهرة ـ فقد كان كلام رئيسة وزراء ألمانيا أشد من وقع السيف على الرؤوس الخاوية عندما قالت" غدا سنخبر أطفالنا أن اللاجئين السوريين هربوا من بلادهم إلى بلادنا، وكانت مكة بلاد المسلمين أقرب إليهم. غدا سنخبر أطفالنا أن رحلة اللاجئين السوريين إلي بلادنا، كانت كهجرة المسلمين الى الحبشه، ففيها حاكم  لايظلم عنده أحد أبدا". نعم سيدتي الفاضلة قولي لأبنائكم هذه الحقيقة الحلوة على لسانك والمرة على لسان أنظمتنا الفاسدة، إنها شهادة فخر لك ولشعبك الأبي، وشهادة وفاة للضمير العربي والإسلامي.

نعم، أرفعي ورقة التوت الأخيرة عن عورة العالم العربي والإسلامي! اكشفي لهم بأنك لست من نسل آل البيت بل من نسل قس كاثوليكي وانك زعيمة حزب مسيحي وليس إسلامي، ولكنك اكثر رأفة ورحمة بالمسلمين من حكامهم! أخبريهم بأن الإنسانية لا تعترف بالدين والطائفة والجنس واللون، كل البشر أبنائها وهم سواسية! أخبريهم من هم التكفيريين والظلاميين والجهلة والدجاجيل وأدعياء الدين الحقيقيين؟ أسأليهم ها قد عرفتم إنجازات (بلاد الكفار) في عرفكم! فما هي إنجازات (بلاد الإيمان)؟ أخبريهم أن أميرا عربيا مسلما قرب الكعبة المشرفة أعلن عن دفع مليون دولار لقاء ليلة واحدة حمراء مع كاردشيان، ولكنه غير مستعد لدفع دولار واحد لنجدة لاجيء عربي!

أخبريهم كيف يهيل الحكام والمشايخ والأمراء وكبار المسؤولين حزما من الدولارات على رؤوس الراقصات في الملاهي، ولكنهم يعلنون إفلاسهم وجيوبهم الخاوية أمام اللاجئين! أخبريهم بأنك فتحت حدود البلاد أمام اللاجئين جميعا ولم تحددِ شروطا للقبول كالدين والمذهب والقومية والجنس، بل لم تفضلي عليهم المسيحيين وهم أولى برعايتك من المسلمين! اخبريهم أن الوطن الحقيقي هو الوطن الذي يحتضنك وليس الوطن الذي يهجرك! والحاكم الحقيقي هو الذي يمد لك طوق النجاة لا أن يترك تغرق وهو يتفرج عليك!

أخبريهم أن الضمير الحي هو من يسعفك فورا ويقدم لك المساعدة، وليس ذاك الذي يعبر عن قلقه كما عبر رئيس البرلمان العراقي! أخبريهم بأن الوطن الذي يتنكر لأبنائه ويجردهم من حقوقهم لا يستحق حبهم وإحترامهم! صارحيهم بأن أهل الذمة لديهم ذمة مع إنهم الحلقة الأقوى، وأن من يطلق عليهم الصفة أهل الذمة حاليا هم من ناقصي الذمة مع إنهم الحلقة الأضعف! أخبريهم أن حذاء الطفل السوري عيلان عبد الله الذي وُجد على سواحل تركيا ميتا يساوي ألف عمامة ومشيخة ولحية وجبهة مكوية دجلا بالبطاطا.

قولي لإبراهيم الجعفري وزير خارجية العراق الذي إتهمكم بسرقة طاقات العراق الشبابية، بأنك كنت لاجئا في بريطانيا ولم يسرق أحد طاقتك الشبابية، حتى شهادتك ركنت خارجا لأنك طبيب فاشل، لذا عملت حملة دار بدلا عن طبيب! أخبريه بأنه في حياة الحكومات الألمانية المتعاقبة لم يُلقى القبض على دبلوماسيين ألمان يهربون حقائب مليئة بالدولارات والذهب  تعود لوزير خارجيتهم، كما حصل معك يا زعيم حزب الدعوة الإسلامي!

إسأليه من الذي غدر بالعلماء والأكاديميين وكبار القادة والمهندسين والأطباء والطيارين العراقيين وعطل طاقاتهم الشبابية؟ إسأليه من الذي عين مزوري الشهادات في مؤسسات الدولة وحرم خريجي الجامعات من فرص التعيين وهدر طاقاتهم الشبابية؟

إسألي الجبوري والجعفري وبقيىة الهراطقة في العراق وسوريا كم في بلدكم وأمتكم المؤمنة يوجد مثل رئيس وزراء فنلندا الكافرة (يوها ستيلا) الذي عرض منزله الخاص الواقع في كيمبيلي بشمال فنلندا لطالبي اللجوء إعتبارا من العام القادم، داعيا كل الفنلنديين لإظهار التضامن مع اللاجئين المتجهين إلى أوروبا هربا من الحرب والفقر؟

أسأليه عن مصير واردات العراق منذ عام 2003 ولحد 2014 والتي تجاوزت(981) مليار دولار إين ذهبت؟ هل استغلت أموال الشعب لرفاهية وتقدم الشعب؟ هل أستثمرت في الزراعة والصناعة وتطوير قطاعات النقل والمواصلات والتعليم وبقية البنى التحتية، وهل فتحت آفاقا جديدة للشباب العراقي؟ بل هل أقيمت مشاريع ثقافية وترفيهية للشباب كالمكتبات والمراكز الثقافية والفنية والملاعب وغيرها؟

قولى للملاك الجعفري الذي يدعي أن حكومته ملائكية، بأن الحكومات الشيطانية أرحم من حكوماتكم على شعبكم. إنكم دجالون ولصوص وإرهابيون وفاسدون تتسترون بالدين، لستم عار على شعبكم فحسب بل عار على العروبة والإسلام والإنسانية! إنكم طاقات تخريبية مدمرة لا تقل أثرا عن الأسلحة النووية، دمرتم الوطن والشعب على حد سواء، تتحدثون عن سرقتنا طاقات بلدكم الشبابية، أي طاقات هذه في بلد فيه 7 مليون أمي ويبلغ فيه خط الفقر 45% والبطالة 35%؟

أيها الفاشلون والفاسدون في مجلس النواب والحكومة من أعلى الهرم الى قاعدته ودهاليزه وأقبيته، لوكانت للشباب فرصة واحدة في بلدهم لما هاجروا وعرضوا أنفسهم للموت في البحر، لقد أعطوا ثمرات كدهم وجهدهم وتعب السنين وباعوا كل ما يمتلكونه وقدموا المال الى المهربين لينجوا من حكومتكم الملائكية! وأهم من ذلك كله باعوا أحلامهم وذكرياتهم وكل ما يمت إلى الماضي الجميل بصلة.

هؤلاء المشردون من ديارهم أولا، ووطنهم ثانيا، تركوا مدنهم الفقيرةالكاحلة الرثة، المسيجة بالترسانات الخراسانية الضاغطة على صدورهم والقاطعة لأنفاسهم في بلد يزعم حكامه إنه يتنفس الحرية والديمقراطية. في حين لم يدرك ذوو المنهج الطائفي وعبدة الإحتلال والمطبلين معهم حتى هذه الساعة بأن الديمقراطية المزعومة كُفنت ودُفنت في عاصمة الرشيد وهي في مهدها لم تفطم بعد!

المهاجرون إتخذوا قرارا صعبا كظروفهم الصعبة لإيقاف عبث الأقدار في مصائرهم ووضع حدا لمجونها واستهترارها بكل القييم السماوية والوضعية. نحروا الماضى والحاضر فداءا لمستقبل مجهول يصعب التكهن به، خيار عسير أما الموت غرقا أو العيش حرا. تذكروا دائما: عندما يكون البلد جهنم فلا تسأل الناس لماذا يهربوا منه!

هجروا الوطن الذي هجرهم وركلهم كفرس جامح لخارج الحدود وهم يتمتمون مع أنفسهم ( أي خير يرتجى في وطن يجبر أبنائه على النزوح منه ويستقدم الأجانب بدلا عنهم)؟ (أي خير يرتجى في وطن يفيض بالخير على الغرباء ويتقشف مع ابنائه)؟ (أي خير يرتجى في وطن يحكمه الإرهابيون واللصوص والمزورون والدجالون)؟ (أي خير يرتجى في وطن، كل محافظة فيه هي وطن)؟ (أي خير يرتجى في وطن تستبيح فيه أعراض الشيوخ والأطفال والنساء على أيدي الشرطة وقوات الأمن والميليشيات) ؟ (أي خير يرتجى في وطن كل شيء فيه مستورد حتى الضمائر)؟ (أي خير يرتجى في وطن يحكمه المعممون من الدجالين والمشعوذين والزناة)؟ (أي خير يرتجى في وطنه قواته المسلحة مشلحة، وقواته الأمنية لا تؤتمن)؟ (أي خير يرتجى في وطن قضائه بغلة ضعيفة تمطيها الحكومة المترهلة الكرش)؟

البعض يلوم اللاجئين لمغادرتهم الوطن وتركهم وظائفهم وأعمالهم ومصالحهم وحقوقهم لصالح حفنة من العملاء والفاسدين! هذه حقيقة لا يمكن نكرانها. لكن عندما تكون الغاية مقايضة حياة الإنسان بماله تكون حتما منطقية ومقبولة.

في الختام نقول للعراق: عجبا منك يا وطني! تضيق على أبنائك السبيل وتلـومهم بعد يأسهم على الرحيل! 

وسوم: العدد 632