لوْ كان (زهران علُّوش) مِن "تغلِب" ما استبيح دمه!
عندما اغتيل القائد الشيشاني (شامل باساييف)؛ قلتُ عنه: لوْ كان باساييف من "تميم" ما انتهكتْ حرمته! وعندما اغتيل الشيخ (أحمد ياسين)؛ قلتُ: لوْ كان الشيخ/ ياسين من "عبْس" ما تجرأ أحد على تصفيته! وعندما اغتيل (عبد العزيز الرنتيسي)؛ قلتُ: لوْ كان الرنتيسي من "ربيعة" لتحول الليلُ إلى نهار!
وبعدما اغتيل قائد جيش الإسلام بسوريا (زهران علوش) بدمٍ بارد؛ أراني أصرخُ قائلاً: لوْ كان (علوش) من "تَغلِب" ما استبيح دمه على أيدي قذارة الأرض "الروس"!
* * *
أجــل؛ لوْ كان (علوش) من "تَغلِب" لاحترقت روسيا عن آخرها قبل طلوع الفجر!
نعــم؛ لوْ كان (علوش) من "تَغلِب" لاقتُلِعتْ روسيا من على ظهر الأرض!
فما أحوجنا –في هذا الزمان- إلى فتوة "بني تغلِب" وشهامتهم، كَيْ نذيب طبقات الجليد الذي تراكم على مشاعرنا منذ عقودٍ بعيدة ... منذ أن استوردنا أسلحتنا من الروس والأمريكان!
أثناء الطواف بالبيت؛ سمعتُ من يقول: اللهمَّ ارزقنا فتى كعنترة، أوْ عمرو بن كلثوم!!
فتعجبتُ من قوله؛ وزجرته قائلاً: ألاَ ترى سوى هؤلاء الجاهليين؟!
فتبسَّم، وقال: اقرأ التاريخ؛ ثمَّ اسألني!
لمَّا قرأتُ التاريخ؛ أدركتُ فحوى دعواه، وأدركتُ أنَّ هذا (الحاج) أفقه من حجَّ واعتمر!
فلوْ كان بيننا عمرو بن كلثوم (فتى بني تغلب) ما تجرأ الروس على اغتيال علوش!
لوْ كان بيننا عمرو بن كلثوم؛ ما صال وجال الروس والأمريكان في بلاد الشام!
لوْ كان بيننا عمرو بن كلثوم؛ ما حكم الأمةَ الأقزام، والخدم، والعبدان، والغلمان!
لوْ كان بيننا عمرو بن كلثوم؛ لاستردَّ حقوقنا السليبة، وأعاد لنا كرامتنا!
لوْ كان بيننا عمرو بن كلثوم؛ ما هانت حرائر الشام، والعراق، وفلسطين، وأخواتهن!
لوْ كان بيننا عمرو بن كلثوم؛ لاقتحم حصون "حيفا" و"يافا" ودكَّها على مَن فيها.
ولِمَ لا؟! فعندما كان (عمرو بن كلثوم) حياً؛ كان العرب الأُمة الوحيدة التي تُعاتِب المَلِك الجبّار بسيوفها إذا صَعَّر خده للناس!
إنه منذ سسبعة عشر قرناً من الزمان؛ ولاتزال سيرة (عمرو بن كلثوم) يتردد صداها هنا وهناك .. وأخباره في حرب البسوس معروفة، حيث أبلى فيها بلاءً حسناً، واشتُهِر بأنه أعظم فُتّاك العرب، حتى ضُرِبَ به المثل، فقيل: أفتك من "عمرو بن كلثوم"!
لعلَّ معلقة عمرو بن كلثوم (التي بلغتْ تسعمائة بيت كما يقول ابن جِنِّي والثعالبي والجرجاني) تكشف عن مدى مبلغ العرب في الفخر بالأنساب والأحساب، ومدى فروسيتهم وشجاعتهم التي لم تعرف الدنيا لها مثيلا!
* * *
(عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتَّاب التغلبي) كانت أُمه "ليلى" بنت مهلهل –الزير سالم كما أُطلِق عليه– وأخو كُلَيْب، قد نشأ في قبيلة تغلب شمال الجزيرة العربية، وساد قومه وهو ابن خمسة عشر عاماً، وقاد الجيوش مظفراً، لم يشتهر إلاَّ بمعلقته هذه، التي قامت له مقام الشِّعر الوفير لحسن لفظها، وانسجام عباراتها!
أمَّا عن قصة قتله للملِك عمرو بن هند –ملك الحيرة- فيروى أن هذا الملِك قد وصل به الكِبْرُ والجبروت إلى أنه أراد إذلال العرب جميعاً، فقال لندمائه ذات يوم: هل تعلمون أحداً من العرب تأنفْ أُمه من خدمة أُمي؟ فقالوا: لا نعلم إلاَّ "ليلى بنت مهلهل". قال: ولِمَ ذلك؟ قالوا: لأنّ أباها "مهلهل بن ربيعة" وعمها "كُليب بن وائل" أعزّ العرب. وزوجها "كلثوم بن مالك بن عتَّاب" أفرس العرب. وابنها "عمرو بن كلثوم" سيد قومه. فأرسل الملِك إلى عمرو بن كلثوم يستزيره ويطلب أن يزير أمه .. فلما كانت أمه عند أُم الملك (وأُم المَلِك هي هند عمّة امرئ القيس الشاعر) قالت أُم الملك لها: يا ليلى ناوليني ذلك القدح. فردّت عليها: إن صاحبة الحاجة هي التي تقوم إلى حاجتها، فلما ألحَّتْ عليها؛ صاحتْ ليلى: وا ذلاّه يا تغلِب .. فسمعها ابنها عمرو بن كلثوم، فثار الدم في وجهه، فقام إلى سيف معلّق في الرواق، فضرب به رأس المَلِك. ثم قام ومن معه، فسار نحو ديار القبيلة .. وهو يقول بأعلى صوته:
أبا هِنْدٍ، فلا تعجل علينا= وأنْظِرْنا نُخَبِّركَ اليقينا
بأنَّا نُوردُ الراياتِ بِيضاً=ونُصدرهنّ حُمراً قد رَويِنا
ورِثْنا المجدَ، قد عِلمت مَعَدّ=نُطاعن دونه حتى يبينا
نُطاعِن ما تراخَى الناس عنَّا=ونضرب بالسيوف، إذا غُشِينا
بأىِّ مشيئةٍ عمرو بن هند=ترى أنَّ نكون الأرْذلينا
بأىِّ مشيئةٍ عمرو بن هند=تطيع بنا الوُشَاةَ وتزدرينا
تُهدِّدنا وتوعِدنا، رُوَيْدًا=متى كنّا لأُمّكَ مَقْتَوِينا؟
وإنَّ قناتنا يا عمرو أعيتْ=على الأعداء قبلكَ أنْ تلينا
فهل حُدِّثْتَ عن جُشَمِ بن بكر=بِنَقْضٍ في الخُطُوب الأولينا
ورِثنا مجد عَلْقَمَةَ بن سَيْفٍ=أباح لنا حُصُون المجد دينا
ورِثْتُ مُهَلْهِلاً، والخَيْرَ منه=زُهَيْراً، نعم ذُخر الذاخرينا
وعَتَّاباً وكُلْثُوما جميعاً=بهم نِلنا تُراث الأكرمينا
وذا البُرَةِ الذي حُدِّثْتَ عنه=به نُحمَى، ونَحمْىِ الْمُحْجَزِينا
ومنّا قِبَلةُ الساعى كُلَيْبٌ =فأيّ المجد إلاَّ قد وَليِنا
متى تُعْقَد قَرِينَتُنَا بحبلٍ =تَجُذّ الحبل أو تَقِص القريِنا
فكُنَّا الأيمنين إذا التقينا=وكان الأيسرين بنو أبينا
فصالوا صَولةً فيمن يليهم=وصُلْنا صولة فيمن يلينا
فآبوا بالنِّهاب وبالسبايا =وأُبْنا بالملوك مُصَفّدينا
إليكم يا بنى بكرٍ إليكم=أَلَمَّا تعلموا منا اليقينا
ألَمّا تعلموا منا ومنكم=كتائبَ يطَّعِنَّ ويرتمينا
نقود الخيل دامية كُلاها=إلى الأعداء لاحِقَةً بُطُونا
ورِثناهن عن آباء صدقٌ=ونُورِثها إذا متنا بنينا
وقد علِمَ القبائل غَيْرَ فخر=إذا قُبَب بأبْطَحِها بُنينا
بأنّا العاصمون، إذا أُطِعْنا=وأنّا الغارمون، إذا عُصِينا
وأنّا الُمنْعٍمون، إذا قَدَرْنا=وأنّا المهلكون، إذا أُتِينا
وأنّا الحاكمون بما أردنا =وأنّا النازلون بحيث شينا
وأنّا التاركون لما سَخِطنا =وأنّا الآخذون لما هَوِينا
وأنّا الطالبون، إذا نَقَمْنا=وأنّا الضاربون إذا اْبتُلِينا
وأنّا النازلون بكل ثَغْرٍ=يخاف النازلون به الْمَنُونا
ونشربُ إنْ وَرَدْنا الماء صفواً=ويشربُ غيرنا كَدَرًا وطينا
ألاَ سائل بنى الطَّمَّاح عنّا=ودُعْمِيًّا فكيف وجدتمونا
متى ننقل إلى قومٍ رَحَانا=يكونوا في اللقاء لها طحينا
على آثارنا بِيضٍ حسانٍ=نحاذِر أن تفارق أو تهونا
إذا ما المَلْكُ سام الناس خَسْفاً =أبينا أن نقرّ الخسْف فينا
ألاَ لا يَجْهَلَن أحد علينا=فنجهل فوق جهل الجاهلينا
كأنَّا، والسيوف مُسَلَّلات=ولدنا الناس طُرًّا أجمعينا
ملأنا البر حتى ضاق عنّا =كذاك البحر نملؤه سفينا
إذا بلغ الفِطامَ لنا رضيعٌ=تخرُّ له الجبابرُ ساجدينا
لنا الدنيا، ومن أضحى عليها=ونبطش حين نبطش قادرينا
معذرةً (زهران علوش) فليس في أمتك مَن يثأر لك؛ فقد مات عمرو بن كلثوم!
معذرةً (زهران علوش) فأمتك شُلَّتْ فوارسها، ونُكِّستْ راياتها.
معذرةً (زهران علوش) فلا يوجد بواكي لك في أمتك المثخنة بالجراح!
معذرةً (زهران علوش) فأمتك الكسيرة؛ يحكمها الطلقاء والسفهاء والعملاء!
معذرةً (زهران علوش) فأمتك يقود زمامها الروس والمجوس والصهاينة!
معذرةً (علوش) فأمتك قد غرقتْ في أوحال الفكر الوهابي الظلامي والتكفيري!
معذرةً (علوش) فأمتك تمزقتْ إلى سبعين ألف فِرقة؛ كلها مضروبة بالنعال!
معذرةً (علوش) فأمتك تتسوَّل طعامها ودواءها من خصومها، وألدّ أعدائها!
* * *
لكن الأهم؛ هنيئاً لك يا (زهران علوش) بسكنى منازل الشهداء!
واعلم أنَّ "الأمَّة" ستعود حتماً؛ تصديقاً للإباء الإلهي: (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ)!
وسترتفع رايات الشام خفَّاقة، أو كما تمنَّى لها نزار قباني، قائلاً:
والخيل تبدأ من دمشق مسارها وتشدُّ للفتح الكبير ركاب!
والحب يبدأ من دمشق فأهلنا عبدوا الجمال وذوبوه وذابوا
والدهر يبدأ من دمشق وعندها تبقى اللغات وتُحفظ الأنساب!
ودمشق تعطي للعروبة شكلها وبأرضها تتشكَّل الأحقابُ!
وسوم: العدد649