قبل الانتخابات

كان في الحَر من إقدامه، والحُر من أعلامه، يفخر بما عنده من سوي النهج، وما لديه ولدى خلانه من الوهج، وكان وهو في الأوج من الحماس، يلهب مشاعر الناس كل الناس، فيرفعون أصواتهم بالإجلال والإكبار، ويهتفون بحياة الزعيم المؤيد المختار، الذي ملأ الدنيا بأفكاره، وشغل الورى بأذكاره وأنواره، وكان وهو يستمع إلى هذا الهتاف، الذي ملك منه الشغاف، يزداد إعجابا بذاته وصفاته، ويفرح بما أتاه من النصر من صحبه ولداته. ألم يبلغ من ذيوع الصيت مبلغا عجيبا، ويحقق من الشهرة ما رآه قريبا؟ ألم يقنع الناس كل الناس بما قدم من البرامج، وما سيحققه إن فاز من الحوائج.؟

لقد كان يخطب في الناس كل الناس خطبه المشهورة، ويعد الناس كل الناس بالأرزاق الموفورة،  فلا راد، إذن، لما يعلنه من الأحكام، طويت الصحف وجفت الأقلام، ولا محيص عما ينوي فعله من التغيير، بعيدا عن مواسم التطبيل والتزمير. أليس منهجه ما يسلك من الإبداع، وما يحيط به دعوته من الإقناع؟،  فلينظر الناس كل الناس إلى ما فعل السابقون، ولينظروا إلى ما سيفعله اللاحقون، وليقارنوا بين ما عنده من الأعمال المرفوعة، وما عند غيره من الأقوال المصدوعة، فسيجدون ،إن هم قارنوا، الفارق، وفارق بين السوابق من الأفعال واللواحق، فليدخلوا، إذن، فيما يُجري من الدعوة، وما يقدمه، وهم الغافلون، من الصحوة، فلعلهم يجدون، إن دخلوا، من أمرهم يسرا، ويحصّلون، إن عجلوا، رزقا وذخرا، فإن لم يفعلوا فعليهم ما يستحقونه من سوء المصير، وخاب من أساء الاختيار في اليوم العسير.

 كان الرجل يبذل من الجهد ما لا طاقة له به، وهو يبلغ الناس كل الناس مباهج خطابه، وكان ينظر ذات اليمين وذات الشمال، وهو يوزع الوعود فيما لديه من الحال والمآل، حتى إذا ظن أنه الفوز المبين، وأنه صاحب المنزلة الكبرى باليقين، أظهر ما أخفاه من الميل الذي جبل عليه، وليس له حين الحسم إلا أن يعود إليه.

وتلك طبيعة من أراد الحكم، فكان الحكم من نصيبه، ونادى في المهرجان أن الحل بيده ومن غريبه، فكان ما كان مما يذكره الناس كل الناس، إذ رأوا فيه المنقذ من كل شيطان خناس، وكان أن اتبعوه وهو يعدهم المزيد من الخيرات، فيما هم فيه من الحياة وبعد الممات، وكان أن صعد إلى ما كان يرومه من الحكم، كما صعد إلى المنبر في أيام قضاها في أعذب الحلم، وأيقن الناس كل الناس أنهم بالمقام الأفضل ماكثون،  وأنهم في حياة من اليسر لا يفنى لابثون.

وتلك فرحة من ينخدع بمعسول الكلام، ولا يتعظ بما رآه من غدراللئام. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب وصلى الله على محمد وعلى أبويه إبراهيم وإسماعيل وسائر النبيئين وسلم تسليما.  

وسوم: العدد 650