الشعب الثائر ثم الشعب الحاضن ثم الشعب المهاجر، ثم الثلاثة الذين تعلمون

الأرقام الصعبة في المعادلة السورية

تثير الحفيظة أحيانا تصريحات متصارعة أو متناقضة ينثرها أصحابها مرة ذات اليمين ومرة ذات الشمال ، يتحدثون عن مشهد لم يكن لهم فيه يوما غير دقل الكلام . كثيرون على الساحات الدولية والإقليمية يظنون أن مناط المشهد السوري في أيديهم ، وأنهم في هذا المشهد فاعلون ، يرفعون ويخفضون ، ويقدمون ويؤخرون ، وينصرون ويخذلون ...

وأسوأ من هؤلاء وأشر قرّاء سياسة يحاولون باسم التحليل السياسي تارة ، والواقعية السياسية أخرى أن يركبوا الموجات العالية ، وأن يزيفوا الواقع ، ويغتصبوا الشواهد ليوظفوها في البرهان على نتائج تخدم أهواءهم ، أو أهواء من يدفع لهم ..

في القراءة الواقعية العلمية العملية السياسية في المشهد السوري ( بشار الأسد ) وحاشيته لم يعد رقما على الإطلاق . وهذه حقيقة سياسية علمية واقعية ومحسومة وليست دعوى رغائبية لكاتب هذا المقال .

بشار الأسد وحاشيته في ذات أنفسهم لم يعودوا رقما على الإطلاق، لا رقما صعبا ولا رقما تافها . حتى عند الطائفة التي يزعمون أنهم يمثلونها . وأول ما ستملك هذه الطائفة أمرها ستنفض يدها من هذا الذي تسبب في مقتل نصف شباب الطائفة حتى الآن . بشار الأسد بعد أشكال التدخل مثلث الرؤوس في سورية لم يعد شيئا مشكورا ، بل هو أشبه بالفزاعة التي يرفعها الفلاح فوق بذاره لتخويف الطيور ، وبشار الأسد اليوم هو مجرد جثمان لتغطية ادعاء شرعية يحتاجها حسن نصر الله والولي الفقيه وبوتين وجنوده المحاربون على الأرض السورية ..

هذه الحقيقة لا يجوز أن تغيب عنا ونحن نسمع وزراء خارجية دول اعتبروا استقبال عشرة آلاف مواطن سوري كبيرَ إنجازهم ، وتصوروا أنه يمنحهم الحق في أن يعلنوا قبولهم لبشار الأسد في المرحلة التي يسمونها الانتقالية ...

الرقم الأصعب في المعادلة السورية ليسوا هؤلاء الذين يزعمون أنهم ينطقون بالوكالة عن الشعب السوري . الشعب السوري عندما ثار لم يستشر من هؤلاء أحدا . واليوم الثورة السورية هي التي تفرض على الجميع مخرجاتها وتحرجهم بالتعامل مع هذه المخرجات والتي أبسطها ملف اللاجئين والمهاجرين ..

الرقم الأشد صعوبة في المعادلة السورية هو إرادة الثوار السوريين القابضين على جمر الثورة ، مع ما هم فيه من معاناة ولأولاء . وهؤلاء هم الذين يحق لهم أن يقولوا : نعم أو أن يقولوا لا ، والذين يحق لهم أن يحددوا الشركاء ويرسموا معالم الشراكات . الرقم الأصعب هم هؤلاء الذين وضعوا أرواحهم على أكفهم وأقسموا أن لن يردهم عن غايتهم إلا النصر . النصر ليس في إطار ( أنا) فئوية ، وليس في إطار أي شكل من أشكال البغي والعدوان بل في راية للعدل ترفرف فوق رأس كل مواطن وإنسان . النصر الذي ينبذ الظلم والفساد ولا يلتحفه ، يحاربه ولا يكتفي بتغيير حامله ..

هؤلاء الثوار الأبطال ومن سبقهم من الشهداء الأبطال وأمهاتهم وآبائهم وزوجاتهم وأبنائهم وبناتهم وإخوانهم وأخواتهم هم الرقم الأصعب في المعادلة السورية التي ستوهي قرون الوعول التي يريدونها بسوء ..

ويأوي هذا الرقم الأشد صعوبة في المشهد السوري إلى رقم صعب أوسع يتمثل في حاضنة شعبية تعد بالملاييييييييييييين من السوريين كما اعترف بذلك ( بشار الأسد ) . وهذه الحاضنة الشعبية على كثرة ما وقع بها وعليها من ابتلاء بالقتل والتدمير والجراح والجوع والتشريد ، وعلى قسوة ما لاحظتْ وراقبتْ من خذلان دولي وإقليمي ما تزال تلهج بصوت واحد : ( ما لنا غيرك يا الله ) وتصفق في وجوه من يراودونها عن الثورة ( الموت ولا المذلة ) وتلعن الذلة ومن سوقها أو أخفى عجزه و جبنه وراءها ..

وبين هؤلاء وأولئك يقف عشرة ملايين مهاجر سوري بالمرصاد لكل محاولة تحاول أن تتستر على الجريمة ، أو تعفي المجرمين من العقاب .

هؤلاء السوريون والذين يشكلون 90 % من الشعب السوري هم الرقم الصعب الذي لن يتنازل عن حق ، ولن يقبل أن يفلت مجرم من عقاب .

ولن يقبلوا أن يكافأ المجرم على جريمته ، أو أن تعود دائرة الثورة السورية إلى نقطة بدايتها ..

هؤلاء هم أصحاب القرار الحقيقي في إطلاق الثورة السورية ، وهؤلاء هم المتضررون الأُوائل من عصابة الجريمة والإثم ، وهم أصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة ..

ويبقى السؤال العلمي الموضوعي أليس على الساحة السورية أرقام فاعلة أخرى ؟ نعم هناك أرقام أخرى منها الثلاثة الذين تعلمون...

 (( وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ...))

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 633