الثورةُ السوريةُ، و سُنَّة التغيُّرِ الاجتماعي

التغيُّر، و التحول من حال إلى أخرى سُنَّة من سُنن الله في الكون، و هو أمر يشمل الكائنات الحيّة جميعها، ناهيك عن المجتمعات البشرية التي تُعدُّ الرائدة في ذلك, و لها في ذلك طرق، و أساليب شتى, فمنها من يأخذ بالأسباب المادية فحسب, ومنهم من يركن إلى الأماني و الرغبات, ومنها من يجمع بينهما؛ فيجمع بين  العمل الجاد الدؤوب, واستلهام العون والمدد من الله سبحانه.

وقد أشار الله سبحانه إلى هذه السنة الاجتماعية في كتابه العزيز, فقال: ( إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ), و ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ).

حيث أكَّد على أن التغيُّر ممكن في المجتمعات, و لا يحول دونه شيء؛ فعلى المصلحين ألَّا ييأسوا من العمل على تغيُّر واقع مجتمعاتهم, بلْ عليهم أن يبادروا إلى الشروع بتثوير المجتمع على شتّى الصُعُد و الميادين، مستندين في حراكهم هذا على حزمة من المُثُل، و القيم، و المبادئ، تُشعر أنَّ ثَمَّة تحولاً حقيقيًا قد طرأ على المجتمع، و إلاَّ فإنَّ ما سيحدث لن يتعدّى الحراك العبثي، أو العمل المسلح في أثناء الثورات المسلحة، على حدّ تعبير ( كرين برينتون )، مؤلف كتاب ( تشريح الثورة )، و هو الأمر الذي نلحُّ عليه في الثورة السورية؛ فنرى أن يبادر القائمون عليها، على اختلاف مشاربهم السياسية و الفكرية، ولاسيّما أصحاب الاتجاه السلفي الذين لديهم مشروع متعدد الجوانب، و لهم حضور مشهود في الساحة السورية، ممثلين بكبرى الحركات ( أحرار الشام، و نور الدين الزنكي، و جيش الإسلام )، أن يبادروا إلى تنظيم دورات توعوية للمنضوين تحت لوائهم من الأنصار، حديثي العهد في التحوُّل، يُوضح لهم فيها ما يعنيه تغيُّر المجتمع من منظومة قيمية إلى أخرى؛ لا بلْ ينبغي أن يبادر الشرعيون منهم إلى توضيح مفهوم الاتجاه السلفي لهم، فجلُّهم قد اقتصر في الانتماء إليه على أمور شكلية لا تحمل الناس على الأُنس إليهم، و التأسِّي بهم.

نقول هذا؛ لأنه بموازاة الإنجازات النوعية التي يحققونها على الصعيد العملياتي، ينبغي ألَّا يفوتهم اِقترانها بهذه الحزمة القيمية، و إلاَّ كانوا كما قال الله تعالى ( خلطوا عملاً صالحًا و آخر سيئًا )، و قدموا للمتربصين بهم خدمة مجانية.

ثم إنه عليهم أيضًا ألَّا يطمئنوا كثيرًا إلى نجاحهم في التغيُّر حال حصوله, لأن الانتكاسات واردة, فكما أن الإصلاح والتغيُّر ممكنٌ في المجتمعات؛ فإن الفشل و الارتكاس ممكنٌ أيضًا؛ فالثورات المضادة عادة ما تعود أشدّ و أمضى من سابق عهدها، فأصحابها قد خبروا خصومهم، و عرفوا مواطن النجاح و الفشل عند كليهما، و بذلك فهي ستتعامل معهم بقوة مفرطة  أكثر ممّا كانت من قبل.

إنَّ التغيُّر متاح، و ممكن من جهتيه: صعودًا، وارتقاءً, هبوطًا، وتدنيًا, فكما أنه بيدِ المجتمعات أن ترتقي سلم الحضارة وتبلغ أقصاه, فإنَّه بيدِها كذلك أن تهبط عنه وتبلغ أدناه, فالتغيُّر يمكن حدوثه إيجابًا, وسلبًا.

و إنّ حدوثه من الله، كما أشارت الآيتان الكريمتان، مستندٌ على حدوثه من الناس ابتداءً, أي أن الرغبة في التغيُّر, واستحداث آلياته, والهمّ به لابدّ أن يكون سلوكًا بشريًا في المقام الأول, وبدافع من الإنسان نفسه، ثم بعد ذلك تأتي عناية الله وهدايته لأهل الإصلاح؛ فيوفقهم إلى مبتغاهم وييسر لهم سبيلهم, حتى يصلوا إلى التغيُّر المنشود, متى ما استقاموا على الطريقة, وأحسنوا التخطيط والعمل, ويأتي سخطه على أهل الضلال والزيغ حتى يوصلهم إلى مبتغاهم من التسفُّل والانحطاط الحضاري والقيمي.

و ثمَّة أمرٌ آخر لابدَّ من الالتفات إليه في عملية التغيُّر، هو أنه لا يتعلق بآحاد البشر, في شقيه السلبي والإيجابي, بل هو متعلق بـ (القوم), أي غالبية المجتمع, فإذا أرادت الغالبية تغيُّرًا إيجابيًّا تحقق موعود الله عز وجل لهم بالنجاح, وإن أرادت تغيُّرًا سلبيًّا تحقق لهم أيضًا سعيهم في ذلك.

هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن التغيُّر يشمل جوانب الحياة كلّها: الدينية، و السياسية، و الاجتماعية، و الثقافية، و الاقتصادية، و العسكرية, فلا يقتصر على مجال دون آخر؛ فمجاله واسع فسيح، يتعدّد بتعدد مجالات الحياة, و لا يحول بينه و بين تحقُّق الوعد الإلهي شيء، سوى أن تتوافر الهمة الإنسانية, ممثلةً في رغبة المجتمع في ذلك.

وسوم: العدد 632