خرج العرب..واوجعاه!!
شاهدتهم، هناك، أهلي وجيراني وبنات وأبناء شعبي، في السّهول والغابات ومحطّات القطار وبين أمواج البحر، في اليونان والمجر والنّمسا وألمانيا. يقولون لي: هؤلاء أهلك من سوريا والعراق.أهلي ونعمَ الأهل. أهلي الذين ذاقوا حنظل التّجربة قبل عقود وأهلي الذين في معمعان التّجربة. أهلي في قوافل اللاجئين الهاربين من الموت. كنت واحدا منهم في تمّوز عام 1948 حينما طردونا من حيفا وعكا وصفد، ومن ميعار والدّامون والبروة وصفوريّة ولوبية ومعلول وحطّين..سرتّ على قدميّ في دروب وعرة.. الشّوك والقندول والسّريس... يلفّعني الخوف والظّلام. أنا ابن السابعة المطرود من بيته والعابه وأصحابه الى وادي الحلزون فبير الخشب فجبل حيدر فالبقيعة فسحماتا فدير القاسي ثمّ الى جنوب لبنان. شاهدتهم شيوخاً وأطفالاً ورجالاً ونساءً... أمّهاتٍ يحملنّ أطفالهنّ على أذرعهنّ وصدورهنّ واباءً صغارهم على أعناقهم، وحوامل أجنّتهنّ في الأرحام، يلفّهم الأسى ويصاحبهم الذّلّ ويطاردهم الخوف. جياعاً يتعفّفون عن السؤال وعطاشا ينشدون الماء في الغيوم. ما اعترض طريقنا مصوّرٌ صحفيّ ولا قابلنا مذيع وما حضر تلفاز. لا أحد رأى ولا أحد سمع. مات أطفال على دروب المنفى ومات رجال وأمّهات. ووضعت حوامل أطفالهنّ في الدّروب وفي ظلّ الصّخور واوجعاه!ّ لم يفطن ينا ملك أو رئيس في دولة أوروبيّة. ولم يصلّ بابا الفاتيكان رحمة بنا. ولم يدعنا أمير أو ناطور لساندويش فلافل أو نقانق. ولم يقف شاب أو عجوز على رصيف المنفى يقول لنا:ولكم welcome يا هلا! حجرنا ذوو القربى . حجرونا في مخيّمات الفقر والبؤس والذّلّ. حجبوا ضوء الشّمس عنّا. صادروا الفرح على أسوار المخيّمات وشنقوا الابتسامات. منعونا من العمل والعيش الكريم باسم الوطنيّة. وأجاعونا باسم القوميّة. وسجنونا باسم حق العودة. ضربونا وشتمونا. لا شيء تغيّر يا ايلان الكرديّ ويا رشا الحلبيّة ويا أحمد الشاميّ ويا سلمى الادلبيّة ويا هاشم البغداديّ ويا مروان الموصليّ. لو كنتم خمّارة أو مبغى أو مقمرة لنثروا المال على مصاطبكم. لو كنتم فريق كرة قدم أوروبيّ لأغدقوا عليكم الملياردات. لو كنتم حديقة حيوان أمريكيّة... يا للرفق بالحيوان!! ولكنّ الملوك الامراء الرّؤساء الشّيوخ السّلاطين لا يرون ولا يسمعون فلا عيون لهم ولا اذان. الرّئيس العراقيّ ابن أمّكم، دمكم ولحمكم لا يسأل: الى أين؟ والرّئيس السّوريّ.... وادمشقاه! يا لتراب ال مروان! وشيخ الشّيوخ يخاف أن تنصّركم أوروبا وتعلّقون الصلّبان على صدوركم. أهذا ما يقلقك يا ابن...؟ ورئيس الدّولة المتخمة مالا يتبرّع لكم بمائتيّ مسجد فقط لا غير... والجوع كافر والعطش كافر والذّلّ كافر والخوف كافر ولا ربّ لهم. كيف يصلّي جائع خائف عطشان يا ملك الملوك؟ هل يأكلون يشربون يلبسون نوافل أم فرضا أم سنّة؟ يا عارنا في موسم الهجرة الى الشّمال. وأقول شكرا لك سيّدة ميركل الانسانة. شكرا لك ألمانيا الشّقيقة. شكرا لذوي القربى فقراء اليونان وجياع دول أمريكا اللاتينيّة. شكرا للأديرة والكنائس. شكرا لأهل الحبشة الجدد. شكرا للفضائيات المستعربة والأجنبيّة التي تأنسنت بمأساتنا. والخزي كل الخزي للذين فقدوا حواسّهم من أبناء جلدتنا. والخزي لذلك التّمساح المجريّ الخائف من الغزو الاسلاميّ لأوروبا. شاهدتهم هناك. شاهدتكم هناك. شاهدت نفسي هناك. خرج العرب من غرناطة.خرج العرب من بغداد. خرج العرب من دمشق وحلب. خرج العرب من حرف الضّاد. خرج العرب من اللغة. خرج العرب من العرب. واوجعاه!! واوذلاه!!
وسوم: العدد 633