إحدى عجائب الدّنيا السّبع تُبنى من أجل أميرة كرديّة
تُعتبَر حدائق بابل المعلّقة من إحدى عجائب الدّنيا السّبع التي كان البعض يشكّ في وجودها دون أن يقدّم دليلاً مادياً على ما يجعل تلك الحدائق غير موجودة حسب زعمهم، وخاصّة أنّ المؤرّخين والرّحّالة مثل سترابون وديودروس أتوا على ذكرها من قبل.
كان الميديّون أحد أهم الشّعوب الهندوأوربيّة التي تشكّل أسﻻف الشّعب الكورديّ، وﻻيزال بعض الكورد يتخذون من رايتهم الصّفراء رمزاً لهم، حتى أنّ السّلطان صﻻح الدّين الأيوبيّ أيضاً اتخذ راية صفراء لدولته، ويتردّد ذكرهم في النّشيد الوطنيّ الكورديّ، وكان دياكو قد وحّد الميديين ومن ثمّ أراد الميديون التّخلّص من حكم الآشورييّن، فاتفق كيخسرو الميديّ -ويرد اسمه أيضاً بصيغة خشتره واكزرسيس باليونانيّ- مع نابوبوﻻصار ابن كاند حاكم بابل وجنوب آشور لمحاربة الآشوريين، فكان الهجوم في يوم الثﻻثاء 21آذار عام 612ق.م على نينوى، وعزّز التّحالف بزواج الأميرة اميتس بنت كيخسرو من الأمير نبوخذ نصر بن نابو ﻻصار، وبعد سقوط نينوى تقاسمت الدّولتان أراضيمها.
عندما استقرّت الأميرة امتيس في بابل لم يكن جوّها الحار وأرضها السّهلية تشبه ما تعوّدت عليها هي في موطنها حيث جبال الوند والأشجار والمياه الوفيرة، فقرّر نبوخذ نصر إرضاء زوجته بأن بنى لها بناء مرتفعاً قدّر ارتفاعه بحوالي 100م وعرضه حوالي 7م وربط بين أجزائه بواسطة سﻻلم رخامية وضعت في كلّ دور مجموعة من الأواني الكبيرة والتي صبّ في أسفلها الرّصاص، وزرعت بمختلف أنواع الورود فضﻻً عن فسقات في أعلى الحدائق كان فيها مايشبه انحدار المياه من الشّﻻﻻت، ولعلّ أحد أحبّ ركن لنبوخذ نصر كان الذي يحوي على ورود الجوريّ الحمراء نظراً لأن امتيس كانت تحبّ الورد الجوريّ الأحمر.
يُقال إنّ المدينة كانت ذات أسوار يبلغ ارتفاعها 350 قدماً وثخانتها 87 قدما وكان لهذه الأسوار مائة باب مصنوع من الذّهب، ولكلّ باب قوائم وسقوف من الذّهب أيضاً.
وسمّيت حدائق معلّقة لأنّها كانت ممتدّة على شكل مصاطب مدرجة الواحدة فوق الأخرى ومحمولة على عوارض وأعمدة من الحجر والرّخام.
ماذا كان مصير تلك الحدائق؟
في الحقيقة لم تتحدّث المصادر التّاريخيّة عن انهيار تلك الحدائق، ولكنّها أشارت إلى حادثة معروفة في التّاريخ أﻻ وهي ثورة سكّان بابل على ملك الفرس داريوس الأول 522ق.م ولكن وعلى الرّغم من أنّهم أخذوا احتياطهم وبعد حصار دام أكثر من سنة درج فيه أهل بابل على ترديد مقولة "اذهب أيّها الفارسيّ إلى أرضك، لن تدخل مدينتنا قبل أن تلد البغال مهراً -حيث كان اﻻعتقاد السّائد عند الكلدان سكان بابل أن البغال ﻻ تولد- فإنّ الفرس وصلوا إليهم، وتغلّبوا عليهم، وعندما اقتحم داريوس المدينة حطّم أسوارها وأبراجها، وخلع أبوابها، ودمّر الكثير من معالمها وﻻ يستبعد أن تكون قد نال الحدائق ما نال باقي معالم المدينة وخاصّة أنّ هيرودوت الذي زار المدينة بعد حوالي 150سنة من حكم نبوخذ نصر "حكم بين عامي 605-562ق.م" لم يذكر أو يعطي أيّ وصف لحدائق بابل، بل أشار إلى معبد الإله مردوخ الذي كان يعتليه صفحة من ذهب.
مهما يكن من أمر هذه الحدائق فإنّ كلّ المصادر التّاريخيّة والمرويّة والشّفويّة تؤكّد على أنّها بنيت من أجل امرأةٍ كرديّة، كانت أميرة أعظم الدّول آنذاك، ما يدلّ على مكانة الكرديّة قديماً ودورها الفعّال والهامّ في المجتمع والحكم وفي الأسرة أيضاً، وأنّها كانت تتمتّع بشخصيّة مؤثَرةٍ تؤهّلها للعيش الكريم والمكانة اللائقة بها، ويشير إشارة واضحة إلى حضارة وتمدّن الشّعب الكرديّ منذ أقدم العصور والأزمان، وضرورة أن نعود إلى تاريخنا، ونتلقى منه العبر والمواعظ على امتداد الزّمان.
وسوم: العدد 673