صَفَّ .. يَصُف .. اصطفافا

يمكننا أن نقول أن الاصطفاف هو عملية توحد الصفوف من أجل تحقيق هدف ما

الاصطفاف في الصلاة هي عملية رص الصفوف من أجل أداء الصلاة خلف إمام واحد .. قد يكون في الصف الواحد مختلفين في المذاهب ، وبالطبع يكون فيه مختلفين في الفكر والثقافة والقناعات ، بل قد يكون في الصف متخاصمين أو حتى أعداء .. ومع كل ذلك يقفون في صف واحد خلف إمام واحد

ننتقل خطوة للأمام .....

هناك صَفٌ قائم بالفعل ، وقد بدأت الصلاة ، وقال الإمام للصف استووا ، ثم يدخل مجموعة أفراد إلى المسجد .. هل يجوز أن يصفوا خلف إمام آخر ويؤدون نفس الصلاة ؟ .. العلماء يقولون أنه لا يجوز  

سؤال آخر .. هل يجوز أن تدعو الجماعة المتأخرة الصف القائم أن يحلوا اصطفافهم ليصفوا معهم جديد ؟ .. الإجابة القاطعة أيضا .. لا يجوز

ننتقل إلى خطوة أخرى...

قامت ثورة كان الجميع فيها مصطفين برغم اختلاف توجهاتهم ، ثم انفضت الثورة بفعل ثورة مضادة ، ثبت فريق على مكانه مصطفا خلف إمام ، اختاروه باقتراع حر  ، وبذلوا من دمائهم وأمنهم ما بذلوا .. في حين خرج كثير عن صف الثورة وآثروا السلامة ، وقرروا أن الثورة ذهبت مع الريح

بعد حين .. اكتشف الخارجون عن صف الثورة أنهم خُدعوا .. وتنادوا أن أقيموا صفوفكم لاستئناف الثورة ، ونادي البعض على الفريق المصطف  أن تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ، وهيا لنقيم صفا جديدا ..ودار خلاف بين الفريقين ..

قال الصف المتأخر للصف القائم : حلوا صفكم وتخلوا عن إمامكم .. وهذا شرطنا كي نصطف معكم من جديد .. فرد الصف القائم : لن نحل صفنا ولن نتخلى عن إمامنا وصفنا قائم ومن أراد أن يصطف معنا فلينضم للصف دون شروط   .. واحتدم الخلاف

وعند هذه النقطة طرح البعض هذا السؤال .. ماذا لو ؟ 

لو أطاع الفريق المصطف الفريق المتأخر وحلوا صفهم وتخلوا عن إمامهم فماذا ستكون النتيجة ؟ .. التجارب تقول أنه إذا فعلوا ذلك لانفرط العقد ، وفقدوا قوتهم ، وذهب ريحهم

ولو أطاع الفريق المتأخر الفريق المصطف واصطفوا خلف إمام هم له كارهون لتوحدت الصفوف حتى يحققون الهدف ( الهدف هنا قد يكون إتمام الصلاة ، أو إتمام الثورة ، أو إسقاط المستبد ) .. يقول علماء الفقه أن الصلاة خلف إمام هم له كارهون صحيحة سواء كرهوه عن حق أو عن غير حق  

وبعد هذا الطرح .. لنفترض أنه قد اجتمع بعض العقلاء من الفريقين لمناقشة الخلاف ، ومعهم أحد الحكماء المحايدين ، والهدف هو الوصول لحل وسط يرضى جميع الأطراف .. واستحضر الجميع اجتماع سقيفة بني ساعدة

قال ممثل الفريق المتأخر  : نجتمع معا بلا إمام كما كنا سابقا .. فرد ممثل الفريق المصطف :  إذن تتشتت الرؤى ويدب الخلاف ، وقد أوتينا من قبل لما لم تكن لنا قيادة  

فقال ممثل الفريق المتأخر :منا إمام ومنكم إمام  .. فرد ممثل الفريق المصطف: وإذا اختلف الإمامان فكيف تصير الأمور

ثم عقب : يرشح كل منا إماما ونجرى عليه اقتراعا .. فرد ممثل الفريق المتأخر : عددكم كبير وسوف يكون منكم الإمام لا محالة

وعند هذه النقطة من الخلاف تدخل الحكيم فقال : حسما للخلاف يجرى الاقتراع فإذا جاء الإمام من فريق يكون الصف الأول من الفريق الآخر

وهنا قبل البعض من الفريق المتأخر ، ورفض البعض الآخر وما لبثوا أن انسحبوا ، فنادي عليهم الجميع أن ابقوا معنا في الصف ، فأبوا وخرجوا ، فتبعهم البعض ليثنوهم ، فنادي عليهم الحكيم : دعوهم فلو  كان فيهم خيرا لعادوا ، وإن كانوا شرا فقد كفاكم الله شرهم وتلي قول الله تعالى : " لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ " التوبة 47

وسوم: العدد 645