هكذا تخدم إيران مشروع "إسرائيل"
دائماً أؤكد، وسأبقى أردد، أن ملالي إيران لو لم يكن لهم حكم في إيران؛ لأوجدتهم "إسرائيل"، وصنعت لهم وطناً يحكمونه مهما كان الثمن؛ لأنه لا يوجد من خدم المشروع الصهيوني بتفانٍ في المنطقة العربية مثل المشروع الصفوي.
هذا ليس كلاماً للاستهلاك وحشو المقالات، أو أننا نرميه على عواهنه لإشباع رغبات حاقدة على منظومة الحكم الملالية التي أشعلت الفتن في المنطقة، وتسببت في مقتل وتشريد وتعذيب واختفاء وتهجير الملايين من العرب والمسلمين.
لسنا ممن لا يعدلون حتى مع ألدّ خصومهم، والعدل هو ما نصبو إليه دوماً وأبداً، حيث إن العدالة هي الميزان الوحيد الذي يخدم قضيتنا كمسلمين، دينهم يدعو إلى الإنصاف في كل شيء، ويرفض الأهواء مهما كان المبرر والمنطلق والغاية.
إن وجود إيران كدولة متطرفة دينياً وعرقياً، وتخندقها الشعاراتي تحت مسمّى "المقاومة" ضد الكيان العبري، هو أول خدمة قدمها الملالي لـ "إسرائيل"، التي تتطلع إلى أن تكون دولة يهودية دينياً وعرقياً، ووجودها وحيدة بهذه الصفة في منطقة تتصارع معها، وتراها مجرد سرطان في عمق العالم الإسلامي، لن يكون في صالحها، خصوصاً أمام حلفائها في الغرب.
لقد وجدت "إسرائيل" ضالتها في إيران التي يحكمها معمّمون دينياً، يتوشحون بالسواد على غرار سواد حاخامات الصهيونية، وزاد الأمر تطوراً مع ظهور كيان آخر وهو ما يعرف بـ "داعش"، الذي بدوره جعل من السواد لون دولته، أو "خلافته" كما يسمّيها.
إن المخيال البشري في العالم الذي قد يرفض دولة دينية يهودية، ستكون له قابلية، مع تعدد هذا الأمر ما بين كيان صفوي، وآخر داعشي أخرجتهما للوجود منظومة استخباراتية واحدة، وأعتقد أن هذا هو الهدف المستقبلي الذي حرص عليه خبراء الإستراتيجية الصهيونية، التي يجتمع على رسمها رجال دين وعلماء في الاجتماع، ورجال مخابرات وسياسة، وغير ذلك.
يجري العمل على صناعة كيانات ممهدة للكيان اليهودي من خلال هذه الحروب التي تقسم الشعوب العربية والإسلامية على أسس طائفية وعرقية ودينية، وقد تؤدي إلى نشوء دويلات جديدة تخدم الأطروحة الصهيونية مستقبلاً، فهذه كردية والأخرى علوية، وشيعية، سنية، درزية، مسيحية.. وغير ذلك من الأعراق والطوائف والديانات والمذاهب التي تعجّ بها المنطقة.
إن المتتبع لدهاليز السياسة الإسرائيلية سيصل حتماً إلى قناعة تامة في أن المخابرات الصهيونية تعمل على تفتيت المنطقة إلى دويلات لا قوة لها، وتتناحر فيما بينها عرقياً وطائفياً ومذهبياً ودينياً وقومياً وغير ذلك.
وهذا سيحقق لـ "إسرائيلً هدفين أساسيين:
الهدف الأول:
ضعف الدويلات المحيطة بالكيان الصهيوني، حيث لن تعود لها قوة يمكن أن تهدد مستقبلاً "إسرائيل"، والتي حتماً ستبقى القوة الوحيدة في المنطقة، ولا ينافسها أي طرف آخر مهما كان لونه ونوعه.
حتى إيران بحد ذاتها، بعد نهاية دورها المرسوم لها، ستخضع إلى تفتيت كيانها من خلال الشعوب غير الفارسية المحتلة، والتي تريد تقرير مصيرها، وأيضاً بصراعات أخرى تسبب الملالي في صناعتها بحكمهم المتطرف والمتسلط، فالعقلية الصهيونية لا تقبل أن ينافسها أحد، ولو كان من أقرب حلفائها.
الهدف الثاني:
الصراعات القائمة في المنطقة لن تكون عربياً وإسلامياً من جهة، و"إسرائيل" من جهة أخرى، بل ستجري لعشرات السنين ما بين الدويلات والكنتونات الجديدة، التي ستبقى تتناحر على الحدود والنفوذ والثروات، وسيغذي هذا تلك النعرات الطائفية والمذهبية والدينية والقومية والعرقية التي ساهمت مساهمة فعالة وأساسية في تفتيت الأوطان العربية، وإعادة هيكلتها وفق منظومة تخدم المشروع الصهيوني.
بلا أدنى شك أنه إلى جانب ما ذكرنا، فإن الحروب التي أشعلتها الطائفية الإيرانية المتمددة في عمق العرب والمسلمين عبر نشر التشيّع خاصة، حققت الكثير من المكاسب الاقتصادية إلى جانب المكاسب الجغرافية والجيواستراتيجية التي أشرنا إلى بعضها من قبل، وفي عدة مقالات أخرى.
لقد كشف تقرير صادر عن وزارة الدفاع الإسرائيلية في مطلع شهر أبريل/نيسان الجاري، أن مبيعات السلاح الإسرائيلي خلال العام الماضي بلغت نحو ستة مليارات دولار، بارتفاع عن عام 2014 الذي بلغ نحو مئة مليون دولار.
وأوضح المراسل العسكري لصحيفة "هآرتس" غيلي كوهين –حسبما نقله موقع الجزيرة نت- أنه بسبب أزمة اللاجئين في أوروبا، وزيادة الهجمات المسلحة فيها؛ فقد ارتفعت مبيعات الأسلحة من "إسرائيل" إلى تلك القارة، وتركزت المبيعات في الذخيرة والطائرات بدون طيار.
كما نقل المراسل عن تقرير وزارة الدفاع، أن هناك انخفاضاً في مبيعات السلاح الإسرائيلي إلى أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، مقابل ارتفاعها إلى أوروبا وأميركا الشمالية.
من جهة أخرى، قال المراسل العسكري لموقع "أن آر جي" يوحاي عوفر: إن "إسرائيل" نجحت في الحفاظ على موقع متقدم في الصناعات العسكرية على مستوى العالم، وتم تصنيفها في الموقع العاشر، وهو ما يشير إلى بروز تحديات جديدة وإنجازات جوهرية، وفقاً لمعطيات نشرتها دائرة التصدير العسكري في وزارة الدفاع.
ومن أهم الوسائل القتالية التي صدّرتها "إسرائيل" نحو العالم تظهر التكنولوجيا الحربية، والمعدّات الإلكترونية، ووسائل حماية المواقع العسكرية، وأجهزة الاستخبارات والتنصت، إضافة إلى الوسائل الدفاعية الجوية، والمعدات البحرية.
وأوضح عوفر: أن هناك جملة من المعطيات التي أثرت في ارتفاع وتيرة التصدير العسكري لـ "إسرائيل"، يتمثل أهمها في تدهور أسعار النفط وأسعار العملات، ما أدى بصورة عامة إلى تقليص الموازنات العسكرية حول العالم، مشيراً إلى أن التقديرات بأن تحافظ "إسرائيل" العام الحالي 2016 على النسبة ذاتها من عقود المبيعات العسكرية.
أما رئيس قسم التصدير العسكري في وزارة الدفاع الإسرائيلية، الجنرال ميشال بن باروخ، فأكد أن الصناعات العسكرية الإسرائيلية حققت نجاحات واضحة من خلال عقود البيع، والاتفاقيات المشتركة في جميع أنحاء العالم.
وأوضح باروخ: أن ذلك أسفر عن حالة من الاستقرار في التصدير العسكري الإسرائيلي، بفضل -ما اعتبرها- التطويرات المتواصلة للصناعات العسكرية، ولا سيما التجديد الحاصل في التكنولوجيا التابعة للجيش الإسرائيلي.
وأظهرت المؤشرات العسكرية في التقرير السنوي لهذا العام 2016 أن دولاً أوروبية عديدة اعتمدت طوال السنوات الماضية على التكنولوجيا الأمريكية والإسرائيلية في استيراد الطائرات بدون طيار، لكن هذه الدول قررت تغيير إستراتيجيتها، وافتتاح عهد جديد في صناعاتها العسكرية، ومنها ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، التي قررت إنتاج طائرات بدون طيار خاصة بها، ستكون قادرة على دخول الخدمة العسكرية عام 2025.
كما اكتسب سلاح القناصة الإسرائيلي، من طراز "دان 0338"، سمعة عالمية غير مسبوقة عقب بيعه لوحدات النخبة البريطانية.
سوق السلاح عموماً هو أكبر من استفاد من الحروب القائمة في المنطقة العربية، حيث إنه توجد شركات لصناعة الأسلحة كانت مهددة بالإفلاس، غير أنها انتعشت، وحققت أرباحاً طائلة خلال خمس السنوات الأخيرة، أي منذ اندلاع الثورات الشعبية التي تحول بعضها إلى حروب أهلية دامية؛ بسبب تعنّت أنظمة وتسلّطها، وتدخّل قوى أجنبية لتوجيه الحراك نحو مسارات تخدم مصالحها.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن أسواق مافيا السلاح قد انتعشت منذ 2001، أي بعد حادثة 11 سبتمبر/أيلول التي هزّت الولايات المتحدة الأمريكية، وما تزال أسرارها غامضة إلى يومنا هذا.
طبعاً إن الدول العربية المهددة بحروب على حدودها، بدورها رفعت من ميزانيات التسليح، والتي تضاعفت عند بعضها وبوتيرة سريعة للغاية، وهذا بلا شك ساهم في إنعاش أسواق بيع الأسلحة لدرجة لا يمكن وصفها.
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن بعض الدول لجأت إلى التورط في الحروب من أجل تجريب معداتها وأسلحتها الجديدة، كما فعلت موسكو في غزوها لسورية، وهو ما أقره، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد سحبه لجزء من قواته.
إن تحقيق حلم دولة صهيونية تمتد من الفرات إلى النيل؛ لا يمكن أن يحدث إلا بتدمير كل من مصر والعراق والأردن ولبنان وسورية، وتفتيت دول أخرى، على رأسها المملكة العربية السعودية، وهذا يتناغم إلى منتهى التطابق، مع أحلام الملالي، الذين بدورهم يؤمنون بضرورة تدمير أوطان المسلمين السنّة وتفتيتها، وتحويلها إلى مجرد كيانات هشة، يحقق لإيران الزعامة المطلقة في المنطقة.
لا يوجد شيء اسمه "المقاومة" في المخيال الصفوي، سوى تلك الموجهة للعرب والمسلمين السنّة، فـ "إسرائيل" ليس لها أي مكان عدائي في المعتقد الشيعي الإيراني، بل إن رفع شعارات العداء لتل أبيب يخدم "إسرائيل" نفسها، التي ستكون آمنة ما دامت المقاومة تحت سيطرة إيران، التي تستعملها وفق مصالح محددة، ليست عدائية حتماً للكيان العبري، بل لمن يعادون وتعاديهم الصهيونية.
كما يخدم إيران أيضاً التي تحقق هدفها في اختراق العالم الإسلامي، حيث، كما تستغل شعارات دينية مثل آل البيت رضي الله عنهم، فهي أيضاً تستعمل شعارات سياسية مثل فلسطين.
"إسرائيل" لا تخشى من جانب إيران أبداً، فهي تدرك أن المقاومة التي تتبناها ليس هدفها رمي اليهود في البحر وإبادتهم، كما يدعي الملالي في خرجاتهم الإعلامية، بل منتهى غايتها هو تذويب المسلمين والعرب في الحمض.
فالعداء اليهودي الديني للمسلمين والعرقي للعرب، يلتقي مع الملالي الذين بدورهم يعادون المسلمين دينياً والعرب عرقياً، ولهذا فالمصلحة العدائية المشتركة بين الطرفين جعل التحالف بينهما في صورة أخرى غير التي نألفها، حيث هذا يعلن عداءه لذلك على مستوى الشعارات، ولكن في الممارسات هما أصدقاء إلى منتهى الولاء المطلق.
"إسرائيل" تدرك أنها لا يمكن أن تجتثّ العداء العربي والإسلامي نحوها، ولكنها تستطيع أن تدجّن هذا العداء بثلاث طرق خبيثة:
أولاً:
جعل العداء العربي لـ "إسرائيل" يتحكّم فيه طرف يتعاون مع مخابراتها سرياً، ولهذا نجد أن المقاومة التي تتبناها إيران تندرج في هذا الإطار، وما "حزب الله" سوى وسيلة تعمل على احتواء المقاومة وفق منظور يخدم الكيان الصهيوني حتماً، ويكفي ما حققه، حسن نصرالله، للكيان الصهيوني في لبنان، حيث مكّنها من قوات دولية تحمي حدودها، وأيضاً قضى على المقاومة الحقيقية التي كانت تنغّص صفو المزاج الصهيوني.
ثانياً:
صناعة نموذج عدائي سيء ترفضه الشعوب العربية والإسلامية، مثل التنظيمات والميليشيات الإرهابية على غرار "داعش"، التي تقوم بجرائم يعافها الوجدان الإنساني، مهما كانت ملته أو دينه.
ثالثاً:
إشغال العرب والمسلمين بعدو آخر غير الصهيونية، وهذا لن يتحقق بأعداء وهميين، بل بعدو حقيقي يهدد الوجود العربي والإسلامي فعلياً، وبحروب تجري على أرض الواقع وليس في عالم افتراضي.
لهذا وجد الغربيون الداعمون للكيان الصهيوني ضالتهم في ملالي إيران، الذين يحملون كل المؤهلات العقدية والطائفية والعرقية لأن يكونوا العدو في المنطقة، الذي سيشغل العالم الإسلامي سنوات طويلة، حتى تبقى "إسرائيل" بعيدة عن الصراعات، وتبني نفسها في هدوء وسكينة.
إن حروب إيران النجسة في المنطقة العربية قد خدمت "إسرائيل" على كل المستويات والأصعدة، وهذا لا يمكن أن يكون صدفة، أو بمجرد التوجيه غير المباشر، أو بسبب جهالة تتخبط فيها إيران، بل إن ذلك يعود إلى كل هذه الأسباب مجتمعة معاً، إلى جانب تنسيق مرتب بين أجهزة مخابرات عديدة، ومنها الجهاز الإيراني بلا أدنى شك.
إيران اخترقت العالم العربي وتمكّنت من السيطرة على أغلب شيعته من خلال نظرية "الولي الفقيه"، وقد أدى هذا السكوت إلى سقوط عدة عواصم في مستنقعات حروب إيران النجسة، ومن الغباء أن تصمت دول عربية أخرى، مثل الجزائر ومصر وتونس والمغرب وغيرهم، عن التمدد الشيعي الإيراني الذي سيحقق فيها مستقبلاً – لا قدر الله - ما نراه حالياً في سورية والعراق ولبنان واليمن، وحتى الأحواز المحتلة منذ تسعين عاماً.
وسوم: العدد 663