حين يبسط الظلام ضياه

سعيتُ إلى خلوة مع نفسي فنصبتُ خيمة تقليدية صغيرة...هربتُ إليها من الكتب والخواطر حرا ً طليقا ً من قيود العمل وقيود المنزل.. أشتم الهواء واتنشق عليل النسيم واملأ رئتي وناظري من جمال الليل .. جلبت قناديل زيت قديمة لكي تضيء المكان حيث أستشعر جمال الليل ، نظرتُ إلى أعلى حيثُ النخلُ الشامخات والجريد المتدلي..وهمست لنفسي .. يا جريد النخل العالي.. ميل وارمي السلام.

في روائع الليل وسحر ضياه، جلستُ في بستاني متأملأ في حنايا الكون الفسيح... حيث أستشعر بجمال الليل عظمة الخالق وأقرّ بحقيقة الوجود الإنساني.. أبحرُ بعيداً وقريباً داخل نفسي وخارجها.. في أنشودة نسيمات الليل سلاماً وأماناً واطمئناناً.......

تكلمت فرميت قافيتي..وتمايلت الكلمات فتمايل الشجر..... يالله ... ما أجمل الليل حين يبسط الظلام ضيـــــاه

في خيمتي التي شيدتها، ومن حولي وجنبي قناديل الزيت ترتعش كأنها شقوق مضيئة في الجو..لا تكشف الليل رغم ظلامه ولكن تكشف أسراره الجميلة.. لا تكشف الليل رغم ظلامه ولكن تلبس الظلام زينته النوارنيه فـتنكشف للإنسان أعماقه وأعماله وحقيقة وجوده تجاه ربه وإتجاه الإنسان.

ولكن ! يبقى هناك العديد من المسائل والقضايا التي تقف بيني وبين خلوتي وتلح علي.. طارحة تساؤلات مثل.........

قضية العنف الذي يعيشه الأطفال وما يشاهدونه من برامج غير موجهة فيها كثير من العنف والبعد عن الانسانية ...قضايا الأباء والأمهات الذين تركهم أولادهم في مهب الريح يعانون شيخوخة ومصاعب الحياة....قضايا المطلقات والأرامل اللواتي يعانين بسبب عادات وتقاليد أو رواسب تخلف... قضايا دراسة الشباب والقيود التي تفرضها الأسرة على خياراتهم.... قضايا الأيتام وكفالة المجتمع لهم وتقديم العون لهم وغيرها الكثير والكثير.

 يؤلمني أن يكون " كما قال الدكتورعلي الوردي" مجتمعنا مجتمعاً يخلق أسباب الفقر والعاهة من جهة ، ثم يحتقر المصابين بها من الجهة الأخرى، مما يطرح علينا واقعاً مريراً يسلتزم جهداً كبيراً لتغيير طريقة تعاطينا مع الأمور وتفعيل أطر جديدة للعمل والتواصل فيما بيننا.

والثقافة لا تكون لها مشروعية إلا في إطار طموح نهضوي عام، هدفه إقامة رؤية شاملة للواقع والمعرفة والإنسان وصولاً الى احداث تغيير في آليات التفكير... والحقيقة.. أي حقيقة في إطار ما نتحدث ستبقى كالإيمان ، والجمال ، والحب ، والخير ، والحق ، ونحن في حاجة لهذه الحقيقة في عصرنا و في كل عصرٍ حيث نبقى في حاجة الى أذهانٍ جديدة...تكون أداة.. تسلط الضوء..تنير الظلمة وتوضح أسباب الغموض والخفايا .

مع هذا كله.. يبقى الليل وسكونه فيه إنارة طريق لكل سائل غريق محتاج.. لكل عاشق محب يعطي لوجود الحياة سحرها وجمالها، وتعطيه الحياة فيما يُنسى ما لا يُنسى..والموسيقا بين ذلك تتّمُ من كل شيء معناه.. والبستان وما فيه من الأزهار يبقى جمالُ في جمال .. والليل وما فيه من ضياء يبقى  أنوارُ في أنوار.. والخواطر والأحلام والخيال تبقى في أشواقنا أشواقُ في أشواق..... و

ما زال في وجــــــداننا أشـــــواقُ          قلبٌ يدقُ وعاشـــــقٌ يشتـــــاقُ

ما زال فينا للأحبــــــةِ لهفــــــــةٌ           وحنينُ قلبٍ دمعـــــهُ رقـــراقُ

تصبحون على خير !