مستشار بن زايد...ولقطة قريبة بعد زيارة أردوغان للسعودية

Reaction shot"، أو لقطة رد الفعل، هي أحد الاصطلاحات الفنية التي تُطلق على اللقطات القريبة أثناء التصوير، وتُبرز ردود الأفعال التي تعبر عنها الملامح، وتكشف عن روح الشخصية ومزاجها وحالتها النفسية.

تخيلت هذه اللقطة لوجوه كثيرة بدا عليها الامتعاض والتوتر إزاء الزيارة التي قام بها أردوغان إلى المملكة العربية السعودية، فظهر ما تُخفي القلوب في لحن القول، ونضحت الأواني بما حوته.

أحد الذين تخيلتهم في اللقطة القريبة، كان الأكاديمي الإماراتي "عبد الخالق عبد الله"، مستشار ولي العهد"محمد بن زايد"، وذلك أثناء مطالعتي لتغريداته التي علّق بها على استضافة الملك سلمان، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتي كانت حلقة هامة في سلسلة التقارب السعودي التركي، ونتج عنها تشكيل مجلس تعاون استراتيجي بين البلدين.

مستشار بن زايد، ترجم زيارة أردوغان على أنها سعي وراء المال الخليجي لمواجهة ما وصفه بركود الاقتصاد التركي.

الكاتب والأكاديمي السعودي أحمد بن راشد، ردَّ على تغريدات عبد الخالق عبد الله، بالمختصر المفيد، حيث قال: "أردوغان ليس كصاحبك في مصر..يدوّر الرز".

تعليق مستشار بن زايد، ينمُّ عن حقيقة سياسة الحكومة الإماراتية التي لا تعرف سوى لغة المال في سياساتها الخارجية، فبعد أن أصبح تمويل أبو ظبي للانقلاب العسكري في مصر أمرا واضحا لا يختلف عليه اثنان، تواترت التقارير والأخبار التي تكشف تسييس المال الإماراتي لخدمة طموحات بن زايد في المنطقة، منها تقرير "ميل أون صنداي" في أكتوبر الماضي، والذي تناول وثائق مسربة تكشف توقيع حكام الإمارات عقدا بقيمة 60 ألف استرليني شهريا مع مؤسسة "لوبي" اسمها كويلار كونسلتانتس، بهدف الترويج لسياسات الإمارات، واتهام قطر بدعم الإرهاب.

الأرز ليس في السعودية وحدها أيها المستشار، وأردوغان كان أحوج ما يكون إلى هذا الأرز في فترة التعثر السياسي قبيل الانتخابات المبكرة التي اكتسح فيها العدالة والتنمية، عندما ارتفعت الأسعار وهبطت البورصة وبات شبح الركود الاقتصادي يطرق الأبواب بقوة، لكنه مع ذلك لم يبحث عن الأرز كغيره.

وكأنها أمنية في صورة تحليل سياسي صدرت من مستشار بن زايد، حيث توقع دون إبداء أسباب تُذكر، موت هذا التحالف الاستراتيجي بين السعودية وتركيا، فقال: "مجلس تعاون استراتيجي تركي سعودي فكرة جيدة، لكن تحويله إلى الواقع صعب، وربما سيكون مصيره كمصير مبادرات سياسية طموحة وحالمة عديدة ولدت لتموت".

يا سيادة المستشار، المبادرات الطموحة لا تموت إلا وهناك طرف أو آخر يريد لها الفشل والموت، هي أشبه بالحياة الزوجية، لا تزول أزماتها إلا برغبة مشتركة في الإصلاح {إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما{.

أما التلاعب والدسائس، والضرب تحت الأحزمة، فحتما يفسد تلك المبادرات ويقتلها، فحدِّثنا عن التحالف ضد الحوثيين - الذي شاركت فيه بلدك ودفعت ببعض فلذات أكبادها لأتون المعارك التي خاضها - لماذا تعثر؟

صحيفة فورين أفيرز الأمريكية نشرت أكتوبر الماضي أن مصر والإمارات وراء تأخر تحرير تعز لرفضهما تسليح المقاومة الشعبية لأن قائدها من الإصلاح الإخواني.

القدس العربي ذكرت في 14 أغسطس أن سبب توقف آليات الجيش والمقاومة عن تعزيز تعز هو اعتراض إماراتي مدعوم من أمريكا وبريطانيا.

فلتخرجوا علينا ولتكذِّبوا هذه التقارير المتلاحقة بحقائق وأدلة تدحضه، قدّموا لنا تفسيرا وجيها لاستضافتكم الزعيم اليمني الجنوبي سالم البيض، أهو سعي لفرض أجندة إماراتية في اليمن يتم بموجبها تقسيمه؟

في نهاية تغريداته، لم ينس مستشار بن زايد، وضع حتمية للاصطفاف، وهي أن السعودية ينبغي لها السعي باتجاه الاتحاد الخليجي لا التحالف مع تركيا، فقال: "ما لنا غير بعض، ومن المهم الدفع نحو الاتحاد الخليجي، وليس البحث عن مجالس تعاون وهمية".

إنها من الكلمات التي تفجر الضحك والبكاء معا، ففكرة الانتقال من شكل التعاون الخليجي إلى الاتحاد، لطالما نادت بها السعودية، لكن حكم المشايخ ظل أسير هواجس الهيمنة السعودية، ومخاوف تحلل وذوبان الدول الخليجية في المملكة.

كلمة "ما لنا غير بعض" هي والله أملنا وحلمنا جميعا، لكن ينقصها الترجمة وبرهان الواقع والعمل.

ثم إنني أتساءل: لماذا يضع المستشار تركيا في المواجهة والمقابلة، هل هي حتمية للتقارب مع السعودية أن تُحجّم الأخيرة علاقتها بتركيا؟

لكن من الواضح أن السياسة الخارجية للإمارات تحولت تحولا جذريا منذ غياب الشيخ خليفة بن زايد، وتصدّر أخيه المشهد، وليتنا نعي الأخطار التي تتهدد أمتنا، ونلتفت إلى العدو الحقيقي، وندع التخوين والشقاق، فكأننا كما قال الشاعر نزار قباني: "هزمنا، وما زلنا شتات قبائل تعيش على الحقد الدفين وتثأر".

وسوم: العدد649