الجيش والحرس الثوري الإيراني اليد على الزناد
لن يتوجه الإيرانيين بقوة وبكثافة إلى صناديق الاقتراع يوم 26 فبراير المقبل، للتصويت في انتخابات مجلس الشورى والخبراء كما طالب بذلك علي خامنئي ، والسبب أن هناك غضباً لم يسبق له مثيل على سياسات النظام البائسة التي وصلت إلى حد إقصاء الخصوم المحتملين ، ومحاولة إبعاد الذاهبين إلى التغيير في شكل النظام الإيراني .
لا شك بأن الانتخابات القادمة سوف تجعل الوضع الداخلي الإيراني على صفيح ساخن بين الولي الفقيه الذي مله الشعب نتيجة لما تمتع به من سلطات مطلقة أعادت البلاد للقرون الوسطى ، وبين طموحات الشعب الذي تم الحجر على أهليته ومنعه من اختيار من يمثلونه بحرية . ومنذ ثورة العام 1979، كان ارتفاع مستوى المشاركة بالانتخابات هو الذي يقيس شرعية النظام الإيراني .
في الأيام الأخيرة، احتدم الصراع وزادت الهوة بين مؤسسات صنع القرار والشعب الإيراني ،والذي يعكس معركة الدولة والثورة ضد قطاعات الشعب ، وليخرج على الملأ بعد رفض "مجلس صيانة الدستور" المحسوب على خامنئي طلبات أكثر من 60% من المرشحين المحتملين البالغ عددهم نحو 12.500 شخص. ومن بين 3.000 من الإصلاحيين الذين تقدموا بطلبات لترشيح أنفسهم، تم رفض معظمهم دون إبداء الأسباب
الجميع دخل على الخط للتعليق على ما يجري ، فالرئيس حسن روحاني أعلن صراحة وكعادته بشكل مهذب أنه وإذا كان أحد الأجنحة ويقصد المحافظ بات ممثلاً من خلال مرشحيه للمشاركة في الانتخابات وآخر مستبعد ويقصد الإصلاحيين غير ممثل فعلياً، فما فائدة إجراء الانتخابات ؟. الأمر المثير بالمقابل أن هناك تيار بدأ يشير صراحة إلى خطورة عودة تيار الفتنة إلى إيران أكثر من أي وقت مضى ، ويتحدث عن مؤامرة دولية تستهدف النظام واستقرار الدولة الإيرانية برمتها، وتطالب بإعلان الأحكام العرفية ، ووضع الجيش والحرس على أهبة الاستعداد ، وأن تكون اليد على الزناد في إشارة واضحة إلى المأزق الذي باتت تعيشه إيران .
المضحك أن دعوة خامنئي الشعب الإيراني للمشاركة بشكل واسع في هذه الانتخابات على اعتبار أنها واجب ديني ، وضرورة المشاركة بكثافة في الانتخابات قد جوبه بموجات من السخرية والسخط من جانب مواقع التواصل الإيرانية ، وأطلقوا حملة الموت لطالبان إيران ، في إشارة إلى المرشد وأعوانه ، وتسائلوا هل بقي نظام في العالم يُقبل المسئولين فيه يد قائده على اعتبار أنها يد مقدسة ، وهل بقي شعب في العالم يركع لقائده كما فعل آية الله محمد تقي مصباح يزدي على اعتبار أن خامنئي النائب المقدس لإمام الزمان الذي بدأ الشعب الإيراني يشكك بوجوده أصلاً .... ويسألون هل هذه هي إيران التي نريد ، وعن أي انتخابات مزورة مسبقاً يتحدثون ، وقد تم اختيار مرشحي النظام بين المتخلف والأكثر تخلفاً في إشارة إلى المتشدد والأكثر تشدداً. أو كما وصفت أحد المقالات أن المنافسة في انتخابات مجلس الشورى والخبراء ستكون بين مرشحي الجناح المحافظ وبين مرشحي الحرس الثوري الإيراني .
لكن ما سر هذا التشدد الإيراني في فرز المرشحين بعد رفع العقوبات الدولية ؟ وبالمقابل ما هو تأثير الانفتاح على الغرب على النظام الاقتصادي والثقافي الإيراني ؟ يشترك الجناح المحافظ والحرس الثوري مجتمعين في طرح هذا السؤال ؛ فا الحراك الداخلي الإيراني بدا يستشعر مخاوف النظام البالغة من خلال عقدة التطبيع مع الغرب خصوصاً في المجال الثقافي والاقتصادي ، والتنبيه من خطورة الانفتاح على الشركات والاستثمارات الغربية، بعد أن تقدمت شركات ماكدونالد وكي اف سي ومجموعة ستار بكس بطلبات للحصول على رخص بغرض فتح سلسلة مطاعمها ومقاهيها في أنحاء إيران ، والخشية من أن هذا الانفتاح سيؤدي إلى التأثير بشكل خطير على منظومة القيم ، وإنشاء منظومة من العلاقات وشبكة من المصالح التي تدعم الأجنحة الداعمة للانفتاح في إيران، كما أن النظام يدرك تماماً هشاشة وضعه الداخلي ، وقدرة هذه الشركات والاستثمارات الكبيرة على التأثير في المصالح الاقتصادية لرجال الدين والحرس الثوري الإيراني ، وبالتالي إحداث تغيير في بنية الاقتصاد والثقافة والسياسة الإيرانية ، ما يجعلها تشعر بمخاوف كثيرة، الأمر الذي استثار قادة الحرس والمستفيدين من داخل النظام الإيراني للاستنفار واطلاق حملة مسعورة ضد هذا الانفتاح ، والتحذير من تبعاته المدمرة على المجتمع الإيراني ، والحديث عن مخططات دولية للتدخل بشكل واسع لتغيير مسار الانتخابات الإيرانية وحرفها عن مسارها .
أما الزاوية الأخرى لخوف النظام من الجانب الثقافي ؛ فيتمثل بالهوس والتعطش الخاص بالشعب الإيراني لكل ما هو أجنبي فكل من يقابل اليوم شخصاً إيرانياً لاينفك الا ويعبر له عن توقه لنموذج العيش الغربي، بشكله الثقافي والسياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي.
وهنا تبرز عقدة خوف النظام الإيراني من فعل التأثير الغربي على البناء الاجتماعي والثقافي على الإيرانيين وعلى الشعوب الأخرى القاطنة في إيران ، و التي تنضوي بشكل غير موحد تحت حكم الولي الفقيه الذي يحكم بالحديد والنار ، من هنا لم يعد الإيرانيين يؤمنون به ولا بسلطته ، لهذا كانت وجهة نظر رفسنجاني العاجلة و القاضية بإجراء عملية تعديل على هذا المنصب ، لخلق عملية تكييف تضمن بقاء استمرار النظام الإيراني والإطالة بعمره .
بالمقابل فإن السماح للجميع بالترشح للانتخابات دون ممارسة سياسة الإقصاء والحذف ؛ معناه خسارة رجال الدين المكروهين شعبياً لمواقعهم ، وهذا الأمر برز نتيجة أمور عده من أبرزها احتقار الشعب الإيراني ونظرته الدونية لرجال الدين ، بحيث أصبحت كلمة مُلا أو أخوند ومعناها رجل الدين مرادفة للكذب والخداع والنفاق والسطو على المال في العقلية الجمعية الإيرانية ، والتي أصبح للشعوب القاطنة في إيران ثأراً تاريخياً معها مع وصول نسل الثورة إلى الجيل الثالث والرابع ؛ لهذا لم يعد رجال الدين قريبين من الناس بحكم مشاركتهم بشكل مدمر في خراب مؤسسات الدولة الإيرانية من خلال المواقع التي شغلوها . الميزة الثانية -وهي ربما الأهم- أن رجال الدين احتكروا استخدام السلطة منذ الثورة الإسلامية ولغاية الآن على اعتبار أنهم انتقلوا من مرحلة البشر إلى مرحلة القداسة ، وهذا الأمر مثل حالة الاستخفاف بعقول الناس التواقين لإقصاء رجال الدين من المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي . الميزة الثالثة : أن رجال الدين الممسكين بمقاليد السلطة في إيران باتوا نموذجًا مبتذلاً لمعاداة التطور والحداثة خوفاً على مصالحهم والامتيازات التي حققوها.
المعلومات والمؤشرات القادمة من الساحة الداخلية الإيرانية تؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك بأن الانتخابات القادمة سوف تنتج نظامًا سياسياً أبرز ملامحه اختطاف رجال الدين والحرس الثوري بشكل شبه كامل بعد مجزرة الإقصاء التي مارسها خامنئي وأعوانه ، لكن سياسة (اليد على الزناد )التي يُهدد بها المرشد المقدس سوف ترتد عليه ؛لأنه لم يُدرك بعد أن الثورة وقيمها قد انتهت، وأن إكرام الميت دفنه .
د.نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية
وسوم: العدد 654