الانتقام من اغتصاب السلطة شعار التحرك الشيعي في منطقة الشرق الأوسط

من المعلوم أن العقيدة الشيعية منذ نشأتها الأولى تقوم على أساس فكرة الانتقام من اغتصاب السلطة . والسلطة في هذه العقيدة ذات بعد ديني لأنها تعتبرها استمرارا للنبوة، بل تعتبر النبوة ممهدة  فقط للإمامة التي هي السلطة . ويسود في الاعتقاد الشيعي أن النبوة التي كانت خلال 23 سنة إنما بشرت خلال هذه المدة بأبدية سلطة الإمامة الحتمية . ولقد تمخضت عن هذا الاعتقاد فكرة  كراهية والانتقام من كل معارض لها . وكان أول ضحايا هذا الاعتقاد الرعيل الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين جعلوا السلطة بعد النبوة خلافة وليس إمامة بالمفهوم الشيعي . والخلفاء الراشدون الثلاثة الصديق والفاروق وذو النورين رضي الله عنهما يعتبرون مغتصبين للسلطة في نظر الشيعة ، لهذا تستباح أعراضهم باللعن والسب والشتم ، وتروج المرجعيات الشيعية لأتباعها أن استباحة أعراض هؤلاء وغيرهم من الصحابة الكرام يعتبر من صميم التدين، وهو تعبير عن الغضب ضد مغتصبي السلطة المقدسة ، كما أنه تعبير عن محبة أصحاب هذه السلطة من آل البيت رضوان الله عليهم  ، وهو انتقام لهذه السلطة ولمستحقيها ، وهو في نهاية المطاف انتصار لله عز وجل حسب اعتقادهم ، لهذا يقبل أتباع المذهب الشيعي بنهم على لعن وسب وشتم  مغتصبي السلطة المقدسة ، ولعن  كل من لا يعتقد اعتقادهم ، وتكفيره أو اعتباره ضالا في أحسن الأحوال . ومعلوم أن العقيدة الشيعية أضفت على السلطة ذات الطابع السياسي عبر التاريخ البشري طابع القداسة ، وربطتها بالدين ، ونزلتها منزلة العبادة لقطع الطريق عن كل من تحدثه نفسه بامتلاكها أو الوصول إليها . ولقد سجلت كتب التاريخ الإسلامي ظروف نشأت الجدل الديني بسبب الصراع على السلطة بين الفرق الكلامية التي كانت بمثابة أحزاب سياسية في ذلك العصر يتصارع أصحابها من أجل إيجاد مبررات دينية لامتلاك السلطة . ويختلف  الفكر الشيعي عن غيره بالتعصب لفكرة قداسة السلطة ، واقتصارها على آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة . وهذا الإصرار أو التعصب  نتجت عنه قناعات معينة منها فكرة غيبة الإمام من آل البيت غيبة صغرى وكبرى ، وسد ولاية الفقيه مسد الإمام  الغائب حتى ينزل من السماء التي رفع إليها . ومن القناعات أيضا فكرة الانتقام لمقتل الإمام الحسين رضي الله عنه لأن مقتله يعتبر قتلا للسلطة المقدسة واعتداء عليها . وبالموازاة مع فكرة الانتقام توجد فكرة المناحة والحزن المستمر إلى قيام الساعة . وحرص  أصحاب العقيدة الشيعية على  استمرار المناحة على مقتل سبط النبي صلى الله عليه وسلم  الغرض منه هو أن تظل فكرة الانتقام موجودة عبر التاريخ ، وهي الوسيلة الموصلة  لتحقيق حيازة السلطة المقدسة ،وضمان استمرارها بيد الشيعة . ولقد ظل الشيعة في كل عصر يعيدون  بعث الحياة في مأساة الحسين رضي الله عنه ، ويجدون في كل عصر من يمثل الشهيد ومن يمثل قتلته . ولا غرابة أن تسجل وسائل الإعلام في عصرنا خطابات سياسية لقادة شيعة يضمنونها فكرة إحياء مقتل الإمام  بصراحة كما حدث مع الرئيس العراقي السابق نور المالكي الذي قال بالحرف : " إن الحسين رضي الله عنه لا زال موجودا ، وأعداء الحسين لا زلوا موجودين "، الشيء الذي يعني أنه وحشده الشعبي الشيعي يمثلون استمرارا للحسين رضي الله عنه وأن أعداءهم يمثلون قتلة الحسين رضي الله عنه . ونفس الخطاب يسوقه الولي الفقيه في دولة إيران ، وحليفه في لبنان  حسن نصر الله ، وحليفه في اليمن  عبد الملك الحوثي ، وحلفاؤه في  بعض البلاد العربية التي توجد فيها طائفة شيعية مثل مملكة البحرين . وهكذا تصير السلطة موضوع صراع بين الشيعة وخصومهم يضفي عليها الشيعة الصبغة الدينية المقدسة  ، ويلبسونها لباس سلطة الأئمة من آل البيت رضوان الله عليهم . وتحت ذريعة الدفاع عن السلطة المقدسة المهددة يخوض الشيعة حروبا في منطقة الشرق الأوسط . وتدخل دولة إيران التي توجد بها ولاية الفقيه النائبة عن الإمام الغائب غيبة كبرى في العراق وسوريا ولبنان واليمن تضفي عليه هذه الدولة القداسة الدينية والمشروعية من أجل حماية السلطة المقدسة والمحافظة عليها . وحين يماط القناع عن فكرة السلطة المقدسة عند دولة إيران الشيعية تطالعنا الحقيقة ،وهي كون هذه الدولة الدينية لا تختلف عن الدول غير الدينية في فكرة التوسع السياسي من أجل مصالحها السياسية والاقتصادية لضمان بقائها في عالم تقوم فيه العلاقات على أساس الصراع من أجل الوجود والبقاء . ولا تختلف فكرة التوسع الإيراني في دول الجوار العربي عن فكرة التوسع الغربي والروسي والصهيوني في البلاد العربية . فالصهاينة أيضا ينهجون نفس نهج الشيعة في إضفاء القداسة على السلطة ، فهم أيضا يعتقدون أن هذه السلطة يجب أن تظل في بني إسرائيل لأنها مرتبطة في اعتقادهم بالنبوة أيضا حيث كان  أنبياء بني إسرائيل ملوكا أي أصحاب سلطة ، ومنهم نبي الله سليمان عليه السلام . ولا غرابة أن تشبه مناحة اليهود على ملك سليمان  أو على السلطة المقدسة عند حائط المبكى في القدس الشريف مناحة الشيعة على السلطة المقدسة في كربلاء . ولا غرابة أن تشبه فكرة إعادة  بناء هيكل سليمان مكان المسجد الأقصى عند اليهود  وهو رمز استعادة السلطة  المقدسة فكرة إعادة السلطة المقدسة عند الشيعة في كل الأقطار الإسلامية. وكما يخوض الصهاينة حربا مقدسة  من أجل السلطة في اعتقادهم يخوض الشيعة أيضا حربا مقدسة في اعتقادهم لنفس الغرض .وكما يستفز الصهاينة خصومهم الفلسطينيين عن طريق التحريض على اقتحام المسجد الأقصى ،فإن دولة إيران تستفز خصومها بتحريض أتباعها على اقتحام المقدسات وترسلهم  إليها كما حدث مؤخرا في  العراق . ولقد اقتحم مؤخرا آلاف الرعايا الإيرانيين  واللبنانيين أرض العراق دون  جوازات سفر للوصول إلى كربلاء والنجف  لاعتقادهم أنها أماكن ترمز لسلطتهم المقدسة تماما كما يفعل  المستوطنون الصهاينة في المسجد الأقصى لاعتقادهم أنه رمز سلطتهم المقدسة . ولما كان هدف الشيعة هو السلطة السياسية في الباطن والسلطة المقدسة في الظاهر كما هو حال الصهاينة، فإن الغاية عندهم تبرر الوسيلة ، لهذا تخوض دولة إيران الشيعية حربا في سوريا إلى جانب نظام البعث الدموي  ضد الشعب السوري الرافض لاستبداده وإلى جانب القوات الروسية لأن مصالحها مرتبطة  بوجود وبقاء واستمرار هذا النظام . ولا تختلف إيران في هذا عن روسيا فلكليهما مصالح في بقاء هذا النظام واستمراره . ودولة إيران ودولة روسيا لا يعنيهما بقاء نظام حزب البعث في حد ذاته بل تعنيهما مصالحهما ، لهذا تحاولان تسعير الحرب في سوريا  لخوض المفاوضات مع الدول الغربية على أساس ضمان هذه المصالح ، وبالتأكد من ضمنها سيكون نظام حزب البعث قربانا، وهو ما تدل عليه مؤشرات في الآونة الأخيرة . والخطورة في التوسع الشيعي المشابه للتوسع الصهيوني في الوطن العربي هي اعطاؤهما بعدا دينيا له ، وإضفاء صبغة القداسة على السلطة . فشعار الصهاينة المعروف ب : " أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل " وهو الحيز الذي يمكن من الهيمنة الصهيونية على العالم كما كان الحال زمن ملك نبي الله سليمان عليه السلام ، يقابله شعار مماثلة للشيعة  تستبيح بموجبه دولة إيران الوطن العربي برمته من المحيط إلى الخليج  ، ومن المؤشرات الدالة على ذلك بث  أتباعها في طوله وعرضه من أجل توظيفهم  كرموز للحسين رضي الله عنه حيث تأمرهم باستفزاز خصومهم  بكل أونواع التجاسر طلبا للاضطهاد، ورغبة في إيجاد ذريعة التدخل لنصرتهم كما هو الحال في اليمن وفي البحرين . ولا يخلو بلد عربي من خلايا شيعية نائمة تتحين الفرص لتنشط ، ولتعطي دولة إيران مبرر التوسع في البلاد العربية من محيطها إلى خليجها  بذريعة صيانة السلطة المقدسة . وتقوم دولة إيران بتأليب الجاليات العربية الموجودة في البلاد الغربية على أنظمة بلدانها حيث تتلقى هذه الجاليات فكرا شيعيا وتنقله إلى بلدانها كما ينقل الوباء من أجل التمهيد لنشره، ومن ثم التمهيد للتدخل الإيراني بذريعة نصرة الطوائف الشيعية المضطهدة . ولقد بدأت بعض العناصر الشيعية في البلاد العربية تطالب بحرية الاعتقاد ،كما هو الشأن في المغرب ، وبالاعتراف بها تمهيدا للزحف الشيعي الإيراني ، تماما كما هو الشأن بالنسبة لزحف الدول الغربية التي تتخذ من العناصر التي  تحمل فكرها   كالعناصر العلمانية ذريعة للتدخل في البلاد العربية . وكما توظف الدول الغربية العناصر العلمانية لاستفزاز أنظمة بلدانها  العربية من أجل استدراجها للصراع ،واتخاذ ذلك وسيلة للتدخل بحجة الدفاع عنهم ، فإن دولة إيران توظف أتباع عقيدتها  لنفس الغرض لتبرير تدخلها في  البلاد العربية . ولا شك أن إسقاط  قناع دولة إيران، والكشف عن أهدافها التوسعية ، وتجريد أطماعها من لبوس القداسة سيحد من أطماعها ، ولن يتأتى ذلك إلا بمقارعة فكرية يتولاها علماء الأمة للتحذير من تطرف الفكر الشيعي كما كان الحال عبر التاريخ الإسلامي .

وسوم: العدد 644