يا فادي حمد... بردت الكنافة!
حدث أن التقيته صدفة في مدينة نابلس بعد أيام قليلة من خطبته عام 2012 هو وخطيبته وعائلته، فسعدت برؤيتهم وقمت بدعوتهم لأكل الكنافة النابلسية الشهيرة والمعروفة ابتهاجا وفرحا بخطبته، وهذا ما تم وكان، وباركت لهما وللعائلة الكريمة بهذه المناسبة وقلت له سنأكل الطعام في بيتك قريبا بعد زفافك، وأنتم من الآن معزومين على كنافة في نابلس بعد الزواج .
أيام قليلة مرت على هذه الحادثة وإذ بفادي يعتقل من قبل الاحتلال، فغيرت مرارة الاعتقال طعم الكنافة الذي لم يذهب طعمها من فمه، وخصوصا أنها المرة الأولى التي يتناول بها الكنافه بعد خطبته.
مرت الأيام صعبه على فادي وأسرته وخطيبته سيما متولي، وحول فادي للاعتقال الإداري الذي جدد له شهرا بعد شهر ومرة بعد مرة، وفي كل مرة كان قرار الإداري يؤجل موعد الزفاف والزواج الذي كان مربوطا بقرار قائد المنطفة الاسرائيلي، الذي كان يعلنها لن يفرح فادي .
قرر فادي أن يضع حدا لمعاناته فخاض مع رفاقه المئة إضرابا مفتوحا عن الطعام، ولعله في حينها تواصل معي وقال لي ذاهبون لكسر الاعتقال الإداري، وكان من قيادة الإضراب المركزية، وذهب يحارب ويقاتل بأمعائة الخاوية جبروت المحتل، ومرت الأيام علينا صعبة قاسية ونحن نتابع ونناصر فادي ورفاقة .
في خيم الاعتصام وفي مسيرات التضامن التي كنا ننظمها من أجل الأسرى، كنت أرفع صورة فادي وكنت أرى خطيبته لا تقول إلا الحمد لله، وأمه التي كانت تقف داخل الخيمه تصرخ وتحث الجميع على نصرة الأسرى.
أكثر من مرة وقفت بجوارها وكانت تغرقني بحديثها الطيب، وترفع معنوياتنا وكنت أقول لها نريد أن نأكل ونفرح بعرس فادي، فكانت ترفع يديها للسماء بعد أن تشهق شهقة طويلة تزلزل أركان قلب من يسمعها وتقول يارب، فأردد معها يارب يارب .
ثلاث وستون يوما هي المدة التي أضربها فادي حمد ورفاقه، ذاق خلالها مرارة الإضراب والجوع، ولكن عيونه كانت ترقب الحرية وتنظر للخطيبة التي كانت لا تفتأ تلهج ليل نهار بالدعاء أن سلم الله خطيبي وأعده لنا سالما .
أمضى فادي ثلاثون شهرا متواصله في الاعتقال الإداري، وعوقب بعام كامل بعد فك إضرابه لأنه من قيادة الإضراب، وخرج من سجنه واستقبله الأحباب، شخضيا تحدثت معه ونصحته بتعجيل موعد العرس والزواج، فضحك وقال: إن شاء الله، وذكرته بعزومتي على الكنافة بعد الزواج فضحك أكثر وردد مقولته بحول الله
.
قبل موعد العرس اعتقل فادي على أيادي فلسطينية، صدمت من الخبر وما رافقه من إشاعات وأحداث وعلمت أن فادي أضرب، وتواصلت مع خطيبته التي كانت مع عائلته تنظم الوقفات، وذهبت لإحدى تلك الاعتصامات فقابلتني والدته بحديث تقشعر له الأبدان قائلة : يريد أن يعيش يريد أن يتزوج، وكلام مؤلم بكل ما تعني الكلمة من معنى.
فشلت كل الوساطات بإتمام عرس فادي، فأقامت له عائلته بيوم زفافه المحدد مسبقا 30/8 عرسا رمزيا بحضور الأحباب، وكان الاعلام ينقل الصورة المؤلمة، زغرودة فلسطينية مع دموع وحرقة وألم .
على مرآى العالم قال جميع المراسلون للفضائيات، فادي المناضل يحرم من حضور زفافه بينما تتزين خطيبته بالثوب الفلسطيني وتقول: إن غاب فادي جسدا، فإن روحه بيننا تبتسم وتطلب منا الابتسام.
هذا هو حال بلادك يا فادي، قدرك أن تواجه كل هذه الاحداث وأنت بمقتبل العمر، واقسم برب البيت أنك وأنت في زنزاتك تبتسم ابتسامه الواثق أن الله سيعوضك خيرا،وقبل أن أنسى الكنافه التي وعدت بها بردت وطعمها تغير مع ما تغير داخل هذا الوطن، وعزومتي السابقة لك قبل ثلاثة سنوات ستتأخر سنوات أيضا، لأن قرار اعتقالك هذه المرة أرادوا له أن يطول، لست متشائما ولكنه الواقع الذي فرضه علينا ذوي القربى .
وسوم: العدد 632