انتقاد رئيس الحكومة المغربي هل هو كلمة حق وعدل أم تحامل وتصفية حساب؟

لا يخلو النقد أن يكون عادلا أومتحاملا . ولا ينتقد المنتقد حين ينتقد دون خلفية  أو مصلحة صريحة أو مكنية على حد تعبير البلاغيين  . ولا أعتقد أن رئيس حكومة مغربي  من قبل قد ناله النقد الذي نال رئيس الحكومة الحالي حتى صار انتقاده حديث الشارع اليومي . وإذا كان انتقاده يجمع  بين منتقديه فإن خلفياتهم ومصالحهم شتى . ولقد بدأ انتقاده منذ أول وهلة أعلن فيه نجاحه ، وكان من طرف منافسيه في الأحزاب، ذلك أن نجاحه جاء في خضم حراك الربيع العربي ضد  فساد الأنظمة ، وكانت انتكاسة الأحزاب التي سبق لها حكم البلاد مع الأنظمة المنتفض ضدها  صفعة شعبية لها لأن فشلها كان بمثابة شهادة الشعب على أنها كانت على صلة بالفساد الذي من أجله قامت حركة 20 فبراير ومسؤولة عناه أيضا  . ولقد كانت الأنظمة العربية من المحيط إلى الخليج تتوجس من حراك الربيع العربي بعدما عاينت ما آل إليه مصير بعض الحكام الذين فر منهم من فر ،وسجن من سجن ، وقتل من قتل، الشيء الذي جعل هذه الأنظمة تحاول الانحناء لعاصفة شعوبها كل على طريقته وحسب ظروفه . وخلاف باقي حراكات الربيع العربي  في الوطن العربي تميز حراك المغاربة بالهدوء كما اختلف موقف النظام المغربي عن مواقف باقي الأنظمة العربية الأخرى حيث تجاوب بشكل إيجابي مع الحراك، فبادر إلى الاستجابة لمطالب الحراك وعلى رأسها تغيير الدستور ليكون مسايرا لطموح الشعب وانتظاراته في حين واجهت أنظمة أخرى شعوبها المناهضة للفساد بالحديد والنار، فكان ما كان من سفك للدماء، وهتك للأعراض ،واستباحة للكرمات والأموال ،وكان الويل والثبور وعواقب الأمور ، ووجدت نار الطائفية المقيتة الحطب الجزل  لتشتعل في حالة الفوضى العارمة التي أعقبت حراكات بعض الشعوب العربية . في هذا الظرف جاء فوز حزب رئيس الحكومة ذي التوجه أو الخلفية الإسلامية كحزب الحرية والعدالة في مصر ، وحزب النهضة في تونس ،فأصاب الهلع الأنظمة العربية والأحزاب التي كانت تشاركها الحكم ،وحتى الغرب بالرغم من هيمنته على العالم العربي ، وتدخله السافر في شؤونه . في هذا الظرف بدأ انتقاد فوز حزب رئيس الحكومة ، وانطلقت حملة التخويف من ظاهرة فوز الأحزاب ذات المرجعية أوالخلفية أو التوجه الإسلامي . وأخذ البعض عندنا يتساءل هل ستفرض اللحى على ذكورنا والنقاب على إناثنا ، وستغلق  الخمارات ،وتمنع الشواطىء  وغير ذلك مما يعتبر مخالفا للتوجه الديني . ومنذ هذه اللحظة نشأ الانتقاد المتحامل  على حزب العدالة والتنمية من طرف الأحزاب التي خسرت الانتخابات أمامه ، وكانت هي مصدر التخويف من هذا الحزب ، وهو تخويف تم تصديره وإشاعته في المواطنين. ومعلوم أن مراهنة الشعب المغربي على هذا الحزب ذي الخلفية الإسلامية  كانت  بمثابة تعبير واضح عن رفض الفساد  نظرا لعلم ويقين هذا الشعب  بموقف الإسلام من الفساد . واشتد انتقاد الأحزاب لحزب العدالة والتنمية المغربي عند نكبة حزب الحرية والعدالة المصري  حيث أجهز العسكر على التجربة الديمقراطية في مصر بتخطيط وإيعاز من الغرب  ومن أنظمة عربية كانت تتوجس من عدوى  حراك الربيع العربي . ولقد بادر بعض زعماء الأحزاب عندنا بالمطالبة  بنكبة حزب العدالة والتنمية المغربي، وحزب النهضة التونسي على غرار نكبة حزب الحرية والعدالة المصري . وكان حزب العدالة والتنمية يومئذ وفي ظرف الانقلاب العسكري في مصر قد أثار قضية محاربة تماسيح وعفاريت الفساد  التي كان المغاربة ينتظرونها على أحر من الجمر ، والمغاربة على علم تام بهذه العفاريت والتماسيح، فلم يجد رئيس الحكومة بدا من طي صفحة فساد العفاريت والتماسيح مستفيدا مما وقع في مصر، وأطلق عبارة : " عفا الله عما سلف " وهو ما خيب آمال من كانوا ينتظرون نهاية عفاريت وتماسيح الفساد . ووجد خصوم رئيس الحكومة الفرصة سانحة للنيل منه  بسبب ذلك . ومن المفارقات أن الذين روجوا لخطاب التخويف من فرض الإسلام لحية وزيا ، ومنعا للخمارات والشواطىء والمهرجانات... صاروا ينتقدون سكوت الحكومة على المهرجانات والخمارات والشواطىء، الشيء الذي يؤكد بشكل واضح تحامل الانتقاد . وأما الإرث الثقيل للفساد الذي لا ينكر أحد أنه كان المحرك لحراك 20 فبراير ، والذي واجه الحكومة الحالية  لم يجد رئيسها بدا من السير على نهج " عفا الله عما سلف " ،الشيء الذي استعدى عليه الرأي العام حين أخذ  يقدم حلولا للمشاكل  الاقتصادية على وجه التحديد ،والتي تراكمت من قبل ، وصارت في حكم التركة الثقيلة ، وكان الرأي العام يرى  هذه الحلول تصب في غير صالحه ، وتخدم نهج " عفا الله عما سلف "، الشيء الذي يجعل تماسيح وعفاريت الفساد الذين كانوا وراء الإرث الثقيل يفلتون من المحاسبة  والمتابعة ، ولا يرجعون ما سطوا عليه وكان سطوهم  وراء الأزمة الاقتصادية الخانقة التي اضطرت رئيس الحكومة إلى اتخاذ قرارات يعتبرها الرأي العام جائرة في حق الشعب الذي تحرك من أجل مناهضة الفساد ومحاربته. ولنضرب مثالا على هذه القرارات، وهو مثال معالجة التقاعد الذي اقترح رئيس الحكومة أن يزيد في سنوات الخدمة ، وفي قيمة الاقتطاعات ، وينقص من قيمة التقاعد ، وهو ما أصبح يسمى الظلم المكعب . وكان هذا القرار سببا في سد باب التوظيف أمام فئة الشباب ،وهي التي قادت حركة 20 فبراير، كما كان تنفيذا لتوصيات صندوق النقد الدولي . ولقد كان بإمكان الرأي العام المغربي أن يقبل قرار رئيس الحكومة  في معالجة إشكالية التقاعد بثالوث الغبن  لو أنه استرجع مال صندوق التقاعد، وساق الذين اختلسوه إلى المحاكمة إلا أن انتهاجه سياسة " عفا الله عما سلف "  جعلت معالجته  تشجيعا وسكوتا على الفساد في نظر الرأي العام . ولا يمكن الشك في نية رئيس الحكومة الصادقة في محاولته إنقاد صندوق التقاعد مستقبلا من الإفلاس  انطلاقا من المعطيات المقدمة له من طرف المشرفين على هذا الصندوق ،وهم بطبيعة الحال على علم بمن  أوصله إلى الإفلاس إلا أن حسن نيته لا يبرر قراره المجحف في حق الضحايا المتقاعدين والمتساهل في المقابل  مع المتسببين في إفلاس صندوقهم .  وعلى غرار معالجة مشكل صندوق التقاعد جاءت معالجة مشكل التوظيف خصوصا في قطاع التربية حيث لجأ رئيس الحكومة مضطرا بسبب ضغوط صندوق النقد، وضعف ميزانية الدولة إلى تقليص مناصب الشغل . وعوض الاكتفاء بعدد معين من هذه المناصب ليكون النجاح في مباراة ولوج مراكز تكوين مهن التربية عبارة عن فوز بمناصب شغل كما كان عليه الوضع من قبل ،اخترع فكرة فصل التكوين عن التوظيف مع تخفيض منح التكوين إلى النصف، وهو ما اعتبره الطلبة الأساتذة ظلما مركبا كظلم التقاعد المكعب .  ولم يعرف المغرب من قبل ما عرفه في عهد رئيس الحكومة الحالي من مظاهرات ووقفات احتجاجية بسبب قراراته التي يراه الرأي العام مكلفة بالنسبة إليه ، ومتجاوزة بشكل مجاني عن المسؤولين عما آل إليه الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد . ويركب خصوم رئيس الحكومة السياسيون كل المظاهرات والوقفات الاحتجاجية للنيل منه كما نال منه أول مرة قبل أن يباشر عمله بسبب مرجعية حزبه السياسي الدينية ونظرا لكونه سحبه البساط من تحت أقدامهم في الانتخابات .وكان آخر ما ركبه الخصوم حادثة تعنيف الطلبة الأساتذة ، وقد وجدوا فيها ضالتهم لإطلاق حملات انتخابية قبل الأوان من أجل الانتقام لكرامتهم الحزبية المجروحة في  تنافس انتخابي سلبه منهم حزب رئيس الحكومة.ومن عجائب انتقاد رئيس الحكومة ،والذي لا يخلو موقع من مواقع التواصل الاجتماعي أو صحيفة من الصحف من صور كاركاتورية ساخرة منه أن بعض منتقديه من خصومه السياسيين يتمنون  إمساك السماء لتكون سنة فلاحية جافة من أجل التشفي منه لأنه اعتبر السنة الفلاحية الماضية سنة يمنا و بركة كانت لصالح سياسته، وهو يواجه وضعا اقتصاديا صعبا . ومن العجب أيضا أن يتمنى خصوم رئيس الحكومة الجفاف في الوقت الذي يستسقي فيه الناس رب العالمين ، وقد سخروا من صلاة الاستسقاء نكاية فيه . ويسخر الخصوم أيضا من رئيس الحكومة  حين يتحدث عن استتباب الأمن في فترة رئاسته في حين انفلت الأمن في كثير من البلاد العربية، بل يوجد من الخصوم من يريد قدح زناد حراك عشرين فبراير من جديد نكاية فيه على غرار النكاية فيه بالجفاف دون التفكير في عواقب هذا القدح ، وإن بعضهم يريد أن يجعل من الطلبة الأساتذة ما جعله التونسيون من الشاب البوعزيزي الذي أحرق نفسه احتجاجا على الفساد والظلم ،وكان قربانا لينجح الحراك التونسي ضد الفساد . ولا يستبعد أن  يتخذ من الطلبة الأساتذة قربانا لتحقيق رغبة خصوم رئيس الحكومة السياسيين . وليس من العدل ألا تحسب لرئيس الحكومة حسنة واحدة أمام حجم السيئات التي تحسب عليه  يوميا ،الشيء الذي يؤكد غلبة انتقاد التحامل على الانتقاد والموضوعي والنزيه  ، علما بأن انتقاد التحامل يصدر عن عين سخط تبدي المساوىء  كما قال الشاعر ، وهي في حالة الرضا عن كل عيب كليلة ، وهو انتقاد لم يعد مقتصرا على المشتغلين بالسياسة بل ساهم فيه حتى بعض  المحسوبين على الدعوة والدين من الذين كانوا يشيعون  من قبل بين الناس أن التصويت لصالح حزب رئيس الحكومة  واجب ديني ومسؤولية سيسألون عنها أمام الله عز وجل ، فصاروا اليوم يعلنون البراءة منه للتحلل من شهادة الأمس التي هي في حكم شهادة الزور باعتبار براءتهم اليوم من رئيس الحكومة ،وهي براءة تفتقد إلى البراءة وإن صرح أصحابها أنهم يريدون  بها وجه الله مع أن حالهم ينسحب عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نفى عن الزاني وشارب الخمر والسارق الإيمان حين يزنون  أو يشربون، أو يسرقون، وقد نفى الإيمان أيضا عن رابعهم  وهو الناهب نهبة ذات شرف  في قوله صلى الله عليه وسلم : " ولا ينهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن " فالمحسوبون على الدين من الذين يجارون خصوم رئيس الحكومة  في النيل منه إنما نهبوا نهبة شرف الإشهار والإعلام، وقد رفع الناس فيها أبصارهم إليهم ، وسارعت بعض مواقع التواصل الاجتماعي  إلى نقل انقاد بعضهم لرئيس الحكومة للطعن في خلفيته وخلفية حزبه الإسلامية ، وهو ما يمد خصومه  السياسيين بما ينتقدونه به  نقدا واضح التحامل ومكشوف العلة والسبب وهم يستشهدون بقول الله تعالى  : ((وشهد شاهد من أهلها)) . وأخيرا قد يقول قائل إنني من حزب رئيس الحكومة أو من المتعاطفين معه ممن يخفون انتماؤهم ، ولست كذلك ، كما أنني لا أشتغل بالسياسة بل أنشد الحقيقة  والعدل والإنصاف ، ولا أبرىء رئيس الحكومة ولا حكومته بل كنت أول من أنكر عليه شعار : " عفا الله عما سلف " ،وإن كنت أقدر موقفه، وأعتقد لو أنه  مد يده إلى تماسيح وعفاريت الفساد  والسطو لكان مصيره مصير الرئيس المصري محمد مرسي، وقد حوله تآمر المفسدين من رئيس شرعي منتخب بطريقة ديمقراطية إلى زعيم جماعة إرهابية  بقدرة قادر. وليعلم بعض المحسوبين على حزب رئيس الحكومة ممن يدعون الاشتغال بالدعوة والدين ، والذين انقلبوا عليه بعد الولاء له  لو أن رئيس الحكومة ـ لا قدر الله  ـ نكب نكبة الرئيس المصري  مرسي  بسبب خلفية حزبه الإسلامية  لكانوا أولا الضحايا لأنهم محسوبون على حزبه ، ولكانوا ضحايا التصفية الجسدية أو خلف قضبان السجون والمعتقلات الرهيبة  كما هو حال الدعاة في مصر . ولقد كان عليهم  أن يجمعوا في انتقادهم لرئيس الحكومة بين ما له وما عليه، وأن يقسطوا في حكمهم وقد أوكل أمر الإقساط إلى المشتغلين بالدعوة والدين وهم ممن ينتسب إليهما والله أعلم بخائنة أعينهم وما تخفي صدورهم .

وسوم: العدد 651