من لحرب هذا الزمان الطاحنة بحارث وهرم ؟

إزهاق الأرواح أعظم جرم عند واهب الحياة للإنسان جل في علاه . ولقد توعد سبحانه مرتكب هذا الجرم بأشد العذاب . ولقد كان أول سفك للدم في تاريخ البشرية حين بسط قابيل  ابن آدم يده ليزهق روح أخيه هابيل . ومنذ ذلك الحين توالت عملية إزهاق الأرواح الآدمية عبر التاريخ . وكانت الحروب بين بني البشر هي أخطر وسيلة لإزهاق تلك الأرواح . ويعلم الله عز وجل  كم سيكون عدد الأرواح البشرية التي أزهقتها الحروب بين بني البشر من بداية الزمان إلى نهايته ؟  وبالرغم من تطور الإنسان ،فإنه لا زال كما كان منذ بداية التاريخ البشري يتعاطى الحرب وهو يعرف حق المعرفة وبالها عليه . ولقد صارت الحروب بعد أن طور الإنسان أدواتها شرسة ومدمرة وحاصدة للأرواح البشرية بأعداد كبيرة لم تكن من قبل . وإذا كان مشعلو الحرب كثر ،فإن الذين يطفئونها قليل . وما أحوج البشرية اليوم إلى من يطفئها وقد كثر من يشعلها ويسعرها . ولقد كشف الله عز وجل في كتابه الكريم عن أمة معروفة بإضرام نيران الحروب، فقال سبحانه في محكم التنزيل إشارة إلى بني إسرائيل : (( كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين )) . ومعلوم أن إيقاد الحروب عبارة عن سعي للإفساد في الأرض . ولقد سجل التاريخ إيقاد اليهود للعديد من الحروب . وحروب هذا الزمان كلها من إيقاد اليهود . فلولا الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين لما كانت الحروب الطاحنة في الوطن العربي وخارجه . وبسبب هذا الكيان المحتل لأرض الغير بالقوة تنخرط كيانات متعددة في الحروب انحيازا له . ومن إطفاء الخالق سبحانه وتعالى للحروب التي يوقدها اليهود أنه يقيض من خلقه من يضع حدا لها عن طريق المساعي الحميدة بين المتحاربين. ولقد سجل التاريخ العربي القديم عملية إطفاء لحرب دامت لأكثر من أربعين سنة هي حرب داحس والغبراء التي اندلعت بين قبيلتين من غطفان هما عبس وذبيان ، وكانت ساحتها في منطقة نجد . وكعادة الحروب اندلعت حرب داحس والغبراء بين قبيلتين من غطفان ثم توسعت لتشمل قبائل أخرى مثل طيء وهوازن ... وهاهي حروب اليوم كما كانت حروب الأمس تندلع بين فريقين اثنين ثم تتوسع دائرتها فتشمل فرقا أخرى تنحاز لهذا الفريق أو ذاك . وقلما يوجد في زماننا من يسعى بين المتحاربين بالصلح . والذي جعل عمليات الصلح بين المتحاربين غائبة أو معطلة في هذا الزمان هو إصرار الذين يضرمون نيران الحروب على استمرارها لأن لهم فيها مآرب . وما أحوج العالم اليوم خصوصا المنطقة العربية إلى مثل الحارث بن عوف وهرم بن سنان ، وهما شخصيتان عربيتان تدخلا لوقف حرب داحس والغبراء، وتكفلا بدفع الديات ، وقد ورد ذكرهما في معلقة الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى  التي مطلعها :

ولقد تضمنت هذه المعلقة حديثا عن خطورة الحرب . وحري بإنسان هذا الزمان أن ينتبه إلى قول شاعر خبير بشرور الحروب عسى أن يتعظ ، ويدفع في اتجاه إطفاء نيرانها . ومما جاء في وصف شرور الحرب في معلقة هذا الشاعر الحكيم  قوله  مخاطبا أطرافها  المتعاركة :

فشرور الحرب في نظر الشاعر زهير خبر يقين لا خبر ظن، وذوقها إنما هو مكابدتها أو معاناتها ، وأنها ذميمة بشرورها ،وتشتد نيرانها إذا ما سعرت، فتطحن البشر طحن الرحى للحب  وتنثرهم فوق ثفالها ، وتحمل كما تحمل الناقة  فتلد مرتين في الحول  التوأمين ، وذلك كناية عن اتساع نطاقها وتناسل شرورها، وتلد غلمان الشؤم الذين يشبهون أحمرعاد وهو عاقر ناقة الله زمن نبي الله شعيب عليه السلام وكان هذا العاقر من قبيلة ثمود إلا أن زهيرا ذكر أنه من عاد لأن ثمود تعتبر عاد الثانية التي جاءت بعد الولى  لقوله تعالى : (( وأنه أهلك عادا الأولى )). ولقد جر عاقر الناقة على قومه عذاب الطاغية ،وهي الصيحة أو الرجفة أو صاعقة العذاب الهون كما جاء ذكرها في القرآن الكريم . وفي ذكر الشاعر غلمان الشؤم إشارة إلى الجيل الذي ينشأ في الحرب، فيكون وبالا على قومه . فها هي الحرب في بلاد العرب اليوم تعركهم عرك الرحى  وتلد فتتئم وقد أنتجت غلمان الشؤم وهم عصابات إجرامية تعيث في الأرض فسادا ، وقد اصطلى بنارهم العرب والعجم على حد سواء . وإن شؤمهم بات يهدد العالم بأسره . وإذا كان أحمر عاد قد عقر الناقة ،فإن غلمان الشؤم في هذا الزمان قد عقروا السلم العالمي وهم بذلك يجرون على العالم الويل والثبور وعواقب الأمور .  وما لم يوجد في هذا العالم البائس مثل الحارث وهرم فإن غلمان الشؤم ستحبل بهم الحروب وسيتكاثرون . فمن لهذا العالم بحارث وهرم اللذين قال فيهما الشاعر زهير :

ودق عطر المنشم كناية عن شدة وضراوة الحرب بينهما ،لأن المنشم عطر صعب الدق .  فمن يتدارك عبس وذبيان هذا الزمان ؟  ومن يمنعهما من  إفناء بعضهما؟  ومن يوقف دق عطر المنشم بينهما ؟  وما أشد بؤس عالم اليوم حيث صار من كان يفترض فيه أن يكون حارثا أوهرما هو من يضري نيران الحروب فتضرم . هاهو" بان كي مون" المستأمن على مجلس الأمن  ينفخ  ليضرم حربا في غرب الوطن العربي ـ لا قدرالله ـ  وقد اشتد أوارها في شرقه بتصريح كتصريح من أوقد نار  داحس والغبراء بين أخوين من غطفان هما عبس وذبيان . فها هو "بان "يريد إشعال داحس وغبراء هذا الزمان بين أخوين من العربان . وبقي أن ندين ما حدث في العاصمة البلجيكية مؤخرا من إجرام ، ومن قبل ما حدث في العاصمة الفرنسية ، وما حدث في العاصمة التونسية ، وما حدث في العاصمة المالية ، وما حدث في كل عاصمة أزهقت فيها أرواح بريئة على يد غلمان الشؤم كلهم  كأحمر عاد . وعلى العالم الذي علم الحرب  وخبرها ،وذاقها وبعثها ذميمة، وضراها فعركته عرك الرحى، ولقحت وأنتجت وتئمت أي جاءت بالتوأم على حد قول الشاعر زهير أن يبادر إلى إطفائها قبل أن تأتي على الأخضر واليابس، فتكون العاقبة طاغية كطاغية ثمود التي كان أحمرها شؤما عليها. ولقد أنشد زهير فهل من متعظ  ؟

وسوم: العدد 661