دلالة تكريم من يحال على المعاش
فوجئت بحفلي تكريم نظمهما أساتذة مادة اللغة العربية بالمديرية الإقليمية بجرادة، حيث نظم الحفل الأول من طرف أساتذة السلك الإعدادي ، وكان ذلك بثانوية جرادة الإعدادية ، وكان مفاجأة كبرى بالنسبة لي حين أنهيت ندوة تربوية، فدعيت لمشاهدة شريط مسجل خلته نشاطا من أنشطة المؤسسة ، فإذا بي أشاهد صورا لي ولأفراد عائلتي لم أدر كيف وصلت إلى يد من أعد شريطا عني يذكر فيه محطات من حياتي ،خصوصا وأن تلك الصور كنت أحتفظ بها في مكان لا تصل إليه حتى أيدي أهلي وقرابتي . لقد كانت بالفعل مفاجأة لم أتوقعها ، وكان إعداد الشريط بمناسبة إحالتي على المعاش، وأنا في وضعية تمديد المهمة إلى غاية نهاية الموسم الدراسي الحالي . ولقد علمت بالفعل أن أحد أقاربي وهو صاحب موقع الشرق اليوم السيد رشيد بلمكي اتصل بأحد أبنائي، فطلب منه اختلاس بعض صوري الشخصية ، وصورا عائلية ليسلمها بدوره إلى الأستاذ الفاضل السيد حمداوي و كان من جيرتي أيام الشباب ، وقد سلمها هذا الأخير إلى أستاذة اللغة العربية الفاضلة السيدة فريدة لطرش التي أعدت شريط التكريم نيابة عن زميلاتها وزملائها، والشكر موصول للجميع . لقد كانت لحظة مؤثرة بالنسبة لي، ولم أستطع حبس دموعي لأنه لم يخطر ببالي أن أكون موضوع تكريم لأنني لا أرى نفسي أهلا للتكريم لأنني أرى نفسي مجرد إنسان بسيط، ومجرد موظف بسيط، وأسأل الله عز وجل ألا أكون قد قصرت في واجبي ، ولا أعتقد أن من قام بواجبه يستحق التكريم . وأعتقد أن دلالة هذا التكريم هو التعبير عن المشاعر أثناء التوديع حيث ودع الأساتذة مفتشهم الذي أنهى الخدمة ، وعبروا بذلك عن العلاقة الإنسانية التي كانت تربطهم به، علما بأن علاقة المفتشين بالمدرسين قلما تطبعها العلاقة الإنسانية، لأن مهمة التفتيش تشبه مهمة التحكيم أو القضاء حيث يكون المفتش حكما وقاضيا كما هو حال الحكم في مجال كرة القدم أو كما هو حال القاضي في مجال القضاء، مع العلم أن القاضي أو الحكم لا يعدمان العلاقة الإنسانية مع الذين يعاملان معهم . وقد يقسو الحكم في إصدار بعض الأحكام ضد اللاعبين في نظرهم ، فيخرج أوراقه الصفراء والحمراء ، وتضج مدرجات الملاعب بالاحتجاجات الصاخبة ضده، ويحتج عليه اللاعبون والمدربون ، وقد ينتهي إلى سمعه أنواع شتى من الشتائم والتجريحات، وقد يقسو أيضا القاضي في إصدار بعض الأحكام ،وحاله أفضل من حال حكم كرة القدم لأن وضعه لا يسمح بالاحتجاج عليه وهو محاط بقانون صارم . ولقد استبعد أساتذة اللغة العربية بهذه المناسبة العلاقة الوظيفية ، واستحضروا العلاقة الإنسانية لأن المفتش انتهت مهمته وبقي إنسانيته . وجاء التكريم الثاني من طرف أساتذة اللغة العربية للتعليم التأهيلي بمؤسسة القدس بمدينة توسيت بعد درس تجريبي ، ولم تكن مفاجأة لأنني أخبرت سلفا بها من طرف الأستاذ الفاضل السيد عبد الله مهادى الذي تولى إعداد حفل التكريم نيابة عن كل زميلاته وزملائه ،والشكر موصول للجميع . ومع أنني حرصت على ألا أسمح لدموعي بالانسياب كما حصل في حفل التكريم الأول ، وقاومتها إلا أن أجواء الوداع غلبت علي ، فوجدتني أبكي مرة أخرى، وأنا أتخيل نفسي راحلا عن أساتذة فيهم الأخ والأخت والابن والبنت كما يرحل الإنسان عن هذه الحياة وقد أحاط به أهله وأبناؤه وأحباؤه يبكونه ويبكيهم ساعة الرحيل .ولقد كانت الكلمات التي ألقيت في حفل التكريم سواء الأول أو الثاني مؤثرة لأنها كانت مفعمة بالمشاعر الجياشة والصادقة ، ولأنها كانت تخرج من قلوب من تناوبوا على الكلام، وتستقر بقلبي الذي كان يحس صدقها . ولئن أثنى علي أساتذة اللغة العربية في الحفلين تكريما لي ـ وما أظنني في مستوى الثناء الذي حظيت به ـ فإنني أحتفظ بتكريمهم لي يوم كنت أزاول مهمتي حيث كان المجدون الذين يبذلون قصارى جهودهم لإفادة المتعلمين يكرمونني أفضل تكريم بما يبذلونه من جهود حيث كنت أنصرف من فصولهم وأنا في غاية السعادة . وسأحتفظ بالتقارير التي سعدت بها ، وهي عندي بمثابة هدايا ثمينة أهديت لي، بل هي أفضل الهدايا ، وإن كنت أثمن عاليا هديتين تلقيتهما خلال الحفلين، وهما مصحف شريف ولوحة عليها آيات بينات من الذكر الحكيم ، هما أغلى ما يهدى على الإطلاق . وخير ما يحظى به المنهي للخدمة هو حفل تكريم يكون مناسبة للتعبير عن صادق المشاعر ، فيغادر وهو سعيد بتلك المشاعر التي لم يسبق له أن أحس بمثلها وهو يزاول عمله . وسيبقى ذكر أساتذة مادة اللغة العربية بالمديرية الإقليمية بجرادة عالقا في الوجدان لا يطويه النسيان ، فلهم الشكر الكثير العميق مع الامتنان على تكريم أخجل توضعي ، وأحسبه صادقا فوق ما أستحق ، وإن دلالته عندي هو أنهم أهل فضل يحفظون الود ويرعونه حق الرعاية، فجزاهم الله عني خير الجزاء ، وسدد خطاهم ، وبارك سعيهم وهم خيار الناس تعلموا وعلموا ،وقد رفع جل جلاله من شأن أهل العلم فقال : (( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات )) كما امتدحهم رسوله صلى الله عليه وسلم فقال : " خيركم من تعلم العلم وعلمه " صدق الله العظيم وصدق رسوله الكريم .
وسوم: العدد 670