كي لا تنحرف البوصلة

في حقول التأملات الحانية مواسم أيضا، يترقبها من غلبته ملكة التفكر و يقف عندها من أخذت بلبه وظيفة النظر وينحني لها من عشق أصناف قراءة تتجاوز المألوف المحكوم بأبجديات كابحة، وترنو إلى ماهو أبعد من أسر التقليد.

التشبث بأجنحة القراءة والتحليق معا إلى الأفق البعيد تلك أم الوظائف ومن تهمس له نفسه بالحد منها و تقييدها أو لجمها وإقعادها قعود العجز والضعف يرتكب جريمة لاتنازعها في الخطورة جريمة..

قراءة الأحداث في كلياتها حينا، و في جزئياتها حينا آخر، ودمج هذا بذاك أحيانا وتغيير وتبديل مواضعهما ليسبق هذا ذاك ويتقدم ذاك على هذا.. عملية ذكية يتحقق باستمرارها خلق آخر، و ينجلي المشهد ليبدو أكثر وضوحا.

في درس بليغ على صفحة السماء، بخطوط لونها قوس عابر لتاريخنا البشري قرأت إن من يتخلى عن المبدأ ويدور في فلك الأشخاص يضل..

من يتجاوز القيمة ويركز على فرقة أو جماعة يغرق، يكفي أن نخطىء أول حرف ليختل ميزان الكلمة وينحرف معناها، يكفي أن نؤسِسَ على خطأ كي يُحكم على الآتي من مسارنا بالتيه..

ذوباننا في الفرق والأشخاص والجماعات هو اختيار واختبار.. اختبار لحجم إيماننا بما تنزل علينا من وحي، واختيار يحدد مستوانا وتصنيفنا.

فأي شيء قادر على وصفك وتصنيفك كاختيارك!؟

أن تختار الوقوف مع فرقة أو جماعة أو أشخاص فقد أدخلت نفسك في دائرة مغلقة، واغتالك الأَسر وصرتَ مقيداً من أمامك سد ومن خلفك سد تحجب بصرك غشاوة كثيفة.

فلم يحفل الحق يوما بمن اختار أن يغلق على نفسه أقفاص الأدوات، أيغيب عنّا أننا أدوات؟! بأشخاصنا بتنظيماتنا بهياكلنا أدوات لتحقيق القيم وإنجاز الأفعال التي ترفعنا إلى مستوى تلك النفخة الإلهية فينا و تقربنا من المبدأ..فعجيب، أيخون أحدنا تلك الروح الإلهية التي تحرره وتحييه وينبري يقدس أدوات صنعها ثم يدعي أنه يعبد الواحد الأحد!

إنما تشكيل التنظيمات والجماعات هو طريقة تتناغم فيها الحركة وتتسق في إطار جميل، فإن هي تمردت على المبدأ باعدت بينها وبين ماصُنِعت لأجله!

ولا ينبغي أن يملأنا الشعور بأن من تشكلت بهم المجموعات يصبح من حقهم توزيع صكوك الغفران فيما بينهم، قد لايكون هذا في حسبانهم وهم يفعلون هذا، لكن آدمية مختلطة بطين الأرض كثيرا ما تجعلنا نفقد السيطرة على البوصلة فتنحرف وتجرفنا وراءها فيما نعيش وَهمَ كوننا ما زلنا على السراط المستقيم!

فكيف السبيل؟

أن نغرس الحرية في أعماقنا، فلا نقبل باستدراج غير استدراج المبدأ، أن نتجاهل الفاعلين و نركز على الفعل، أن لانكترث إلا بالمشروع المطروح، هذا يبقينا خارج السدود و يمنحنا نعمة رؤية مايحدث حقيقة، وينزع عنا غشاوة تعمي عقولنا فتجعلنا في قابلية للانجراف.

قال لنا سيد الحكماء إن السمو والنصر يكون في رد يد الظالم، كي يستتب العدل و يأتي النصر..

أما البوصلة المنحرفة فترسل لنا تراتيل مزيفة من صنف التمس لأخيك عذراً، دافع عنه فهو مجتهد أخطأ، ابحث له عن مبررات، واجعله فوق العقاب.

في لاوعينا صناديق سوداء كثيرة يجب أن تفتح وإلا فإن دروبا حالكة الظلمة ما تزال أمامنا.

“وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لايبصرون"