حوار مع المستشرق جاك بيـرك

المستشرق المفكر الفرنسي جاك بيرك...

اهتم جاك بدراسة الجانب الاجتماعي في شمال افريقيا وما طرأ على المنطقة من غزوات وموجات..موجات البحر الهادر أو موجات عواصف الصحراء، وكان الأستاذ ير يد استكشاف منها ظاهرة اجتماعية وكان " ابن خلدون " يشده إلى نظريته.

كان اللقاء والحوار في (طرابلس الغرب عام 1970 ) حيثُ كان المفكر الفرنسي مدعو لكي يلقي محاظرة في كلية الهندسة بجامعة طرابلس بعنوان " المشرق والحضارة الصناعية " أو " الشرق والتكنولوجيا ".

من هو.. جاك بيرك

هدوء طبع..وعمق رؤى.. وسعة اطلاع.. يحترم قيمة الوقت.. فيه سيمة العلماء.. ووقار الباحثين.. ولم يكن سطحيا ً قريب المنال، إنما كان عميقا ً.. بعيد الغور.. صوت معبر لا يرتفع في موضع الانخفاض.. ولا ينخفض في موضع الارتفاع.. كلماته في موضعها كقطع الفسيفساء.. لا في جمودها ولونها.. إنما في دقتها وتناسقها ! الكلام العربي بين يديه عجينة لينة.. ولكنها ليست لزجة.. كما في أفواه بعض المستشرقين بالكلام !

هو المستشرق المفكر الفرنسي ..ولد في عام 1910 ..في قرية صغيرة بالجزائر تسمى " ونشريس " باعتباره والده كان موظفا ً بالجزائر..وهذه القرية موجودة في تاريخ الفقه والفكر الإسلامي، حيث قدمت لنا..الفقيه جامع الفنادى عبدالواحد الونشريسي !

- أولا ً أستاذ.. ما الذي شدك إلى دراسة الاستشراق والاهتمام بالتراث والحضارة الإسلامية ؟

* والدي...

- هل كان من أهل العلم ؟

* كان موظفا ً في حكومة الجزائر وكان أيضا ً من محيط علمي وله ميل فني.. وله بعض التآليف.

- وماذا عن دراسة والدك القيمة ؟

* ألف عن الفنون الإسلامية.

- هل تتلمذت على أحد من علماء الجزائر ؟ ومَن مِن شخصيات جزائرية أثرت في مجرى حياتك العلمية ؟؟

* أنا تلميذ محمد أبي شنب.

- إنه أستاذ عملاق ودراساته لها منهاج علمي محترم، ومن غيره يا أستاذ جاك ؟

* أيضا أنا صديق ..بل أكثر من صديق لولده وكان زميلي المرحوم .. سعد الدين أبو شنب.

- ومن حبب إليك اللغة العربية ؟.....* والدي.. حبب إلي اللغة العربية.

- أستاذ جاك.. بخبرتك وتأملاتك هل ترى أن الفكر الإنساني المعاصر يمر بأزمة أو محنة .. بصفة عامة ..وهناك سؤال آخر مبني عليه : هل دور المفكرين له قيمة عملية في صخب و ضجيج الحضارة المعاصرة ؟

* إن القلق والتحير من سمات الفكر ولا سيما في ظروف كهذه.. غير أن هنالك أيضا ً أدلة تسمح لنا أن نتفاءل أكثر عن دور المفكرين.

- وما هي دوافع أسباب هذا التفاؤل ؟

* إن المفكر هو الذي يعبر بالفن.. أو بالتحليل عن شعور وحقائق مجتمعة.. فدور التعبير في زماننا يتزايد.

- أستاذ جاك اسمح لي.. هذا التزايد هل يتزايد قيمة أم حاجة.. أم وزنا ً..بتغير آخر..من ناحية الكم أم الكيف ؟

* يتزايد كما ً!

- نتيجة لأي شيء ! وحتمية أي ظرف ؟

* نتيجة لانتشار وسائل التواصل.. ويتزايد الفكر قيمة لاحتياج المجتمعات إلى تحاليل.

- أستاذ جاك.. بعضهم يرى أن الحضارات تفنى ! وبعضهم يراها تتداخل وتتفاعل ولا تتلاشى وهل ترى أن الفناء يحيط بالحضارات ؟

* الحضارات المختلفة تذوى الموت.. إنها تصل إلى حافته.. ولكن لا تتردى في الفناء غير أن الحضارة الإنسانية ككل تستمر وهنالك نقطة أخرى تقدم العلوم الإنسانية وتطوير الجماهير يسمحان لأصحاب النوايا الصالحة أن يجتهدوا كرواد للمجتمعات.. لأجل تطوير الحضارات وتسليحها أمام أخطار المرض والهرم.

- ما هي الدوافع والعوامل التي دفعتكم إلى دراسة علمية منهجية للفكر العربي والإسلامي؟ أو الفكر الإنساني المقارن كيف تحسستم الطريق إلى تراث العرب ؟

* أنا من صباي تعايشت والعرب.. لدرجة أني بعد دراسة الجامعة التي كانت تتضمن التخصص مع اللغة الكلاسيكية القديمة أحسست بنوع من الملل من جامعة السربون وأحسست بالحنين إلى البلدان العربية.. فهجرت باريس.. ووالدي أرسلني إلى تسيخن.. هناك في قبيلة بدوية من جنوب الجزائر..أخذت أتعمق الحياة العربية وأتشرب اللغة فكون هذه أول مرحلة في تكويني كمستشرق !

- وهل هناك مرحلة وعوامل تكوينية أخرى ؟

* هناك أيضا من بادية الجزائر إلى مدينة فاس أتشرب اللغة من منابع قوية..مدينة فاس.. أتاحت لي فرصة الاستماع إلى مشايخ جامعة القرويين.

- ومن المدن العربية الأخرى ؟

* ثالثا ً.. القاهرة..التي أكملت تلك التربية بتطلعات أوسع وأنظار أبعد إلى اكتناه الشرق.

- أستاذ جاك.. هناك مراحل غطى فيها ضجيج الألفاظ على حقائق الفكر الحضاري..فما هي الأسباب ؟

ما هي عوامل الاهتمام بما لا يستحق الاهتمام وإهمال الفكر المبدع الخلاق ؟

وعلى سبيل المثال.. إهمال التوحيدي.. وابن رشد.. وابن حزم.. والاهتمام بشخصيات تافهه أوهامشية في تاريخ الأدب والفكر؟

* سؤالك هذا يدور حول سير النهوض والانحطاط في الحضارات.. ولا شك إن الحضارات العربية وصلت للقمم.. ثم نزلت عنها.. واجتازت مدة طويلة واستمرت خمسة قرون تتناثر فيها المضامين والأشكال فما هو سر ذلك !؟

لا شك أن حضارة كنظام حيوي لا بد أن تعتمد على حوار مستمر بين المنجزات الفكرية والأسس الطبيعية ، فالكثبر من المؤرخين ينسبون انحطاط الحضارة الإسلامية بعد أربعة عشر قرنا ً إلى أسباب اقتصادية وتكنولوجية.. فلا شك أن هنالك خطأ كبيرا ً من الصحة.. والآن الحضارة العربية وصلت إلى اختيار تحدي جديد.. لا يقل أهمية على ما سبق لها في عصورها الذهبية.. فإنها في ذلك الزمان استطاعت أن تتبنى حضارات أجنبية كبيرة من اليونانية والفارسية والهندية.

- أستاذ جاك.. هل ترى أن العالم يسير نحو حضارة واحدة.. ذات اتجاه وقالب واحد أم ستضل الحضارات حتى المعاصرة.. منوعة ! أليس طابع العصر التكنولوجي وحدة الحضارة لا سيما بعد هدم الفواصل.. وتحدي الحواجز وسرعة الاتصال..

* اتمن ذلك.. وأتمنى وحدة حضارية كوكبية بشرط أن تكون عالمية وأن لا تطغى على الشخصيات المساهمة له.. ومنها الحضارة العربية فقد كان موضوع محاضرتي.. وأدليت بتأملاتي عن الموضوع وبينت أسباب التفاؤل.. وأسباب التخوف.

- باعتبارك من المفكرين ذوي الطابع العالمي بمن تأثرت في الفكر الحضاري ؟ وسؤال بشكل آخر لو أتيح لك أن تعطي منفاخ الملاك اسرافيل من تتمنى أن يعود من المفكرين لدنيانا ليواصل عطاءه الفكري ؟

* سؤال عجيب ! ولكني أجيب !

على الشق الأول لست بذي مشاركة في وجود الحضارة العالمية وأما عن الاختيار لعلني أخطىء في اختيار البعض على البعض.

- ولكن يا أستاذ لا بد أنك تأثرت ببعض أكثر وأعجبت ببعض أكثر ؟

* حقيقة تأثرت بثلاثة من المفكرين العرب لعلني درستهم أكثر من غيرهم وهم :

البيروني – ابن رشد – ابن خلدون ( رياضي – وفيلسوف- واجتماعي ).

- ما هو العمل ! يا أستاذ ؟

* أنا أستاذ تاريخ – الإسلام الإجتماعي – أو تاريخ الإجتماع الإسلامي.. بكلية فرنسا ، وأستاذ اجتماع إسلامي في السربون.

- وماذا عن مؤلفاتك وأهمها ؟

* - العرب من أمس إلى الغد – المغرب بين جهادين..الحربين.

- أي حرب تقصد ؟

* حرب الاستعمار وحرب النفس.. الجهاد الأصغر والجهاد الأكبر.

- والمؤلفات الأخرى ؟

* منها : تحرر العالم مصر من الاستعمار إلى الثورة..... والكتاب الجديد هو " الشرق الثائر".

-  مَن مِن المفكرين العرب تعرف وتعجب به ؟

* طه حسين.. وتوفيق الحكيم وحسين فوزي.

- ومن الشعراء ؟

* أدونيس.

- فقط .. ليس بجانبه آخر ؟

* بدر شاكر السياب.

---------------------------------

وهنا انتهى الحوار.. وهنا توقف القلم.. وباستكمال الحوار ودّعنا ضيف ليبيا.

حاوره : الأديب على مصطفى المصراتي.

وسوم: العدد 667