الإسلام في أفريقيا الحلقة العاشرة
عبيد الله بن الحبحاب والياً على أفريقيا
كان عبيد الله هذا متعصبا لجنسه فداهن العرب دون البربر والأفارقة، رغم ما اشتهر عنه من حسن الإدارة، وما تحلى به من نشاط وحيوية وفطنة، ولكن تحيزه السافر للعرب أشعل نار الثورة عند البربر، وأدى ذلك بالتالي إلى فتنة عامة في المغرب.
لقد قام عبيد الله بأعمال جليلة تذكر له، فقد اهتم باستكمال بناء تونس، فأنشأ دار صناعتها، وأنشأ كذلك جامع تونس المشهور بجامع الزيتونة.
وكان عبيد الله والياً على مصر والأندلس إضافة إلى المغرب، مما جعل ولايته تمتد من (رفح) إلى المحيط الأطلسي، وهذا بالتالي جعله عاجزاً عن إدارة هذه المناطق الواسعة الشاسعة التي تقطنها أجناس وأعراق متباينة العادات والتقاليد ومختلفة الألسن واللهجات، فنراه في المغرب يحتفظ لنفسه بإفريقية، ويولي ابنه إسماعيل منطقة السوس، وقد أشرك معه عمر بن عبد الله المرادي، في حين أقام على السوس الأقصى حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع ، وولى الأندلس عقبة بن الحجاج السلولي.
وقام هؤلاء بإطلاق العنان لأنفسهم في الاستبداد بأهل البلاد من بربر وأفارقة، فكان عمر بن عبد الله المرادي يستخدم البربر في جيشه، دون أن يعطيهم نصيبا من الغنائم بحجة أن ذلك أخلص لإيمانهم، أما حبيب بن أبي عبيدة فقد قام بغزوات كبيرة في جنوب المغرب الأقصى، حتى وصل إلى مشارف إفريقية المدارية، وعاد بغنائم وسبي كثير، ولم يعط البربر أي نصيب من هذه الغنائم.
وثار البربر على هذا التعصب العرقي للولاة ولأولي الأمر، واعتبروا أن ذلك مخالف لروح الإسلام والدين الذي اعتنقوه، وقد سعى أحدهم وهو (ميسرة المدغري) من بربر (برغواطة) الزناتيين ممن فقه الإسلام وتربى عليه في حل سلمي يعيد الحق إلى نصابه، فذهب هذا على رأس وفد من البربر إلى دمشق لعرض الأمر على الخليفة، ولكن هذا الوفد أخفق في مقابلة الخليفة فعاد إلى المغرب بخفي حنين، معوّلاً على الثورة بعد أن يئس من تحقيق العدالة.
وبدأت الثورة في إقليم الريف الذي يسمى بإقليم طنجة وانتشرت في قبائل برغواطة وغمارة ومكناسة، وهجم الثوار على عمر بن عبد الله المرادي وقتلوه وطردوا إسماعيل بن عبيد الله واحتلوا طنجة، ثم قام كل فريق من البربر بطرد من كان عنده من العرب، ثم أقام ميسرة على طنجة رجلا من الموالي الإفريقيين هو عبد الأعلى بن جريج الإفريقي، الذي توجه بقواته نحو القيروان لإخراج عبيد الله بن الحبحاب فأرسل هذا إلى حبيب بن أبي عبيدة يتعجل عودته، وكان قد خرج في حملة إلى صقلية، ولم يستطع ابن الحبحاب الانتظار فخرج بمن معه للقاء ميسرة.
وجبن ميسرة عن اللقاء وأراد الانسحاب، فقتله أنصاره، وأقاموا عليهم زعيما هو خالد بن حميد الزناتي، الذي قاد الثائرين واشتبك في معركة حامية الوطيس مع جند ابن الحبحاب وتمكن من قتل قائد جيشه خالد بن أبي حبيب ومعظم أمرائه، وانجلت المعركة عن هزيمة كبرى حاقت بابن الحبحاب، وقد سميت هذه المعركة بمعركة (الأشراف) لكثرة من قتل فيها من العرب.
وبعد إخفاق عبيد الله بن الحبحاب في تهدئة الأوضاع ثار عليه أنصاره في القيروان وعزلوه في جمادى الآخرة سنة (123هـ/740م)، وأرسل الخليفة هشام يستدعيه إلى دمشق.
وسوم: العدد 655