الإنتفاضة الثالثة لماذا وإلى أين ؟

الشعب الفلسطيني شعب عظيم وطاقاته جبارة - برجاله ونسائه،  بشبابه وشاباته، بشيوخه وأطفاله، شعب مثابر ومصابر، لا يكل ولا يمل ، يبدع في كل الميادين بدءاً من العلوم حتى التجارة والاقتصاد ومروراً بميدان الجهاد الذي أبدع فيه أيما إبداع. واستطاع أن يطور من نماذجه الكثير فمن الحجر والمقلاع إلى السكين والسلاح والعمليات الإستشهادية إلى الصواريخ وطائرات الأبابيل.

ولكن يحق لنا أن نتساءل : لماذا يا ترى لم يحقق شعبنا الانتصار كل هذه السنين ومع هذه التضحيات الجبارة، يحق لنا أن نتساءل لماذا يا ترى وبعد مسيرة من آلاف الشهداء بدأت مع بداية المؤامرة على فلسطين وبعد مئات الآلاف من الجرحى والمعتقلين وعشرات الآلف من البيوت المهدمة والأشجار المقتلعة من جذورها ناهيك عن الملايين من اللاجئين والمهجرين والمشتتين في منافي الأرض وأصقاعها لم نحقق ما نصبو إليه. بعد عامين ستكون الذكرى المئوية لوعد بلفور المشؤوم، وبعد أقل من ثلاث سنوات ستكمل النكبة عامها السبعين ولا زال شعبنا يناضل ويجاهد ولم يحقق حلمه بعد، وعلى العكس فبرغم تناقص الأحلام وتصغير حجمها إلا أننا نجد توسع الفجوة بيننا وبين تحقيقها، فيا ترى لماذا؟ سؤال كبير بحاجة إلى مصارحة مع الذات وموضوعية في استخلاص العبر.

سأقولها وبكل جرأة: هناك عدة عوامل قائمتها تطول إلا أنني سأتطرق إلى عامل مهم وهو قلة التخطيط واعتمادة العفوية والإرتجالية وردات الفعل الآنية: الحقيقةأننا شعب لا يعرف التخطيط وإذا عرفنا بعضه لا نتقنه وإذا أتقنا شيئاً منه لا نحسن التنفيذ وإذا بدأنا بتنفيذ القليل الذي أتقناه لا نكمله فيضيع الجهد هباءً منثوراً، فعلى سبيل المثال بدأ شعبنا بعدة ثورات في معظمها بدأت عفوية وبدون تخطيط وكلها انتهت بلا نتيجة تذكر فمنذ بدايات القرن الماضي كانت ثورة البراق وثورة عام 1936 بدأت قوية وفاعلة إلا أنها انتهت نهايات فاشلة وأعقبها النكبة التي خسرنا فيها غالبية فلسطين بعد حرب جررنا لها جراً وخاضتها الجيوش العربية بدون تخطيط، وفي أعقابها انطلقت الثورة الفلسطينية في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات وكانت بداية رائعة وإبداع فلسطيني بامتياز ولكن ماذا حل بنا في نهاية المطاف ضياع باقي فلسطين وحصول النكسة التي تدمرت فيها الجيوش العربية في ستة ساعات وتشردت الثورة ةباقي الشعب في المنافي، ثم بدأ شعبنا بإبداع غير مسبوق وهو انتفاضة الحجارة التي ملأت سمع العالم وبصره وقدم هذا الشعب التضحيات الجسام ولكن ماذا كانت النتيجة استعجلنا في قطف الثمرة والتي أردناها بأي ثمن وللأسف كانت ثمرة مرة غير ناضجة سرعان ما غصت بها حلوقنا، وكذلك انتفاضة الأقصى التي قدمت فيها التضحيات الجسام الآف من الشهداء والجرحى وهدم البيوت وتدمير المؤسسات والبنية التحتية وغير ذلك من الخسائر والتدمير الذي يعرفه كل طفل فلسطيني ودفع ثمنه الشعب غالياً،  بماذا انتهت هذه الإنتفاضة؟ وللأسف كانت نهايتها خلق الفلسطيني الجديد والتنسيق الأمني الذي يجعل من الإحتلال احتلالاً ارجوانياً بغير تكلفة ويجعل منا شعباً يحافظ على أمن محتله، فهل هذا ما كان يرجى منها؟

لقد أبدعت المقاومة في غزة بصمودها وثباتها وحاولت تثبيت مفهوم توازن الرعب وأجبرت الاحتلال على الاعتراف بنديتها وقدرتها وصار يحسب لها ألف حساب ولكن بعد ثلاثة حروب خاضتها المقاومة بكل بسالة وشرف وإبداع وبقدرات ذاتية شهد لها القاصي والداني ولكن للأسف ماذا كانت النتيجة، حصار ودمار وتآمر وبيوت مهدمة تنتظر من يعيد بناءها ونسبة عالية من الفقر والحرمان يعاني منه شعبنا في غزة، أي أن النتيجة في المحصلة لم ترق لما يطمح اليه هذا الشعب.

فهل يا تري نريد انتفاضة ثالثة على نفس النسق ونخوضها بنفس الآلية ؟ ومن المفيد أن أذكر ما قاله أحد القادة والخبراء العسكريين حين سأله أحدهم : لماذا قمتم بانتفاضة الأقصى ؟ قال له : " شفناها تعقدت، قلنا بنخربطها بلكي تحلحلت".

وبهذه العبارة أختم فهي تغني عما ذكرته أو يمكن أن أذكره.

وسوم: 638